تزايد أسابيع الموضة .. مؤشر على تزايد اهتمام الرجل بالأناقة

قطاع ينمو بمعدل 36 % ويتوقع أن يصل إلى 110 مليارات دولار بحلول عام 2019، وظهور أسابيع موضة جديدة مؤشر على تزايد اهتمام الرجل بالأناقة
قطاع ينمو بمعدل 36 % ويتوقع أن يصل إلى 110 مليارات دولار بحلول عام 2019، وظهور أسابيع موضة جديدة مؤشر على تزايد اهتمام الرجل بالأناقة

مع انطلاق رحى الموضة الرجالية هذا الأسبوع من لندن قبل أن تنتقل في الأسبوع المقبل إلى فلورنسا ثم ميلانو قبل أن تنتهي مراسيمها بباريس، أصبح الكل يدرك أهمية هذا القطاع كصناعة مؤثرة على الاقتصاد العالمي والمحلي على حد سواء. 
 
ما لا يختلف عليه اثنان أن قطاع الأزياء الرجالية أصبح ينافس في السنوات الأخيرة قطاع الأزياء النسائية، سواء بتحقيقه أرباحا لا يمكن تجاهلها أو بجذبه شرائح جديدة من الشباب من كل أنحاء العالم. 
 
هذا الإقبال والأرباح فتح الشهية لإطلاق أسابيع موضة جديدة خاصة به، وليس أدل على هذا من نيويورك، التي ظلت تغازل الفكرة منذ عدة سنوات وبعد أن درستها من كل الجوانب تأكدت من أنها لا بد أن تنظم أسبوعا خاصا بالرجل إذا كانت تريد أن تحافظ على مكانتها ومكانة مصمميها. والنتيجة أنها ستحتضن في الصيف المقبل أول دورة رجالية لها.
 
الملاحظ أن معظم المصممين أصبحوا يطرحون أزياء رجالية. وحتى من تخصص منهم سابقا بتصميم أزياء نسائية، مستكينين لقدرات المرأة الشرائية وكونها تقدر الموضة وتحرك مبيعاتها، برغبتها في التغيير والجري وراء الجديد، انتبهوا أن الاعتماد عليها وحدها لم يعد كافيا. 
 
فمنذ ظهور الرجل المتروسيكشوال، الذي لا يرى تعارضا بين الأناقة والرجولة، من أمثال لاعب الكرة ديفيد بيكام وجورج كلونها وبراد بيت وغيرهم، لاحظوا انتعاش سوق المنتجات الرجالية المرفهة، بكل مجالاتها، مما أغراهم بدخول هذا القطاع بكل قواهم لنيل حصة منه. 
 
توم فورد مثلا، وبعدما ترك دار «جوتشي» ودخل تجربة الإخراج السينمائي إلى حد أعطى الانطباع بأنه طلق عالم التصميم بالثلاثة، عاد إليه من باب التفصيل الرجالي، وكأنه شعر بحدسه أن المستقبل في يد الرجل. 
 
فبالإضافة إلى أن عدد المصممين المتخصصين فيه أقل بكثير من المتخصصين في الأزياء النسائية، فإنه البوابة التي يمكن الدخول منها إلى مجالات أخرى ثم التفرع إلى أزياء الصغار أو الديكور المنزلي وغيرها. أكبر مثال على هذا رالف لوران، وسالفاتوري فيراغامو، وأرماني فرساتشي وغيرهم ممن برهنوا أن قدراتهم الإبداعية يمكن أن تشمل الكثير من الأقسام وأن تحفز نجاحاتهم المصممين الشباب. 
 
توم فورد ليس الوحيد الذي التقط هذا الخيط واستغله، فقد حذا حذوه آخرون، مثل كريستوفر كاين، وجوناثان سوندرز، وريتشارد نيكول، ومايكل كورس، وتوري بيرش وغيرهم.
 
