تصاميم «الكروز» .. أصبحت جسرًا بين موضة الفصول

تصاميم «الكروز» وصلت إلى المحلات لتكون جسرًا بين الفصول وصناعها لا يبخلون على عروضها ومبيعاتها تبرر تكاليفها الضخمة
تصاميم «الكروز» وصلت إلى المحلات لتكون جسرًا بين الفصول وصناعها لا يبخلون على عروضها ومبيعاتها تبرر تكاليفها الضخمة

كان يا ما كان في عالم الموضة زمان، خط أزياء اسمه «الكروز أو «ريزورت» لا تسمع به الأغلبية من النساء ولا يثير انتباهها، إلى حد القول: إنها لا تفرق بينه وبين الأزياء الجاهزة الموجهة للربيع والصيف عندما تقع عليها عيناها في المحلات. 


والحقيقة أن هذا الأمر لا يقلل من شأنها أو يشكك في مدى مواكبتها للموضة، لأنه خط توجه منذ البداية إلى زبونات مرفهات يقضين فصل الشتاء في منتجعات صيفية بعيدة، يتمتعن فيها بزرقة البحر وصفائه وبأشعة الشمس وما تبثه في عظامهن من فيتامين دي. 

السبب الثاني أنه كان يُطرح في المحلات بهدوء، من دون تهليل له من قبل وسائل الإعلام أو بيوت الأزياء، على أساس أنه تصاميم تملأ الفراغ في موسم التنزيلات الشتوية، أي أنها بمثابة جسر بين أزياء الخريف والشتاء الحاليين وأزياء الربيع والصيف المقبلين.

لكن هذا كان أيام زمان، حين كانت الموضة لا تزال نخبوية وتفرق بين الناس والأسواق والمواسم، وأيام كانت تُعامل كناد خاص لا يدخله إلا قلة، إلى جانب بعض المتفرجات والمتابعات لها عبر مجلات مثل «فوج» و«هاربرز بازار» و«تاتلر» وما شابهها من المجلات العالمية البراقة. 

اليوم، تغيرت خريطة الموضة كما تغيرت أحوال الطقس، وأصبحت الموضة مفتوحة للكل باسم الديمقراطية.

وسائل التواصل الاجتماعي، لعبت دورها هي الأخرى في إدخال الكل إلى النادي.

تغيرات الطقس وانفتاح العالم على ثقافات أخرى فضلا عن توفر وسائل السفر للجميع جعل خط الـ «كروز» تحديدا يكتسب شعبية ويحقق نجاحات تجارية جعلت تصاميمه لا تقتصر على الوجهات الصيفية، فإلى جانب القفاطين المنسدلة والفساتين الخفيفة أدخلت المعاطف والكشمير والجلد. 

ليس هذا فحسب، بل أصبحت تنظم له عروض تضاهي، وأحيانا كثيرة تفوق، ضخامة وفخامة العروض التي يقيمها المصممون لخط الأزياء الجاهزة أو «الهوت كوتير». 

فهذه الأخيرة لها عواصم لا تتغير، هي لندن، باريس، نيويورك وميلانو، أما عروض الـ «كروز» فتعني السفر إلى وجهات بعيدة ومثيرة، الأمر الذي أشعل فتيل المنافسة بين بيوت الأزياء على اختيار هذه الوجهات. 

والطريف أننا لا نستبعد أن يكون بعضهم قد خلق قسما متخصصا في هذه المهمة.

فكلما كانت الوجهة جديدة وغير متوقعة، كانت التغطيات الإعلامية كبيرة تعوض عن تكاليفها الضخمة، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن بيوت الأزياء تتحمل كل مصاريف ضيوفها الذين قد يفوق عددهم الألف بسهولة، من زبونات مهمات ونجمات الدرجة الأولى إلى محررات الأزياء. 

ولا يقتصر الأمر على تكاليف الطيران، درجة أولى أو درجة رجال الأعمال أو على الإقامة في فنادق فخمة لمدة يومين أو ثلاثة أيام فحسب، بل يشمل تنظيم برامج مثيرة طوال النهار والمساء، حتى لا يتسرب الملل إلى نفوسهن ولو لثانية.

برونو بافلوفسكي، الرئيس التنفيذي لدار «شانيل» صرح لـ «الشرق الأوسط» أن العروض الضخمة عموما تسمح للزبائن بتذوق نكهة الدار العارضة عن قرب وتقديرها أكثر، علما بأن «شانيل» كانت سباقة إلى هذا التقليد في عام 2000. 

فقد سبق لها أن أخذتنا إلى باريس، نيويورك، لوس أنجليس، ميامي، البندقية، سان تروبيه، كاب دانتيب، فرساي، سنغافورة، دبي وسيول وفي الثالث من شهر مايو (أيار) المقبل إلى هافانا بكوبا. ولأن أي شيء تبدأه «شانيل» تحتذي به بيوت الأزياء الأخرى، فسرعان ما تبنت «ديور»، «لويس فويتون»، «غوتشي»، «فندي» وغيرها هذه الاستراتيجية، كل حسب إمكانياته.

«ديور» مثلا قدمت في العام الماضي عرضها في الريفييرا الفرنسية، في بيت كان يملكه المصمم بيير كاردان، بينما قدمت «لويس فويتون» عرضها في بيت النجم الراحل بوب هوب ببالم سبرينجس، وهذا العام تنوي التوجه إلى ريو دي جانيرو.

