ستيوارت فيفرز مصمم دار «Coach» : ترويض الجلود متعتي وقوتي

البريطاني الذي ينوي أن يعيد لدار «كوتش» الأميركية مفهوم «الترف للعامة»
البريطاني الذي ينوي أن يعيد لدار «كوتش» الأميركية مفهوم «الترف للعامة»

هناك حالة من التفاؤل في دار «كوتش» الأميركية هذه الأيام. فبعد أن تجاذبتها تذبذبات كثيرة نتيجة استراتيجيات لم تكن دائما في صالحها، أعلنت في بداية العام أن نتائجها للشطر الثاني من العام، فاقت التقديرات، وسجلت ارتفاعا بنسبة 1.5 في المائة.
 
الفضل، حسب المراقبين يعود إلى تبنيها استراتيجية تستهدف بيع حقائبها بالسعر الكامل بدل الاعتماد على التنزيلات في «الأوتليتس»، التي أثرت على صورتها ومن ثم على مبيعاتها في السابق. فقد بينت الأعوام والتجارب أنه كلما كانت السلع فريدة ويصعب الوصول إليها، زاد سحرها والرغبة فيها، والعكس صحيح. 
 
استراتيجيتها هذه، ترافقت مع تجديد محلاتها وإغلاق بعضها، خصوصا تلك المتخصصة في السلع المخفضة، حتى تتمكن من تجميل صورتها، والعودة إلى ميدان المنافسة مع بيوت أزياء من نفس الفئة السعرية، استغلت تراجعها وسحبت السجاد من تحتها باستقطابها نفس العينة من الزبائن، مثل كايت سبايد، مايكل كورس، توري بيرش.
 
لكن أهم شيء في قصة «كوتش» حاليا وفترة التفاؤل التي تعيشها أنها تتزامن مع التحاق البريطاني ستيوارت فيفرز بها في عام 2013. مصمم معروف وموثوق من قدراته على تغيير الموازين كونه يتمتع بلمسة ميداسية، تحول الجلود تحديدا إلى ذهب.
 
نجاحاته في تغيير مسار كل بيوت الأزياء التي دخلها وعمل فيها، من «مالبوري» البريطانية إلى «لويفي» الإسبانية شاهدة على ذلك، بحيث لا يمكن أن تنسى ما قدمه لهذه البيوت من حقائب يد حققت لها مبيعات عالية لا تزال تعيش عليها إلى الآن.
 
في لقاء خاص مع جريدة «الشرق الأوسط» لم ينكر المصمم أنه يعشق الجلود الطبيعية ويعرف كيف يطوعها سواء في إكسسوارات أو في أزياء. عروض الأزياء الأخيرة تؤكد قوله، بالنظر إلى جمال هذه الأزياء، لا سيما المعاطف التي كادت أن تسرق الأضواء من الحقائب إن لم تسرقها فعلا.
 
لكن المصمم يعود ويقول بأن الإكسسوارات «هي التي تحرك صناعة الموضة عموما، لهذا فإن الإلمام بها والتركيز عليها عنصر أساسي ومهم لا يمكن تجاهله، علما بأنه أثرى مسيرتي كمدير فني». 
 
عندما أشير إلى نجاحاته السابقة وتلك اللمسة الميداسية التي أصبحت لصيقة بسمعته، سارع بالرد، بتواضع شديد، وكأنه ينفض عنه تهمة «لا بد من التنويه إلى أنني لست وحدي من يقوم بهذه المهمة، بل ورائي فريق عمل كامل، يمكنني القول بأنه أكثر من رائع، ويتمتع بقدرات إبداعية فذة.
 
لكل واحد من هذا الفريق مكامن قوة في جانب معين نركز عليها ونستغلها، فيما يتركز دوري في الإشراف على الصورة من كل الزوايا وليس على جانب واحد منها».
 