كريستوفر كاين، مثلا، أطلق خطه الرجالي في عام 2011، ليتبعه كل من ريتشارد نيكول وجوناثان سوندرز في عام 2012، بينما دخل كل من الأميركيان، مايكل كورس وتوري بيرش هذا القطاع مؤخرا، متشجعان بالنجاح التجاري الذي يحققانه في الجانب النسائي، وكلهما أمل أن تؤثر المرأة على الرجل باستقطابه لمنتجاتهما.
 
فعندما افتتح مايكل كورس، محلا رئيسيا على مساحة 22 ألف قدم مربع في نيويورك هذا الشهر، حرص أن يُخصص طابقا كاملا منه للرجل.
 
وهذا يكفي للإشارة إلى تنامي أهمية هذا القطاع، بحكم أن مايكل كورس أثبت في السنوات الأخيرة أنه يتمتع بحس تجاري يحسد عليه، إلى حد يعتبره البعض بمثابة الترمومتر الذي يحدد توجهات الموضة، أو بالأحرى اهتمامات الأسواق النامية وطموحاتها. فهو يحقق أرباحا تقدر بالمليارات، ويُتوقع أن تزيد بحلول 2017، خصوصا وأن محله بنيويورك ما هو إلا بداية علاقة جديدة بعالم الرجل.
 
فهو ينوي افتتاح ما لا يقل عن 500 محل رجالي في العالم.
 
توري بيرش، بدورها، أعلنت أنها ستطلق إكسسوارات رجالية هذا العام، وفي شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أعلنت شركة «كوتش» الأميركية بأن مبيعاتها من الحقائب الرجالية تحديدا شهدت ارتفاعا ملحوظا في الشطر الأخير من العام، على الرغم من تراجع مبيعاتها في الجوانب أخرى، مما يدفعها للمزيد من الاهتمام بهذا القطاع على أمل أن تصل أرباحها فيه إلى مليار دولار أميركي بحلول عام 2017.
 
مايكل كورس وتوري بيرش و«كوتشي»، مثل غيرهم، لن يهجروا عالم المرأة تماما، بل سيبنون عليه ليبيعوا أسلوب حياة متكامل يخاطب كل الأفراد والأجناس، بل الحقيقة أنهم يعتمدون عليها، أي المرأة، لكي تستقطب لهم الجنس الخشن. فالفكرة السائدة أنها هي أكبر مروج لهم، من حيث إنها هي التي تقدم الرجل إلى علاماتهم، إما بتشجيعهم على شراء هدايا لها، أو بشرائها هدايا إليه.
 
السؤال هو مدى قدرة هؤلاء المصممين على تحقيق النقلة من التصميم النسائي إلى التصميم الرجالي، ونجاحهم في إقناع الجنس الخشن بهم وبما يطرحونه لهم، لأن النقلة العكسية، من التصميم الرجالي إلى النسائي، أسهل بكثير نظرا لقدرة المرأة على استيعاب الجديد، بينما ظل الرجل، إلى الأمس القريب، أقل جرأة منها لا سيما في معانقة أسماء مصممين لا يعرفهم، ويربطهم في ذهنه بالمرأة.
 
فقد لا يشعر تجاهها بالاطمئنان والثقة لأنها توحي له بأنها تتعارض مع صورته الرجولية. وهذا الرجل يكون في الغالب، أكثر إخلاصا للماركات التي تعامل معها دائما، وربما ورثها عن آبائه وأجداده مثل زيغنا، لورو بيانا أو خياط الحي. 
 
لكن ليست هذه هي الشريحة التي يعتمد عليها المصممون في الوقت الحالي، فالشريحة التي يعقدون عليها آمالهم، شابة ربطت بينها وبين ماركات مثل رالف لوران، وتومي هيلفير، وديزل، وأرماني وغيرهم علاقة صحية لحد الآن، كما أن أغلبهم من أسواق متعطشة للموضة، سواء كانت هذه الموضة على شكل بدلة مفصلة على الجسم بشكل ضيق وبنطلون قصير تظهر من تحته جوارب ملونة، أو حقيبة تحمل باليد أو تعلق على الأكتاف لحمل أغراضهم التي لم تعد جيوب أزيائهم الرشيقة، تتحمل ثقلها أو حجمها، هذا في حال كانت موجودة من الأساس.
 