ويبدو أن هذه الأخيرة أتقنت اللعبة إذا أخذنا بعين الاعتبار أنها أطلقت خط الـ«كروز» حديثا، فعرضها القادم في 28 من شهر مايو هو الثالث بالنسبة لها.

السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو لماذا تتسابق بيوت الأزياء العالمية على صرف مبالغ طائلة على هذه العروض، رغم أن الوضع الاقتصادي العالمي غير مستقر؟ 
فمن المتوقع أن ينكمش الاقتصاد الروسي، وهو مهم بالنسبة للموضة، بنسبة 3.8 في المائة، كذلك السوق الصينية التي تشهد تباطؤا ملموسا في نموها منذ فترة، من دون التطرق إلى اختناق السوق الأوروبية بسبب أزمة اليونان ثم أزمة الهجرة وغيرها من الأمور التي تؤثر على صناعة الموضة بشكل مباشر أو غير مباشر. 

«برادا» مثلا سجلت لأول مرة منذ تاريخها تراجعا في مبيعاتها، ومع ذلك لا تزال تصر على إقامة هذه العروض لخطها «ميوميو» وغيرها كُثر. 

الجواب على هذه الأسئلة أن عروض «الكروز» لها ما يبررها، ألا وهو مبيعاتها التي تشكل أحيانا 70 في المائة من مبيعات بيوت الأزياء. باعتراف برونو بافلوفسكي، الرئيس التنفيذي في دار «شانيل» فإنه «خط بالغ الأهمية».

من ناحية، تصل إلى المحلات في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، وتبقى فيها إلى بداية الربيع، على العكس من التشكيلات الموسمية، التي أصبح البعض يشبهها بالموضة السريعة لأنها لا تبقى في المحلات سوى لأشهر قليلة تحسب على أصابع اليد الواحدة.

من ناحية أخرى، فإن تصاميمها أنيقة وعملية تغطي أغلب المواسم والوجهات، سواء كانت منتجعا صيفيا على البحر، أو شتويا في أعالي الجبال.

يشرح المصمم ديريك لام: «إنها تصاميم من المفترض أن ترافق المرأة من شهر أكتوبر (تشرين الأول) إلى حلول فصل الربيع». 

لكن هذا من الناحية النظرية، فمن الناحية التطبيقية، يبقى هذا الخط أطول من ذلك في المحلات، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط، بعد أن برهن أن المرأة تفضله على غيره.

لهذا كله، ليس غريبا أن تتسابق بيوت الأزياء على إقامة عروض ضخمة، لأنها تُدرك أنها كلما أبهرت ضيوفها حصلت على ولائهم ورسخت في نفوسهم الثقة فيها، لتكون النتيجة عمليات بيع وربح بالنسبة لهم، لكنها تصب في صالح زبونة تتوق إلى أزياء مختلفة تخدمها طويلا.

لأنه من ناحية أخرى، باختيار هذه الوجهات البعيدة فإن بيوت الأزياء تتحول إلى محور يخلو من المنافسة ويُنسي الضيوف مشاكل العالم، كما يُذكرهم، أو يزرع فيهم رغبة في الحياة اللذيذة بكل ترفها. فمآسي العالم وصورها على وسائل التواصل الاجتماعي ونشرات الأخبار تُشعرهم بالحزن وفي الوقت تبث فيهم رغبة في الهروب من هذا الواقع، لتصبح الموضة وعروضها الباهرة مضادا لهذه المآسي أو عالما موازيا للواقع.

فهذه أسواق مهمة لا يمكن تجاهلها، وهذه التشكيلات تبقى في المحلات لمدة أطول من أزياء الخريف والشتاء أو الربيع والصيف الرسمية وبالتالي تحتاج إلى دفعة قوية.

لأن الهدف منها أن تبيع لأكبر عدد من النساء، بمن فيهن اللواتي لا يرحلن إلى أي وجهة، بل يردن الاستمتاع بها أينما كن.

بعبارة أخرى، فبعد أن كانت تقتصر على القفاطين المنسدلة وملابس السباحة وفساتين السهرة، أصبحت حاليا تشمل كنزات من الكشمير ومعاطف من الصوف وبنطلونات بكل نوع ولون، لأن هذه التصاميم تبقى في المحلات مدة طويلة بالمقارنة مع غيرها من الأزياء، فإنها مجدية من الناحية التجارية بالنسبة لبيوت الأزياء، لهذا فهي لا تتردد في صرف مبالغ طائلة عندما يتعلق الأمر بعرضها في عواصم عالمية. 

«شانيل» أكثر من أبدعت في اختيار هذه الأماكن، وربما تكون أكثر من أشعل فتيل المنافسة عليها.

فهي لم تكن أكثر سخاء فحسب، بل أكثر جرأة وذكاء، وليس أدل على هذا من اختيارها لدبي في العام ما قبل الأخير ثم سيول في العام الماضي وبدأت التحضيرات لعرضها في كوبا في شهر مايو المقبل. 

«لويس فويتون» أيضا حذت حذوها وأخذتنا إلى بالم سبرينغز في العام الماضي وقبلها في مونتي كارلو وهكذا.

فهو يلبي كل ما تحتاجه من جهة، كما أن تصاميمها تجمع العملية بالأناقة وبسعر لا يزعجها، لأن الأقمشة المستعملة فيه، من الموسلين إلى الجلود الناعمة والكشمير وغيرها تبرره، فضلا عن تصاميمها التي تناسب كل الفصول والمواسم.