تعرف علاقة الفاكهة بالأساطير والخرافات

التفاحة تشعل حرب طروادة .. ودم العاشقين في بابل يصبغ التوت باللون الأحمر
التفاحة تشعل حرب طروادة .. ودم العاشقين في بابل يصبغ التوت باللون الأحمر

لطالما ارتبط الطعام بالخرافات والأساطير والأديان، وخصوصًا الفاكهة لأهميتها، ورمزيتها، ومذاقاتها وأشكالها.


وفيما تختلف الأساطير والخرافات عبر القارات والبلدان، تتقاطع كثيرا في تفسيراتها ورموزها، وتحاول أن تعطي أنواع الفاكهة معاني وصورًا أسطورية وميتافيزيقية غريبة.

وقد ارتبطت رموز الفاكهة بشكل خاص بالكثرة، والخصوبة، والحصاد، والمتع، والشراهة، والإغراء، والجمال والسحر.

ولا تقتصر عملية أسطرة وخرفنة الفاكهة والخضراوات على حضارة واحدة من الحضارات أو شعب واحد من الشعوب، إذ إن العملية تنشر في جميع أنحاء المعمورة، في آسيا والشرق، في أوروبا واسكندنافيا، في الأميركيتين الحديثة واللاتينية وأفريقيا، إذ إن العلاقة المعقدة مع هذه المادة الهامة للبقاء تعود إلى بداية البشرية وتجاربها الأولى في الحياة منذ قديم قديم الزمان.

الفاكهة والثمار
وتقول الأسطورة اليونانية القديمة حول رمز الوفرة، إنه عندما أنجبت ريا ابنة غايا واورانوس وزوجة أخيها الجبار كرونوس، الإله زيوس وضعته في أحد كهوف جبل أيدا في جزيرة كريت حتى لا يعثر عليه أبوه كرونوس ويبتلعه كما فعل مع أطفالها السابقين، فاعتنت به العنزة أمالثيا وقدمت له حليبها لينمو ويكبر. 

وفي يوم من الأيام وبينما كان زيوس يلعب معها كسر أحد قرونها. ولرد الجميل لها والاعتذار منها وإكرامها بارك زيوس القرن ليحقق رغباتها في أي شيء تريديه كما الحال مع الفانوس السحري.

وتقول القصة إن أمالثيا ملأت القرن بالفاكهة والثمار والورود وقدمته إلى زيوس الذي وضعه في السماء ليصبح كوكبة من الكوكبات. ومن هناك أصبح القرن يعرف بقرن الوفرة ورمزا لها.

التين
وتقول الأساطير الإغريقية القديمة «إن الإله هاديس (اسمه يعني مانح الثروة كناية عما تحمله باطن الأرض من كنوز والتي هي جزء من مملكته) خطف برسيفونى ابنة ربة الزراعة ديميتر وحبسها معه في العالم السفلي فأخذت أمها تجوب الأرض باحثة عنها وهي تبكى عليها حزنا لفراقها. 

حزنت ديميتر عليها حزنا شديدا فحزنت الحقول لحزنها وجفت، حتى وافق هاديس «وبعد أمر من الإله زيوس»، على إعادتها بشرط أن تكون معه في وقت من العام فكانت الفترة التي تقضيها برسيفونى مع أمها هي فترة الحصاد والمحاصيل والأزهار والفترة التي تقضيها مع هاديس هي فترة الجفاف والذبول» على وجه الأرض.

بأية حال فإن أثناء عملية البحث عن برسيفوني، مكثت ديميتر عند رجل من سكان أتيكا في جنوب اليونان، ولأنه كان كريما ومضيافا معها، شكرته عبر إعطائه أول شجرة للتين. ويقال اسم ديونيسوس (وهو باخوس إله الخمر في الأساطير الرومانية) يعني «صديق التين» باللغة اليونانية.

وقد استخدم كل من آدم وحواء أوراق التين لتغطية عوراتهم في جنة عدن، ويعتبر التين من الفاكهة المهمة في التراث الإسلامي، إذ جاء ذكره في القرآن الكريم. كما كان لشجرة التين أهمية خاصة لدى البوذيين إذ إن بوذا عندما جاءه التنوير أو النور عام 528 قبل الميلاد كان يجلس تحت شجرة الـ «بو» وهي نوع من أنواع التين، ولهذا لا تزال رمزا للتنور والتنوير عند البوذيين.

وقصة الشجرة، قصة رومانية قديم، حيث يقول الرومان إن الذئب الذي أرضع رومولوس وريموس (مؤسسا روما في الأساطير الرومانية) استراح تحت شجرة التين ولذا كانت الشجرة مقدسة لأهل روما في قديم الزمان وكان التين يقدم كهدايا في بداية احتفالات بداية السنة. ولا تزال شجرة التين حتى يومنا هذا رمزا للقوة والخلق والحكمة.