تعطش هذه الفئة شجعت على ظهور أسابيع موضة مخصصة لهم، كان آخرها أسبوع لندن، الذي بدأ بيوم واحد منذ 4 سنوات تقريبا ليتوسع إلى 4 أيام حاليا، فيما هناك إشارات قوية بأن نيويورك تعمل جديا على تنظيم أسبوع خاص به، يكون مستقلا عن الأسبوع النسائي الذي كان يشارك فيه بشكل هامشي وخجول.
 
فقد حفز نجاح أسبوع لندن مصممي نيويورك على المناداة باستقلالهم، بتخصيص أسبوع يسلط الأضواء على تصاميمهم الرجالية، حتى يدخلوا الطمأنينة على الرجل وإقناعه بأنهم يتوجهون له بكل الألوان والتصاميم الرشيقة. 
 
وتجدر الإشارة إلى أن فكرة الأسبوع تراود نيويورك منذ فترة طويلة، ولم تتبلور بشكلها الحالي سوى في العام الماضي على أن ترى النور في الصيف القادم. كونه سينطلق بعد الرابع من شهر يوليو (تموز) له رمزية خاصة مستمدة من روح وطنية واعتزاز بإمكانيات مصممي الولايات المتحدة الأميركية على الإبداع ومواجهة المنافسة العالمية.
 
بعضهم كان قد هجرها للعرض في أسابيع الموضة الأوروبية لعدم رضاهم أن يبقوا في ظل أسبوع نسائي، لكن من غير المستبعد أن يعودوا إلى أراضيهم للمساهمة في إنجاح هذا الأسبوع.
 
في كل الحالات، فإن كل الدلائل تشير إلى أن قطاع الأزياء الرجالية أصبح ينافس القطاع النسائي، وليس ببعيد أن يتفوق عليه في المستقبل القريب، نظرا لتعطش الرجل الشاب إلى الموضة من جهة، ورغبته في مواكبة تطوراتها بعد أن اكتشف أنها لا تعكس أسلوبه أو طموحاته أو ثقافته فحسب، بل هي أيضا أداة قوية لخلق صورة إيجابية عنه أو العكس. 
 
فقد أكدت له الأيام أن المثل القائل أن «الأزياء تصنع الرجل» لم يأت من فراغ، وبأن اعتبارها وسيلة للوقاية من البرد أو الشمس أو لستر الأجسام ليس صحيحا بالمطلق. أما بالنسبة للمصممين، بمن فيهم الصغار، فإن إغراءات دخول هذا القطاع كثيرة، وعلى رأسها أن فرص النمو فيه ضخمة على المستوى العالمي. 
 
فحسب بحيث قامت به شركة «يورومونيتور إنترناشيونال» في عام 2013، فإن هذا القطاع شهد نموا بنسبة 5 في المائة، أي أعلى من النمو الذي شهده قطاع الأزياء النسائية بنسبة 1 في المائة. 
 
صحيح أن المرأة لا تزال تصرف أكثر من الرجل على الأزياء والإكسسوارات ومنتجات التجميل والماكياج والعطور، إلا أن هذا لا يعني تراجع المبيعات الرجالية، بل العكس تماما، فهي تنمو بثقة، بحيث ترجح التقديرات بأن تصل إلى 110 مليارات دولار أميركي في عام 2019. أي أنها ستنمو بمعدل 36 في المائة مقارنة بعام 2014، الذي قدرت فيه بـ81 مليار دولار أميركي، حسب شركة «يورومونيتور».