الحرارة .. عنصر غير ظاهر رغم أنه سر نجاح الطهي
من بين كل المواد الموجودة في المطابخ، فإن أكثرها انتشارا هي أكثرها غموضا أيضا. ويصعب قياسها والسيطرة عليها، وهي ليست مادة مثل الماء او الدقيق، تضاف بالفنجان، ففي الواقع هي مادة خفية.
إنها الحرارة..
يعتمد كل طاه يوميا على طاقة النار لتحويل الطعام، لكن الحرارة لا تعمل دائما بالطريقة التي نخمنها. وما لا نعرفه عنها، يمكن أن يؤدي إلى الاحتراق.
ونضيّع كميات ضخمة من الغاز والكهرباء، بالإضافة إلى الأموال والوقت، ونحن نحاول جعل الحرارة تؤدي إلى أشياء لا يمكنها ان تأديتها. فإذا ما حاولنا طهي شريحة ستيك حتى تصبح وردية في الوسط، ينتهي بنا الأمر بطهيها بأكثر ما هو مطلوب. وبدلا من حرارة هادئة، نغلي مزيج الخضار واللحوم حتى يصبح جافا. وحتى إذا ما فعلنا كل شيء بطريقة صحيحة، يمكننا التأثير سلبا في ما نطهيه إذا ما سمحنا للطعام ان يبرد قبل تقديمه للمائدة ـ لأننا لا نفهم الحرارة.
الحرارة هي طاقة، موجودة في كل مكان، متحركة دائما، وتثير التركيبة الكيميائية للأشياء وتدفع جزيئاته للاصطدام ببعضها بعضا. وعندما نضيف المزيد من طاقة الحرارة الى الطعام، تؤدي الى خلط المركبات الكيمائية، وتدمر البنى وتخلق بنية جديدة، وبذلك تحول كل من المذاق والجوهر.
وهناك، على أية حال، وسائل لا تعد ولا تحصى لتطبيق الحرارة بطريقة سيئة. ففي معظم حالات الطهي، ننقل الطاقة من مصدر الحرارة، شيء في غاية الحرارة، إلى شيء بارد وخامل. ومصادر الحرارة التقليدي: شعلة الغاز او الفحم الملتهب او العناصر الكهربائية، ذات درجة حرارة اكبر من ألف درجة فهرنهاتية. وغلي الماء يصل الى 212 درجة مئوية.
وعادة ما يسخن الطهاة الطعام الى درجة حرارة تتراوح بين 120 درجة مئوية (السمك واللحم الذي نريد الاحتفاظ به طريا)، و400 درجة مئوية (بالنسبة للمواد الغذائية المطلوب ان تصبح جافة مثل الخبز والمعجنات والبطاطس او السمك واللحم).
وفي نهاية القائمة فإن فرق في درجة الحرارة يتراوح بين خمس وعشر درجات يمكن ان يعني الفرق بين لحم جاف او طري، وبين فنجان قهوة او شاي «مزبوط»، وآخر مر ومغلي. وكما يعلم كل طاهي في بداية حياته، فيمكنك بسهولة جدا حرق شريحة هامبرغر او بطاطس من الخارج قبل ان يصبح وسطها دافئا.
وهذا هو التحدي الحقيقي: نهدف عادة الى إطلاق طاقة حرارية على أهداف لا يمكنها استيعاب كمية محدودة، وسيؤدي ذلك إلى تخريب الطعام إذا ما تشرب المزيد من الحرارة. هل تشعر بالإحباط من طنجرة تحتاج الى وقت طويل لكي تسخن، او تشعر بالإحباط من الانتظار لفترة طويلة قبل انتظار المواد الغذائية الجافة لكي تطرى؟، من مطبخ أصبح ساخنا، بحيث يمكن استخدامه كحمام سونا؟، من ارتفاع أسعار معدات وأوعية الطهي؟.. المشكلة كما تلاحظ اذا ما أبديت المزيد من الاهتمام بوضع المطبخ والحرارة هو كمية الحرارة التي تهرب من دون الوصول للطعام.
ومن بين أسباب ذلك هو الأجهزة التي لا تتمتع بكفاءة عالية. فطبقا لوزارة الطاقة الأميركية، فإن المواقد الغازية توجه ما يتراوح بين 35 إلى 40 في المائة من طاقة الحرارة الى الوعاء الموضوع فوقها، بينما توجه المواقد الكهربائية 70 في المائة الى الوعاء. وأي شخص يفكر في تجديد المطبخ، يجب ان يعلم ان مواقد التوصيل التي تولد الحرارة مباشرة إلى الوعاء نفسه اكثر كفاءة بنسبة 90 في المائة.