التفاح
التفاح من أشهر أنواع الفاكهة في الأساطير القديمة، وقد كانت التفاحة «في قصة آدم وحواء رمزا للمعرفة والخلود والإغراء وسقوط رجل في الخطيئة ورمزا للخطيئة نفسها».

وفيما لا تزال التفاحة رمزا للجمال والسلام والشباب في الصين، فقد ملأت قصص التفاحات الذهبية الأساطير اليونانية الكثيرة وكانت سببا للحروب والخصام. 

فعندما منعت الآلهة ايزيس من حضور حفل زفاف باليوس وثيتيس انتقمت بقذف تفاحة ذهبية مكتوب عليها «إلى أجمل واحدة» أثناء الحفل فادعت ثلاث آلهات (هيرا وإفروديت وأثينا) بحقهن بالتفاحة، فاضطر باريس إلى تعيين «طروادة لتحديد من تتلقى التفاحة. 

وفيما حاولت كل من هيرا وأثينا رشوته، أغرته إفروديت بهيلين الإسبارطية التي كانت أجمل امرأة في العالم آنذاك. فأعطى التفاحة لإفروديت، مما أدى إلى إشعال حرب طروادة بالنهاية.

جوزة الهند
وهناك كثير من الأساطير التي تتعلق بمصدر بعض أنواع الفاكهة وكيف جاءت ووجدت في هذا العالم، فمثلا تكثر الأساطير والقصص المتعلقة بأصل جوزة الهند في المناطق الاستوائية لكثرة استخدامها (لمائها وقشرتها وزيتها وغيره). 

ففي بورما أو مينمار، كما هو الحال مع الأساطير في تاهيتي، تقول الكاتبة دبرة كيلي، إن بذرة شجرة جوز الهند جاءت من نمو رأس مقطوع يعود إلى رجل حكم عليه بالإعدام من قبل الملك لكثرة مزاحه.

وفي جزيرة بريطانيا - الجديدة في أرخبيل بسمارك في منطقة بابو نيو غيني شمال أستراليا يرتبط شكل جوزة الهند المدور أيضًا بشكل الرأس المقطوع ويعتبر الكثير من السكان الأصليين والمحليين هناك، أن الجوزة نمت من رأس مقطوع والرأس المقطوع جاء من ولد أكله سمك القرش قديما، أي أنه بعد دفنه نما الرأس ليأتي بأول شجرة لجوز الهند.

الأناناس
وتسرد الكاتبة كيلي في هذا الإطار، قصة فتاة جميلة لكنها كسولة جدا تدعى «بينا». وكانت بينا تدعى دائما بأنها غير قادرة على تلبية طلب أي شخص للمساعدة.

وفي إحدى المرات سألتها أمها لتحضر لها بعض الأرز، فردت بينا كعادتها بأنه لم تجده، فلعنتها أمها متمنية أن يكون لها مائة عين حتى تعثر على ما تبحث عنه، فغضبت بينا وأخذت كيس الأرز الذي أنتجته العائلة وفتحته قبل أن تلاحظ أنه لم يعد بإمكانها الحراك - تجمدت بينا قبل أن تختفي ولم يعثر عليها أحد من جديد - وعندما استعادت أمها صحتها وعافيتها كانت تتجول في الحديقة فعثرت على فاكهة غريبة الشكل فقشرتها لترى فيها مائة عين فأدركت تحقق لعنتها.

المانجو
تحكي هذه القصة من أين جاءت فاكهة الأناناس، أما القصة أو الأسطورة التي تحكي قصة مجيء فاكهة المانغو، فتقول إن العقعق طار إلى الجنة وجاء ببذرة المانغو إلى ملكه.

وعند بلوغ أول شجرة أمر الملك رجلا مسنا بتناول أول فلقة من فاكهة المانغو لكن الرجل مات لأن سم أحد الأفاعي وقع عليها، فغضب الملك وقتل العقعق. 

لكن لاحقا أرادت إحدى النساء اليائسات أن تقتل نفسها فأكلت من المانغو ولكن المانغو هذه المرة لم تكن مسمومة فاستعادت شبابها وجمالها بعد أكلها. لكن الملك لم يتمكن من أكل المانغو من جديد لشدة حزنه وأسفه على قتل العقعق.

الرمان
ويعتبر الرمان من الفاكهة التي جذبت القدماء وشحذت مخيلتهم خصوصا في بلدان الشرق والمتوسط، ولطالما كانت بذوره الكثيرة رمزا للرابط بين الحياة والموت، للخصوبة واستعادة القوة، وقد كان له عند الرومان معنى الزواج وزينت العرائس نفسها بأكاليل الرمان.

ويقال إن العربية القديمة كانت تستخدم بذور هذه الفاكهة الطيبة والهامة للتنبؤ بخصوبتها، إذ كانت ترمي بكوز الرمان وسط دائرة معينة لتعد البذور التي خرجت عن الدائرة على اعتبار أنها عدد الأطفال الذين سترزق بهم.

