دراسة طبية تحذر من التخدير العام للأطفال

 يؤثر على المناطق المسؤولة عن الإدراك في مرحلة النمو العصبي للمخ
يؤثر على المناطق المسؤولة عن الإدراك في مرحلة النمو العصبي للمخ

منذ بداية العمل بالمخدر أو (البنج) وهناك دائما مخاوف من المرضى من استخدامه، خاصة التخدير العام General anesthesia وهو التخدير الذي يؤثر على الجهاز العصبي المركزي ويضع المريض في حالة من عدم الوعي المؤقت لحين إجراء عملية جراحية معينة. 
 
وعلى الرغم من الفوائد العظيمة للتخدير وحتمية استخدامه وتقدم تقنياته بشكل كبير فإن المخاوف من استخدامه ما زالت قائمة بقوة، خاصة إذا تعلق الأمر باستخدامه في الأطفال.
 
ولا شك أن هذه المخاوف مشروعة ومبررة.
 
وبطبيعة الحال فإن استخدام التخدير مثل أي علاج آخر يكون له بعض الأعراض الجانبية التي يمكن أن تكون خطيرة في أحيان نادرة.
 
ولكن هناك أيضا الكثير من المعلومات الخاطئة وغير العلمية تزيد من تلك المخاوف خاصة وأن الجرعات البسيطة من المخدر أو حتى الكبيرة والمحسوبة بدقة تبعا لوزن وحالة الطفل الصحية في الأغلب لا تسبب أي مخاطر طبية على المدى الطويل خاصة وأن العمليات في الأطفال هي عمليات حتمية وفى معظم الأحيان لإنقاذ حياة الطفل.
 
التخدير والأطفال
أحدث دراسة طبية نشرت في مجلة طب الأطفال journal Pediatrics في بداية شهر يونيو (حزيران) من العام الجاري قام بها أطباء من مستشفى سينسيناتي للأطفال بالولايات المتحدة Cincinnati Children›s Hospital، حذرت من أن استخدام المخدر العام بالنسبة للأطفال قبل بلوغهم عمر الرابعة يمكن أن يؤدي إلى تراجع في القدرات الإدراكية ونمو اللغة كما أنه يمكن أن يقلل من معامل الذكاء IQ.
 
وكان الفريق البحثي من المستشفى قد قام بهذه الدراسة إثر دراسة سابقة تم إجراؤها على الفئران والتي أشارت إلى أن التخدير لصغار الفئران يمكن أن يؤدي إلى موت الخلية العصبية وضعف القدرات الإدراكية. 
 
أما الدراسة الحالية فتناولت إثر تأثير إعطاء التخدير العام للأطفال في مرحلة النمو العصبي للمخ وكيف أنها يمكن أن تؤثر على تكوين المخ وتؤثر على المناطق المسؤولة عن الإدراك في المخ كلما كان استخدامها مبكرا قبل بداية عمر الرابعة. 
 
وأشاروا إلى أن الهدف من الدراسة هو محاولة إيجاد أفضل الطرق للخروج من مخاطر التخدير بأقل الأعراض الجانبية كلما أمكن بالنسبة للأطفال المضطرين لإجراء عمليات جراحية كإجراء وحيد شاف، وأن هذه الدراسة تهدف إلى التوعية بالمخاطر التي يمكن ألا تكون واضحة بعد إجراء العملية الجراحية مباشرة.
 
وكان الباحثون قد قاموا بإجراء الدراسة على 53 طالبا تتراوح أعمارهم بين 5 و18 عاما والذين تعرضوا لإجراء عمليات جراحية استلزمت إعطاءهم تخديرا عاما قبل عمر الرابعة في مقابل 53 طالبا آخرين لم يسبق لهم التعرض إلى التخدير ولا إجراء عمليات جراحية من قبل. 
 
ولم يكن أي من هؤلاء الأطفال قد تعرض لمشكلات عصبية أو نفسية في السابق أو تعرض لإصابة في الرأس وتم فحص مخ الأطفال بأشعة الرنين المغناطيسي للوقوف على حالة الأنسجة المخية وكذلك اجتاز جميع الأطفال اختبار للذكاء يتضمن المهارات اللغوية والمهارات الإدراكية من خلال اجتياز لغة شفوي وتحريري.
 
تدهور الإدراك
وعلى الرغم من أن الباحثين وجدوا أن اختبارات الذكاء للطلبة في المجمل كانت مماثلة لعامة الناس فإن الطلبة الذين كانوا قد تعرضوا لعمليات جراحية بمخدر عام سجلوا درجات أقل من أقرانهم الآخرين الذين لم يتعرضوا للمخدر العام في اختبارات الذكاء ونمو اللغة ولاحظ الباحثون أن هؤلاء الطلاب الذين سجلوا معدلات ذكاء أقل كان هناك تغيرات في تكوين بعض المناطق في المخ المسؤولة عن التطور الإدراكي وذلك بعد تثبيت بقية العوامل الأخرى مثل فروق السن والبيئة الاجتماعية والاقتصادية والفروق العرقية والجنس والإصابة بأمراض عضوية، وإذا كان الطالب يقوم بالكتابة باليد اليمنى أو اليسرى وكذلك نوعية العملية الجراحية التي تم إجراؤها وأيضا طول الفترة التي تم فيها التخدير (هناك عمليات بسيطة لا تستغرق وقتا أكثر من ربع ساعة وهناك عمليات يمكن أن تستمر لعدة ساعات).
 
وأشار الباحثون إلى أن معدلات الذكاء الأقل كانت في حدود 5 أو 6 درجات وعلى الرغم من أن هذا الرقم لا يبدو كبيرا إلا أن هناك دراسة سابقة أوضحت أن نقص درجة واحدة من معدلات الذكاء يكلف المجتمع نحو 18 ألف دولار عن قيمة ما كان يمكن للشخص أن يكسبه في خلال حياته كلها لو لم يفقد هذه الدرجة عن المعدل العادي لمثل عمره. 
 
وتبعا للدراسة الحالية فإن هناك نحو 6 ملايين طفل يتعرضون للجراحات بشكل سنوي في الولايات المتحدة وبقياس معدل 5 درجات المفقودة يمكن لذلك أن يضيع على المجتمع مبلغ يصل 540 مليار دولار هي قيمة ما يمكن لهؤلاء الأشخاص أن يكسبوه في مجمل حياتهم.
 
وفى ضوء هذه الدراسة يحاول العلماء حاليا محاولة اكتشاف طرق أقل في الأعراض الجانبية لتوصيل المخدر للطفل خاصة في الإعمار المبكرة لتلافي مثل هذه الأخطار وقد بدأت بالفعل المحاولات في المختبرات للتوصل إلى تلك الطريقة وعلى الرغم من تلك المحاولات فإن الباحثين أكدوا أن الطريقة الحالية لتوصيل المخدر للطفل هي آمنة جدا بالفعل ولكن هذا بالطبع لا يمنع محاولة البحث عن الأقل أعراضا جانبية من أجل حياة صحية أكثر للأطفال وللمجتمع.