رغم هذا التواضع، تشير كل الدلائل إلى أن هذا البريطاني الهادئ، جاد في ترك بصمته في سجل الدار الأميركية، لأنه ما إن التحق بها حتى ركز جهوده على تخليصها من اللوغو الصارخ الذي كان يمنع الأنيقات من الإقبال عليها، واستبدلها بأخرى أكثر هدوءا لهذا الربيع والصيف، كان لها مفعول السحر، بالنظر إلى النجمات اللواتي أقبلن عليهن قبل أن تُطرح في المحلات.
 
يقول بعض المتفائلين بنقلة ستيوارت فيفرز إلى الدار الأميركية، بأنه سيكون بمثابة الأمير الذي سيفيقها من سباتها. قُبلته تتمثل في العودة إلى إرثها الغني، وثقافتها القائمة على توفير منتجات مترفة بأسعار في متناول الأغلبية، سواء كانت حقائب يد من الجلود الطبيعية أو أزياء مطبوعة بروح «سبور».
 
فالترف بالمعنى الأميركي يختلف عن الترف بالمعنى الباريسي، مثلا، حسب رأيه، لأن الأول مقدور عليه، ولا يبالغ في أسعاره، كما أنه معقول من حيث تصاميمه التي لا تجنح نحو الفنية العالية لتبرير هذه الأسعار.
 
بيد أن هذا لا يعني تصاميم عادية تفتقد الأناقة بل العكس، فهي عصرية تجمع العملية بالرقي، وهذا ما برهن عليه في كل الأزياء والإكسسوارات التي قدمها لحد الآن.
 
الجميل في العملية أن المصمم قام بواجبه تماما حتى قبل أن يلتحق بها، وفهم المطلوب منه، ما جعل مهمته واضحة تتلخص في إنعاش الدار وإخراجها من الوعكة التي اعترتها في السنوات الأخيرة، حيث ظلت تتأرجح بين العيش في السبعينات من القرن الماضي، الحقبة التي شهدت عصرها الذهبي، وبين محاولات مستميتة لاستعادة زبائن عزفوا عنها وأقبلوا على بيوت أزياء أخرى تقدم منتجات بنفس الأسعار، لكن ربما تبدو منتجاتهم أكثر عصرية.
 
في العام الماضي، مثلا، تراجعت أسهمها بنسبة 40 في المائة، في ظل الأزمة الاقتصادية من جهة، وسوء أحوال الطقس التي جعلت الزبائن يعزفون عن الخروج من بيوتهم لعدة أشهر، من جهة ثانية.
 
كل هذا في طريقه إلى التغير بدليل الإعلان عن أرباحها الأخيرة، فضلا عن الآمال المعقودة على البريطاني الشاب. ليس مفروضا عليه أن يعود بها إلى عام 1941. 
 
حين تأسست ولم يكن قد وُلد بعد، أو إلى السبعينات حين كان طفلا، بل إلى التسعينات، الفترة التي شهدت نهضة مهمة في تاريخها وكان هو شابا في مقتبل العمر. في التسعينات، أطلق كل من ليو فرانكفورت، رئيسها التنفيذي حينذاك والمصمم ريد كراكوف، مفهوم «الترف للعامة»، وهو المفهوم الذي لمس وترا حساسا بداخل الزبائن المتعطشين لمنتجات راقية، مثل برادا أو غوتشي أو ديور لكن لم يكونوا يستطيعون إليها سبيلا.
 
هذا المفهوم أعطى «كوتش» قوة وجعلها تلعب دور الوسيط بينهم وبين الأناقة والترف.
 
أي مصمم في مكانه، قد يشعر بثقل الآمال المعقودة عليه، وليس ببعيد أن تعتريه المخاوف من دخول دار تفخر بها أميركا وفي الوقت ذاته لها مسيرة غير مستقرة، لكن ستيوارت فيفرز ليس أي مصمم، فقد تعود على إنعاش بيوت عريقة ونفض غبار الزمن عنها، لهذا قبل التحدي واستعذبه.
 