وتقول أسطورة ديميتر وابنتها برسيفوني الإغريقية إنه قبل إطلاق هاديس سراح برسيفوني، خدعها لتأكل سبع حبات من حبات الرمان، الذي كانت تعتبر فاكهة «العالم السفلي» ولذا كانت تمكث هناك أربعة أشهر من كل سنة كما سبق وذكرنا.

كما تقول الأساطير اليونانية أيضًا، حسب ما جاء في كتابي توماس بولفينش وجوزيف كامبل حول الميثيولوجيا والتفاح الذهبي، إن زوجة أوريون (الصياد العملاق الذي وضعه الإله زيوس ككوكبة في السماء) كانت جميلة جدا، ولأنها كانت تتجرأ على أن تنافس هيرا زوجة الإله زيوس في جمالها قتل أطفالها وتم إقناعها بأنها هي التي قتلتهم، فألقت بنفسها من الهاوية، وكان موقع دمها حيث نمت شجرة الرمان الأولى.

وكانت بذور الرمان بالنسبة لليهود القدامى تأكيدا على إيمانهم. وكانوا يعتقدون أن كل رمانة تحتوي على 613 بذرة، وهو الرقم الذي يتوافق مع عدد الوصايا في التوراة. كما دعا العهد القديم إلى نسج صورة الرمان في الثياب الكهنوتية.

الأجاص
يعتبر الأجاص أيضًا من أنواع الفاكهة المقدسة في الميثيولوجيا اليونانية والرومانية.

فهي مقدسة عند إلهة الزواج والمرأة الإغريقية هيرا (جونو في الأساطير الرومانية)، وإلهة الجمال والحب والشهوة والإنجاب إفروديت (فينوس عند الرومان)، وآلهة الحدائق والحصاد الرومانية بومونا.

وكان بيرديكس «رب أشجار الأجاص»، واحدا من أقدس ملوك أثينا، عندما كان يلقي في البحر للموت، آلهة له، أثينا، أقلته إلى السماء، في شكل الحجل.

ولأن شجرة الأجاص تعمر كثيرا، كان الصينيون يعتبرونها رمزا للانفصال وأحيانا للخلود كما هو الحال مع فاكهة الكرز. كما درج الروس على وضع الأجاص كحجاب لحماية أبقارهم من السوء.

الكرز
وبخصوص الكرز، فهو كغيره من أنواع الفاكهة لا يزال رمزا للخصوبة والخلود، وتقول الأساطير الصينية إن أشجار كرز الخلود في حديقة «الملكة الأم للغرب» شتي وانغ مو، إلهة طول العمر والازدهار، تنضج كل ألف عام.

ولأن خشب الكرز يحمي من الشرور كان الصينيون يضعونه على أبواب منازلهم نهاية العام.

الفريز أو الفراولة
اعتبرت الفراولة عند المسيحيين القدامى فاكهة مريم العذراء، وتقول الخرافات إنها كانت تحتكرها وتقول إنه لن يدوس أحد الجنة إذا كان عليه أثر من آثار الفراولة. 

كما ارتبطت هذه الفاكهة بالآلهة فريغ الاسكندنافية زوجة أودين والتي يتدرج منها اسم يوم الجمعة باللغة الإنجليزية «فرايداي - Friday.

كما كان لها معنى خاصًا لدى هنود أميركا الشمالية القدامى أو ما يعرف بأقلية ال«سينيكا» لأنها كانت أول أنواع الفاكهة التي تنضج ولذا ارتبط معناها بالولادة والربيع. وكان هؤلاء الهنود يقولون إن طريق الجنة محاطة بالفراولة التي تجلب الصحة والعافية.

التوت
تعود قصة التوت إلى أيام البابليين، وقصة العاشقين بيراموس وثيسبي التي كانت تعتبر أجمل عذارى بلدتها أيام الملك سميراميس.

وتقول القصة إن العاشقين كانا يلتقيان سرا في جنح الظلام تحت شجرة توت خارج المدينة، لأنهما كانا ممنوعين من اللقاء والزواج من قبل والديهما، وذات مرة وأثناء انتظارها لحبيبها وجدت ثيسبي أمامها لبوة بفم مغطى بالدم فخافت وارتعبت وهربت تاركة خمارها وراءها، فالتقطته اللبوة وتركته مدمغا بالدم قبل أن تعدو إلى غابة أخرى. 

وعندما جاء حبيبها ووجد الخمار ملطخا بالدم انتحر لاعتقاده بمقتل حبيبته. وعندما جاء ثيسبي ووجدته ملطخا بدمائه يلفظ أنفاسه قتلت نفسها هي الأخرى، فاختلط دمهما ملطخا جذع شجرة التوت، ومنذ ذلك اليوم أصبحت ثمار التوت البيضاء حمراء داكنة تخليدا لذكرى الحبيبين.