فرص واعدة لعلاج سرطان الثدي الانتكاسي
أسهمت التطورات العلمية المتلاحقة في الاكتشاف والعلاج المبكرين لسرطان الثدي، مما ساعد في شفاء الكثيرات من المرض، غير أن الأطباء ما زالوا غير قادرين على التأكد من عدم عودة سرطان الثدي مرة أخرى.
فالخلايا السرطانية التي لم يتم اكتشافها تظل داخل الجسم بعد العلاج الرئيسي الذي يعطى عند اكتشاف المرض أول مرة. ورغم أن الورم قد يبدو أنه أُزيل أو تم تدمير خلاياه بالكامل، تبقى عودته ممكنة، وهذا ما يسميه الأطباء بسرطان الثدي الانتكاسي Recurrent Breast Cancer.
سرطان انتكاسي
ويتطلع الباحثون في أنحاء العالم إلى التوصل لوضع استراتيجيات وقائية وخطط علاجية أفضل لتقليل فرص عودة السرطان والحماية منه واكتشافه وتشخيصه ومعالجته مبكرًا عند عودته، حيث أصبحت هناك الآن خيارات مثلى للتعامل مع سرطان الثدي الانتكاسي، خصوصًا تلك الحالات التي يحمل نوع الورم فيها مؤشرات ودلائل لمستقبلات هرمونية واضحة المعالم يسهل التعامل معها وفق الخيارات العلاجية المتاحة.
كما أصبحت هناك إمكانية للسيطرة على نمو الورم وتطوره وانتشاره في كثير من الحالات غير القابلة للشفاء، فضلاً عن فرص واعدة لوضع استراتيجيات علاجية جيدة لزيادة متوسط عمر مريضة سرطان الثدي الانتكاسي وخلوها من المرض مع قدرة التغلب على الأعراض المصاحبة له وزيادة نوعية وجودة الحياة لدى المرضى.
وقد يكون سرطان الثدي الانتكاسي أصعب وأقوى من الإصابة السابقة، خصوصًا في أورام الثدي التي تُصنّف من النوع عالي الخطورة، ومنها ذلك النوع الذي يتسم بمعدل مرتفع من البروتين «هير2» (HER2) وتعد أورام الثدي إيجابية البروتين «HER2» نوعًا مميزًا من أورام الثدي، حيث تمثل ما بين 20 و30 في المائة من مجمل إصابات سرطان الثدي، فضلاً عن زيادة فرص عودة المرض بعد العلاج. ويدفع وجود مستقبلات هذا البروتين بهذه الوفرة الخلايا السرطانية إلى الانقسام والتكاثر على نحو أسرع.
ولذلك يتطلب سرطان الثدي إيجابي البروتين «هير2» رعاية خاصة، بسبب سلوكه الغريب، ناهيك بشراسته.
أسباب الانتكاسة
هناك نسبةً ممن تخلصن من سرطان الثدي قد يعاودهن المرض مرة أخرى ويحدث الانتكاس غالبًا في السنوات الخمس الأولى بعد العلاج. ومن بين العوامل التي تساعد في زيادة فرص الانتكاس ما يلي:
- نشاط الخلايا التي نتجت عن الإصابة السابقة خاصة إذا كان الورم البيولوجي من النوع الأكثر شراسة «هير2، والثلاثي السلبي».
- أن يكون تشخيص المرض السابق في مراحل متقدمة نسبيًا اعتمادًا على عدة معايير ترتبط بحجم الورم ومدى انتشاره للعقد اللمفاوية والنوع البيولوجي لورم الثدي.
- النساء صغيرات السن، وخصوصًا من هن تحت سن 35 سنة في الوقت الذي يتم فيه تشخيص الإصابة الأولى بسرطان الثدي، واللاتي يعد السرطان لديهن وراثيًا (نتيجة لخلل في الجين الوراثي BRCA1 / 2))، يكنّ أكثر عرضة لخطر الإصابة بسرطان الثدي مرة أخرى.
ولا شك ان ارتفاع نسبة الوعي والتثقيف الصحي لدى النساء من شأنه أن يسهم بشكل كبير في اكتشاف الأورام في مراحلها المبكرة والحد من النسب المتزايدة للحالات التي تصل إلى مرافق الرعاية الصحية في مراحل متأخرة يكون فيها حجم الورم أكبر من 5 سنتيمترات، وتكون الإصابة امتدت إلى الغدد اللمفاوية. وثمة اعتقادات خاطئة تتعلق بعلاجات سرطان الثدي، وأهمية الوقاية منه وتشخيصه مبكرًا وعلاجه والتعايش معه بعد الإصابة به، وهي تشكل عاملاً مهمًا لا بد من الاهتمام به.
معايير علاجية حديثة
أن التخطيط لعلاج سرطان الثدي المتكرر يستند إلى عدة عوامل، منها شكل ونوعية الرعاية التي تلقتها المريضة في علاج سرطان الثدي السابق والفترة الزمنية الخالية من المرض بعد التشخيص الأول.
