حساسية الساعة البيولوجية للمصابين باضطراب ثنائي القطب
اختلال نظام النوم والاستيقاظ سبب في رفع مخاطر حصول حلقات الهوس والكآبة . محافظة الإنسان العادي على برنامج منتظم لوقت نومه ولوقت استيقاظه، يُمكنه أن يعمل على تقليل أرق الليل وتعب النهار جراء اضطراب التوازن في نظام الإيقاع اليومي للساعة البيولوجية.
لكن فوائد ذلك للشخص المُصاب بحالة الاضطراب ثنائي القطب Bipolar Disorder ربما أكبر من هذا، ذلك أن المرضى بحالة الاضطراب ثنائي القطب لديهم «حساسية مفرطة» في نظام التوازن للإيقاع اليومي للساعة البيولوجية، ما يجعل من اختلال نظام النوم والاستيقاظ، سبباً في رفع مخاطر حصول حلقات جديدة من مسلسل الهوس Mania أو الاكتئاب Depression لدى هؤلاء المرضى النفسيين، وما يجعل أيضاً من الصعب عليهم استعادة الانتظام في ذلك الإيقاع حال حصول أي اضطرابات في النمط الروتيني للنوم والاستيقاظ، في حين أن الناس الطبيعيين يستعيدون ذلك الانتظام بسهولة نسبية حال حصول نفس الشيء لديهم.
هذا ما قاله الباحثون من مركز ساوثويست الطبي بجامعة تكساس في 8 ديسمبر الماضي، ضمن نتائج دراستهم التي قدموها خلال الفعاليات العلمية للقاء السنوي للكلية الأميركية لعلم صيدلانية طب الأعصاب النفسي، الذي عُقد في ولاية فلوريدا، حول العلاقة في ما بين النظام اليومي للنوم والاستيقاظ من جهة، وبين حالة مرض الاضطراب ثنائي القطب من جهة أخرى، والأهم حول كيفية استثمار الأطباء لهذه العلاقة في المعالجة التطبيقية على المرضى.
ومعلوم أن الاضطراب ثنائي القطب هو أحد أنواع اضطرابات المزاج المرضية، والشخص الذي يُعاني منه يمر في دورة متعاقبة المراحل، من تغيرات في المزاج، تصل به إلى طرفين متضادين، حيث في الجزء الأعلى من الدورة المرضية يكون الهوس مسيطراً على الشخص، لمدة قد تصل إلى أشهر أو سنوات.
ومظاهر الهوس قد تكون «لطيفة»، كالسرور والحيوية والتفاؤل، وقد «تتعاظم» إلى حد من المبالغة في الثقة بالنفس والإعجاب بها، ما يجعله خاضعاً للإفراط في الأحلام والطموحات إلى حد «الوهم» لتحقيق شهرة عريضة أو أموال طائلة.
ولتبدو أيضاً عليه علامات من التوتر والغضب، وغيرها من التصرفات غير المسؤولة، كالإفراط في التسوق أو التخبط في العلاقات الجنسية أو غيرها.
هذا في قمة الدورة المرضية، أما في قاعها، فيدخل الشخص في حالة من الاكتئاب، بالتدرج أو فجأة.
وبالرغم من تشابه أعراض حالة الاكتئاب هذه ضمن الاضطراب الثنائي القطب بأي حالة من الاكتئاب المصاحبة لأي اضطرابات نفسية أخرى، مثل أعراض تدني التقدير للذات وقلة التركيز وصعوبة اتخاذ القرارات، إلا أن نوع الاكتئاب في ثنائية القطب يكون مصحوباً بزيادة في النوم بخلاف تلك الأخرى المصحوبة بالأرق وقلة النوم.
علاج طبي ونفسي
وشملت الدراسة حوالي 180 مريضاً بحالة الاضطراب ثنائي القطب. وقارنت البروفيسورة إلين فرانك، الباحثة الرئيسة في الدراسة وطبيبة النفسية في كلية الطب بجامعة بيتسبيرغ مع زملائها الباحثين من تكساس بالولايات المتحدة، بين تلقيهم، إما العلاج الدوائي المعتاد بعقار الليثيوم Lithium فقط وبين تناول الليثيوم مع الانخراط في برنامج من «علاج اجتماعي في العلاقة بين الأشخاص» Interpersonal And Social Rhythm Therapy ، مصمم لتعديل الإيقاع اليومي الخاص بالنوم والاستيقاظ لدى مرضى الاضطراب ثنائي القطب.
ووجد الباحثون أن إضافة برنامج العلاج النفسي هذا، سبب في إطالة مدة عدم حصول أي انتكاسات من الهوس أو الاكتئاب لديهم.
وأهمية الدراسة تنبع من ثلاثة أمور
الأول: أن تشخيص الإصابات بحالات الاضطراب ثنائي القطب في الولايات المتحدة قد ارتفعت بمقدار 40 ضعفاً بين الأطفال وبمقدار الضعف بين البالغين فيما بين عام 1993 وعام 2003.
والسبب الرئيسي لهذا الارتفاع ليس حصول حالة وبائية بشكل مفاجئ خلال تلك الفترة في تلك الدولة، بل هو ارتفاع مستوى الوعي الطبي بهذه الحالة المرضية النفسية، وبالتالي زيادة التنبه لتشخيص حالات المُصابين بها، ما أدى إلى معرفتنا أن ثمة 6 ملايين أميركي مُصابون بحالة تعاقب الهوس والاكتئاب. هذا مع عدم توفر دراسات إحصائية موثقة حول هذه الحالة الشائعة في بقية مناطق العالم.
