الأسلوب «السبور» .. التوجه الجديد في عالم الموضة الرجالية
لن يلومك أحد إن اشتكيت بأن الموضة تحيرك وبأن المصممين يلعبون معك لعبة القط والفأر. فأنت ما إن تقتنع بأسلوب معين وتتقبله، أحيانا على مضض، حتى يفاجئوك بما يناقضه، بحجة التجديد وتقديم الجديد.
أكبر دليل على هذا أنهم بعد أكثر من عقد من الزمن وهو يجتهدون لإقناعك بالعودة إلى البدلة وكل ما يتعلق بها من إكسسوارات ومكملات، ها هم اليوم يحاولون إقناعك بأن تتبنى الأناقة المطبوعة بلمسة «سبور»، وحتى لا تكون هذه الخطوة صادمة يحاولون تخفيف تأثيرها بتشجيعك على مزج البدلة الكلاسيكية، التي تعودت عليها، بقطع منفصلة واكسسوارات تتميز بالانطلاق والراحة.
ويبدو أن محاولاتهم تجد لها صدى في الشارع بالنظر إلى عدد الشباب تحديدا، الذين تقبلوا سريعا فكرة تنسيق بدلاتهم المحددة على الجسم مع أحذية «رياضية»، الأمر الذي يخلق لوحة تخلق تناقضا متناغما يثير الإعجاب.
ما يجب أن تتذكره سيدي الرجل، أن الحالة الاقتصادية تبرر الوسيلة التي يعتمدونها للوصول إلى خزانتك، والتوقعات الاقتصادية لعام 2016 غير مطمئنة، والكل في عالم الموضة ينعي ويبكي، رغم محاولاتهم المستميتة أن يعكسوا صورة متفائلة حتى لا تُؤثر عدم الثقة في المستقبل على الأسواق.
ما من شك أنهم يكتوون بنار الأزمة، ورغم المحاولات التي قاموا بها للتصدي لها، فإن شبحها لا يزال يؤرقهم.
الأزياء الرجالية هي القطاع الذي يمنحهم بصيصا من الأمل نظرا لتناميه المتسارع مقارنة بغيره، بفضل إقبال الشباب على الموضة وتقبلهم لها كوسيلة للتعبير عن أنفسهم وشخصياتهم.
لهذا ليس غريبا أن تشكل هذه الشريحة هدفا بالنسبة لصناع الموضة يحاولون جذبه وإغراءه بكل الوسائل. والأهم من هذا عدم التراخي في تقديم الجديد، حتى لا يمل ويعود إلى سابق عهده حين كان يكتفي بما يرتاح إليه. فقد أدركوا أنهم لكي يحافظوا على اهتمامه وولائه، عليهم أن لا يتركوه يتآلف مع أسلوب واحد لوقت طويل.
هذا الرجل، كما يصفونه، ناجح يتنقل بين القارات للعمل، ويقضي إجازاته، إما في جزر الكاريبي أو في الريفييرا الفرنسية أو غاشتاد السويسرية وغيرها من المنتجعات المترفة. ليس هذا فحسب، فهو أيضا متحمس ومنفتح على الاستثمار في مظهره ولا يتحرج من استعراض نجاحه، أيا كان الثمن، ما دام هذا المظهر مترفا ومتميزا.
هذه الرغبة في التميز والحصول على قطع فريدة تتجاوز الأزياء والإكسسوارات إلى منتجات أخرى قد تكون صندوقا لا مثيل له يحفظ فيه سيجاره الكوبي الفاخر، أو خزانات مبتكرة تضم كل أزيائه، يمكن أن تنتقل معه بسهولة خلال أسفاره الطويلة، فتُشعره بالدفء والأمان لأنه محاط بكل أغراضه الحميمة والعزيزة على قلبه.
هذا هو الرجل الذي يحلم صناع الموضة بالوصول إليه بأي شكل. في السنوات الماضية باعوا له أسلوب الـ «داندي» العصري من خلال البدلات المفصلة وإكسسواراتها المختلفة، من الصديري وربطة العنق إلى القميص الحريري، ومنديل الجيب والأحذية الملونة وغيرها، والآن يراهنون على قدرته على المزج بين الأساليب، أي بين الكلاسيكي و«الكاجوال» لبيع القطع المنفصلة.
نظرة سريعة إلى ما يلبسه الشباب في الشوارع العالمية حاليا، تؤكد أنهم حققوا هدفهم، فالأناقة العصرية في هذا الموسم لا تركز على التفصيل وحده، بقدر ما تركز على ذلك الأسلوب الشبابي الحيوي المنطلق، الذي أطلقوا عليه الأسلوب «السبور» ويزاوج بين الاثنين.