والتوصل إلى الحد الأقصى من الحرارة من الموقد إلى الطنجرة، يؤدي إلى طعام أفضل. ففي القلي كلما كان من الأسرع التوصل الى الحرارة القصوى بعد وضع الطعام في الزيت كلما جرى طهي الطعام بطريقة أسرع وتشرب كميات أقل من الزيت.
ومها كان الجهاز يعمل بكفاءة، فيمكن المساعدة على طهي الطعام بطريقة أفضل إذا ما غطينا الوعاء والطناجر. فكمية من الحرارة التي تدخل قاع الطنجرة تخرج من القمة. لكن الغطاء، يمنع معظمها من الهرب في الجو. وينطبق ذلك بطريقة أفضل عندما تصل كمية من الماء الى درجة الغليان. فإذا ما وضعنا الغطاء عليها. ستبدأ في الغليان في نصف الوقت تقريبا.
وما أن يبدأ السائل في الغليان ويتحول الى بخار عبر الطنجرة ـ الفقاعات هي فقعات من بخار الماء ـ ومعظم الطاقة القادمة من الموقد تذهب لإنتاج البخار. وتبقى درجة حرارة الماء ثابتة في درجة الغليان، بغض النظر عن درجة الحرارة.
وفي الواقع من السهل توفير المزيد من الوقت والطاقة وعدم الراحة مع الحبوب الغذائية والبقول والعدس، بل والمعجنات. لكن الأمر يتطلب المزيد من التنظيم. فقد تبين ان معظم الوقت الضائع ليس في عملية تحريك الحرارة الى مركز كل من حب البقول او المعجنات، وهو الأمر الذي يستغرق عدة دقائق، لكن في تحريك البخار، الذي يمكن ان يستغرق ساعات. فالحبوب الغذائية والبقول تطهى بطريقة أسرع إذا ما تم نقعها قبل الطهي.
وأصعب طعام يمكن طهيه هو اللحوم والسمك. والمشكلة هي أننا نريد تسخين مركز قطعة اللحم او السمك بدرجة حرارة تصل الى ما يتراوح ما بين 130 الى 140 درجة، لكننا نريد سطح «مقرمش» وبني، وهو يتطلب 400 درجة حرارة مئوية.
ويستغرق الأمر بعض الوقت للطهي بأكثر من مستوى حراري. فيمكن ان نبدأ بلحم في غاية البرودة وحرارة في غاية الارتفاع للحصول على سطح بني بأسرع وقت ممكن بأقل طهي ممكن، ثم ننتقل الى درجة حرارة منخفضة للغاية لطهي الجزء الداخلي من قطعة اللحم بطريقة متساوية وان تصبح طريقة.
وبالنسبة للشي، يعني ذلك منطقة حرارة عالية وأخرى منخفضة ونقل الطعام بينهما. وفي الفرن، نبدأ بدرجة حرارة تتراوح بين 450 و500 درجة مئوية، ثم نخفض الحرارة الى 250، ومن الأفضل سحب الطعام من الفرن حتى تنخفض درجة الحرارة للمستوى المطلوب.
والحل الآخر هو طهي الطعام بدرجة حرارة منخفضة، وتركه حتى يبرد بعض الشيء، ثم تعريضه لدرجة حرارة مرتفعة للغاية لفترة قصيرة. وتتبنى الكثير من المطاعم هذه الطريقة، لا سيما تلك التي تستخدم طريقة الطهي في الأوعية البلاستيكية المفرغة من الهواء.
وكل تلك الوسائل هي عملية مكونة من خطوتين، لكن نفي المبدأ ينطبق على وسائل الطهي المكونة من ثلاث خطوات او اكثر. فالطهي عن طريق الشي ينقل الطعام ما بين الحرارة الحالية الى الحرارة المنخفضة عدة مرات. فعندما يقلب اللحم على النار تتعرض كل منطقة الى حرارة مرتفعة تؤدي الى تحمير السطح، ثم يترك ذلك حتى تتلاشى الطاقة، جزء منها في اللحم ذاته وجزء آخر في الهواء البارد. لذا تطهى الأجزاء الداخلية من اللحم بدرجة حرارة معتدلة. وبالمثل يمكن طهي الستيك على الشواية بطريقة متساوية ـ وسريعة أيضا ـ اذا ما قلبت السيخ كل 15 إلى 30 ثانية.