والأطباء أصبحت لديهم حاليًا القدرة على تصنيف النوع البيولوجي لخلية الورم، ما يساعد بشكل كبير في معرفة متلقيات بروتينية وتفاعلات بيولوجية كثيرة لها علاقة مباشرة بنمو الخلايا السرطانية. واكتشاف الكثير من العلاجات البيولوجية الهادفة لسرطان الثدي من نوع «هير2» إيجابي المستقبلات تستطيع التفاعل مع هذا المتلقيات البروتينية وإيقافها، مما يسفر عن موت الخلايا السرطانية دون إلحاق أي ضرر بالخلايا السليمة.
إن هذا يمثل حاليًا أحد المعايير العلاجية التي تقدم لمريضة سرطان الثدي مصحوبًا بالعلاج الكيمائي والجراحي بالإضافة للعلاج الهرموني والإشعاعي.
ونؤكد على أن التقدم في مجال العلاج البيولوجي الهادف يخفف من انتكاسة المرض ويزيد من احتمال الشفاء والحياة دون مرض بنسب عالية خاصة في المراحل التي يُصنف فيها الورم السابق مبكرًا (المرحلتين الأولى والثانية)، مبينة أن قرارات علاج سرطان الثدي معقدة ويجب أن يكون هناك تطبيق لاستراتيجية شخصنة العلاج فيها حتى يتسنى لمريضة السرطان الحصول على الرعاية الطبية الناجعة.
تطورات علاجية
تقول البروفسورة نادية هاربيك أستاذ ورئيس مركز أورام الثدي في جامعة ميونيخ بألمانيا، ورئيس وحدة علاج الأورام والتجارب السريرية في قسم جامعة أمراض النساء بميونيخ، إن هدف العلاج ليس فقط علاج المرض، بل أن تتاح للمريضة الفرصة لأن تعيش لفترة أطول دون مرض، ويمكن أن يساعد في تخفيف أعراض مرض السرطان الذي يسببه.
ولفتت إلى أن سرطان الثدي الانتكاسي قد يكون أصعب وأقوى في علاجه مقارنة بالإصابة السابقة في مراحلها الأولية وما قبل الانتشار، خصوصًا تلك الأورام التي تُصنّف ضمن النوع إيجابي المستقبلات «هير2»، لكن التطورات الحديثة في مجال علاج سرطان الثدي إيجابي المستقبلات «هير2» مثل «T - DM1» قدمت فرصًا عالية لإمكانية السيطرة على المرض في الحالات غير القابلة للشفاء.
وأشارت إلى أن هذا التطور الجديد يمثل نقلة نوعية في علاج سرطان الثدي لدى المرضى اللائي يعود لهن المرض ويعتبر الأول من نوعه بارتباط «T - DM1» إذ إن لديه قدرات علاجية قوية لسرطان الثدي المتقدم «هير2» (HER2)، ويعتبر مزيجًا من «هيرسبتن Herceptin» ودواء آخر قوي المفعول يعرف بـ«ايمتانسين»Ado - trastuzumab emtansine (Kadcyla)، وهو مخصص للعلاج بالمواد الكيمائية، ويعمل على مهاجمة الخلايا السرطانية، فيما تنحصر مهام العقار الأول في نقل تلك المواد الهجومية.
ولا يعزز هذا من فرصة زيادة متوسط العمر لدى المريضة فحسب، بل يُمَكِّن الأطباء أيضًا من زيادة السيطرة على الأعراض المصاحبة للمرض الانتكاسي وزيادة جودة ونوعية الحياة لدى المريضات، لذا لدينا الآن خيارات علاجية متعددة ومع هذا التطور نستطيع أن نحدد الاستخدام الأمثل للعلاج ووضع استراتيجيات علاجية واعدة.
دراسة إيميليا
تعد الدراسة العلمية «إيميليا the EMILIA Study» التي شاركت فيها 991 من مريضات أورام الثدي المتقدم من النوع الأشد عدوانية إيجابي المستقبلات «هير2» ممن سبق لهن تلقي العلاج الأساسي وعاد لهن المرض بعد فترة من الزمن، واحدة من أهم الدراسات الطبية التي تبعث الأمل لدى مريضات سرطان الثدي الانتكاسي. وتعني هذا الدراسة بعقار «كادسيلا» (KADCYLA) «تي – دي إم1» (T - DM1) الذي صادقت عليه أخيرًا هيئة الغذاء والدواء الأميركية FDA، وهو يصلح لعلاج أحد أشد أنواع سرطان الثدي عالي الخطورة، والذي يعرف باسم سرطان الثدي من النوع إيجابي مستقبلات «هير2» (HER2).
وتشير نتائج الدراسة إلى أن هذا العقار يؤدي إلى انكماش الورم، ويبطئ من تقدم المرض ويزيد من فرص البقاء على قيد الحياة، وهو ثالث عقار تم إنتاجه لاستهداف بروتين «هير2» (HER2)، الذي يتسبب في أشد أنواع الأورام السرطانية.
وتبين الدراسة العالمية أن استخدامه ساعد على: تقليل فرص الوفاة بنسبة 32 في المائة مقارنة بمن لم يستخدمنه في برنامج العلاج بعد عودة المرض لديهن. كما ساعد على زيادة أمد حياة المريضات ليصل إلى 30.9 شهر.
وأدى إلى الحد من انتشار المرض بنسبة 35 في المائة، والمساهمة في بقاء المريضات فترة أطول دون هذا المرض الخطير (بواقع 9.6 أشهر) ودون أن تعاودهن الإصابة مرة أخرى مقارنة بالأدوية المستخدمة حاليًا.