يعلق: «لم أتردد لحظة في القبول، لأني شعرت أن العمل في دار أميركية، وبهذا الحجم والإرث، مثير لا سيما أنها تتمتع أيضا بروح (سبور) تجسد الثقافة الأميركية المتفائلة والمنطلقة. وهذا ما التقطته وأردت ترجمته بطريقتي، من دون إلغاء تاريخها وجيناتها».
 
ويضيف ستيوارت أن تجربته في بيوت أزياء أوروبية كبيرة مثل «مالبوري» و«لويفي»، سلحته بالقوة، إلى حد لم يعد يخاف فيه من الغوص في المجهول، خصوصا إذا تطلبت العملية ترويض الجلود، متعته ومكمن قوته.
 
«يمكنك القول بأني محظوظ، لهذا جاء قرار قبولي الانتقال إلى أميركا سريعا، لم أتردد في اتخاذه» حسب قوله. فبعد سنوات في دار «لويفي» الإسبانية، التي تستكين تحت جناحي مجموعة «إل.في.آم.آش» الفرنسية، كان ستيوارت مستعدا للتغيير ودخول مغامرة جديدة ومختلفة تدفع بقدراته إلى أقصى حد.
 
فكرة الانتقال إلى نيويورك كان لها أيضا دور في إغرائه بالقبول. فالمدينة تتمتع بإيقاع سريع، قد يراه البعض مسببا للضغوط الجسدية والنفسية، إلا أن هذه الضغوط بالنسبة لستيوارت كانت إيجابية تحفز على العطاء والإبداع، كما أنها تناسب شخصيته المدمنة على العمل.
 
فحياته «تتمحور حول العمل» كما يؤكد قائلا «أنا مهووس بالبحث عن الجديد ومدمن على العمل، لا يمكنني أن أرتاح أو أنتقل لأي خطوة إلا بعد أن أنتهي من المهمة التي بدأتها وأستوفيها حقها. صحيح أن الٍإيقاع سريع في نيويورك لكنه أيضا مثير بالنسبة لشخص مثلي لا يحب الوقوف في مكانه».
 
ويشير إلى أن ما أثاره أيضا أن نقلته كانت إلى دار لها تاريخ عريق وإرث غني في الجلود، الخامة التي يعرفها جيدا وينجح دائما في أن يصوغ منها حقائب تلهب السوق. 
 
الجديد هذه المرة أنه سيوسعها ويدخلها مجال الأزياء.
 
خلال أسبوع لندن الرجالي الأخير، قدم أول تشكيلة رجالية للدار، غلبت عليها المعاطف الجلدية المزينة بتفاصيل من صوف الخرفان، بشتى الألوان والأطوال والتصاميم، بينما ظل القاسم المشترك بينها واحدا وهو الأسلوب الأميركي «السبور» العملي الذي يتوجه لمناسبات النهار وعطلات نهاية الأسبوع. 
 
كانت التشكيلة مستوحاة من الرحلات ومن جغرافيا الولايات المتحدة، بجبالها وصحاريها، بينما استوحى تشكيلته النسائية للربيع والصيف، من هوليوود، وتحديدا من الممثلة والموسيقية الأميركية، سيسي سباسيك، التي اشتهرت عالميا بعد ظهورها في فيلم «بادلاندس»، في السبعينات. 
 
استلهمها أيضا من الممثلة شيلي ديفال كما ظهرت في فيلم «شاينينغ» والممثلة وينونا رايدر في فيلم «هيذرز»، مفسرا أن اختياره لهؤلاء الممثلات الثلاث، كان بسبب اختلافهن وتمردهن إلى حد ما على المألوف. فهن لا يمثلن المرأة الأميركية التقليدية، لكنهن يتمتعن بالجاذبية الأميركية التي يعرفها العالم بأسره. 
 
أما عودته إلى السبعينات، فيفسرها بأنها ليست لأن «كوتش» عاشت فيها فترة ذهبية فحسب، بل لأنه ولد في السبعينات، و«أي مصمم يعود إلى الحقبة التي ينتمي إليها هو شخصيا، لأنه يشعر بها أكثر وتعبر عنه».