والثاني: أن المعالجات الطبية منحصرة إلى حد كبير اليوم في مجموعة فئات من الأدوية النفسية.
وهي وإن كانت قد أثبتت فاعلية مقبولة، إلا أنها ليست بالمستوى المطلوب لا من قبل الأطباء ولا من قبل المرضى وذويهم.
وما يزيد الطين بلة أن بعضاً من المُصابين لا يستمرون في تناولها أو في المتابعة الطبية لحالاتهم، هذا مع تدني مستوى الاعتماد الطبي على وسائل العلاج النفسي غير الدوائية في علاج مثل هذه الحالات نظراً للنتائج الخجولة لها، ما يفرض البحث عن طرق علاجية، غير دوائية، ثابتة الفائدة في التغلب على أعراض الاضطراب هذا.
والثالث: أن هذه الدراسة، كما يقول الخبراء في الطب النفسي، هي الأولى التي برهنت على أن العلاج النفسي الذي يُركز في اهتمامه على إحداث تغيرات عملية في نمط سلوكيات الحياة اليومية، يُمكنه أن يُخفف من تفاقم شدة الأعراض المصاحبة لحالات الاضطراب ثنائي القطب.
وما تطرحه الدراسة الجديدة هو عودة إلى أحد جذور تفاقم المشكلة النفسية للاضطراب ثنائي القطب، ألا وهو نظام الإيقاع اليومي للساعة البيولوجية في الجسم، وجدوى إعادته نحو طبيعته المعتادة في تخفيف تلك الأعراض المرضية النفسية أو غيرها من أعراض الأمراض النفسية الأخرى.
نعاس سائق السيارة.. هل الحل «غفوة» قصيرة أم قدح من القهوة؟
حينما تنتاب المرء حالة من النعاس في آخر الليل، فإن الأمر يكتسب أهمية عالية إذا ما كان الإنسان يقود سيارته أو انه يؤدي أعمالاً بدنية أو ذهنية مهمة. وفيما تتراوح النصائح للمرء آنذاك بين تناول القهوة أو أخذ قسط من الراحة أو النوم لوقت قصير أو الحديث مع شخص آخر، أو الاستماع إلى الموسيقى، تظل النصيحة إما بتناول القهوة أو أخذ «غفوة» هي الأفضل.
لكن السؤال، هل تتساوى فائدة «الغفوة» مع فائدة القهوة، للتغلب على نعاس آخر الليل حال قيادة السيارة، مثلاً؟
الإجابة: هذه المرة تأتينا من فرنسا، وتحديداً من مدينة بوردو. والتي قال الباحثون فيها ان كلاهما مفيد للتغلب على النعاس، إلا أنهم قالوا: ثمة فرق في التأثير لأي منهما، وهذا الفرق في التأثير مبني على مقدار عمر سائق السيارة. ولذا رأى الباحثون من جامعة بوردو أن السائقين الصغار في السن عليهم اللجوء إلى غفوة من النوم آنذاك، بينما سيستفيد متوسطو العمر من تناول قدح من القهوة.
والدراسة المنشورة في عدد ديسمبر من مجلة «النوم» الأميركية طريفة في نتائجها. وشملت 24 سائقاً ممن تتراوح أعمارهم ما بين العشرينات والأربعينات.
ووجدت الدكتورة باتريشا ساغاسبي وزملاؤها الباحثون، أن مستوى الوعي سيرتفع لدى جميع المشاركين، دون تمييز، حال تلقي جرعة من الكافيين، كما في قدح من القهوة أو الشاي أو غيرها.
وكذلك كان الحال عموماً بعد أخذهم غفوة لمدة ثلاثين دقيقة، لكنهم لاحظوا أن ذلك كان أكثر فائدة لصغار السن منهم، وبصفة مهمة.
وكان الباحثون قد قاموا بتقييم مستوى الوعي لدى جميع السائقين لدى قيادة السيارة بأحد الطرق السريعة لمدة ساعة ونصف، وذلك في أربع حالات، واحدة في فترة من النهار والثلاثة الباقية في الليل.
وتحديداً في فترة ما بين الثانية والثالثة والنصف صباحاً بعد إما غفوة نصف ساعة، أو بعد تناول قدح من القهوة العادية، أو بعد تناول قدح من القهوة المنزوعة الكافيين.
وطريقة تقييم مستوى الوعي كانت عبر ملاحظة عدم تخطيهم للخطوط الطولية المرسومة على الطرق السريعة للتفريق بين المسارات فيها.
ووجد الباحثون أن أداء المشاركين في القيادة الليلية كان أفضل حال إما بتناول القهوة أو أخذ غفوة النصف ساعة، مقارنة بأدائهم بعد تناول القهوة المنزوعة الكافيين.
وفيما بين القهوة أو الغفوة، وجد الباحثون أن صغار السن استفادوا بشكل أكبر من لجوئهم إلى النوم نصف ساعة. علل الباحثون الأمر بملاحظتهم أن صغار السن حينما ينامون فإنهم يستغرقون بشكل أعمق فيه.
وعليه استنتج الباحثون أن ثمة ما يبرر لجوء كبار السن إلى تناول القهوة بدلاً من النوم لفترة قصيرة، في محاولتهم المحافظة على مستوى أعلى من الوعي أثناء أداء المهام بالليل.