تجدر الإشارة إلى أنه ليس أسلوبا جديدا، بل يتكرر أمام أعيننا منذ مواسم، الفرق أن جرعته زادت هذا الموسم إلى حد الخطر، لأنهم لو أضافوا إليه جرعة واحدة أخرى لأصبح مجرد تقليد واستنساخ للملابس الرياضية، وهذا تحديدا هو المطب الذي على الرجل أن يتجنبه.
لحسن الحظ أن كبار المصممين اكتفوا بالاستلهام من الرياضة، بأخذ تفاصيل بسيطة مثل السحابات والأقمشة المريحة والأحزمة المطاطة، في قطع يعرفها الرجل جيدا، مثل جاكيت الجلد و«تي-شيرتات» البولو والكنزات ذات القلنسوات وبنطلونات واسعة من الكشمير وغيرها. الجديد هنا طريقة تنسيقها مع سترات أو بنطلونات مفصلة، وهو ما يطلقون عليه عنوان «التفصيل السبور».
وقد يشمل هذا المظهر سترة توكسيدو مع حذاء «سنيكر»، أو بدلة مفصلة ببنطلون يعلو الكاحل و«تي-شيرت» من القطن يمكن إضافة جاكيت قصير من الجلد أو كنزة سميكة بسحاب فوقها للاحتماء من البرد مثلا.
عندما سئل مصمم «ديور أوم» البلجيكي كريس فان آشي عن هذا التوجه الذي عانقه بقوة، أجاب: «عندما أنكب على التصميم، أتصور رجلا أنيقا يتوجه لحفل أوبرا راكبا دراجة هوائية أو لوح تزلج».
ورغم أن هذه الصورة لا توجد إلا في مخيلة المصمم إلا أنها تترجم رؤيته ورغبته الجمع بين الأناقة الراقية والرسمية وبين الأسلوب الشبابي المتحرر من القيود، وهو ما تابعناه في عرضه لموسمي الربيع والصيف الحاليين.
جون راي مصمم دار «دانهيل» البريطانية، من بين أكثر من نجحوا في تلخيص هذه الرؤية رغم أن الدار معروفة بشخصيتها الإنجليزية القحة، ولغتها الكلاسيكية التي تخاطب رجلا يميل إلى الرسمية.
ما يُحسب له أنه لم يغير جلده لكي يركب هذه الموجة، بل العكس تماما طوعها لتعكس أسلوبه الإنجليزي بالحفاظ على أساسياتها والاكتفاء بمنحها خطوطا واسعة ومريحة. تفسيره كان تصميم «أزياء يرغب فيها الرجل .. نحن نحتاج إلى ما هو أكثر من بدلة مكونة من قطعتين، نحتاج إلى قطع أقل رسمية».
وهذا ما ظهر في تصاميم أكثر اتساعا سواء تعلق الأمر بالكنزات الصوفية أو بالقمصان والبنطلونات ذات الطيات الأمامية.
وجاءت النتيجة تضج بالرجولة وتبتعد إلى حد ما عن الرجل الصبياني المقاييس، التي يروج لها البعض من أمثال هادي سليمان وراف سيمونز وغيرهما.
جون راي ليس وحده في هذا الرأي، بل يوافقه عليه توماس ماير، مصمم دار «بوتيغا فينيتا»، وباتريك غرانت وإي.توتز وجيورجيو أرماني وآخرون، ممن يؤمنون بأن الأحجام والأسلوب المريح مهمان إلى جانب التوازن، خصوصا أنه ليس كل الرجال يتمتعون بمقاسات عارضي الأزياء، كما ليست لهم الإرادة الكافية لإنقاص أوزانهم كما فعل كارل لاغرفيلد منذ أكثر من عقد من الزمن لكي يتسنى له الاستمتاع بتصاميم هادي سليمان، الذي كان آنذاك مصمم «ديور أوم».
بيد أن المسألة لا تتعلق بالوزن وحده، بل أيضا بالعمر، فشريحة كبيرة من الرجال الذين يتوجه لهم هؤلاء المصممين، تعدوا الأربعين من العمر، أي من الجيل الذي عايش انتعاش قطاع الأزياء الرجالية ووقع في حب الموضة عموما وبالتالي لا يريد أن يُفرط في متعته بها.
بدورهم لا يريد المصممون التفريط في هذا الزبون المقتدر، ويحاولون إيجاد حل وسط يُبقيه في الملعب وفي الوقت ذاته يمنحه الأناقة المطلوبة رغم صعوبة الأمر.
فبينما استهدف التفصيل الشباب والكهول، فإن الأسلوب الـ«سبور» يحتاج إلى عملية تسويق ذكية لإقناع الكل بها.