المصممون العرب .. لماذا يفضلون العارضات الأجنبيات ويجافون العربيات؟

عدم المهنية .. وغياب الاحتراف أو الالتزام.. من بين الأسباب
عدم المهنية .. وغياب الاحتراف أو الالتزام.. من بين الأسباب

تلفتك في الآونة الأخيرة عروض الأزياء التي تحتضن بعضها البلدان العربية، لكن تغيب عنها عارضات الأزياء المحليات. حتى في لبنان، يعتمد المصممون على عارضات أجنبيات توفرهن لهم وكالات عالمية للقيام بهذه المهمة.
 
فعند افتتاح محلات تجارية ضخمة مثل «إليزابيتا فرانشي» وسط بيروت، أو الإعلان عن تشكيلة جديدة للمصمم اللبناني عبد محفوظ في منطقة ستاركو، أو حتى عند إقامة مهرجان فساتين الأعراس (رويال ويدينغ فير) في منطقة ضبية، تلاحظ الحضور الكثيف لعارضات أزياء أجنبيات وغياب اللبنانيات اللاتي تشكل مشاركتهن نسبة 1 في المائة فقط، ما يطرح السؤال: لماذا تغيب العارضات اللبنانيات عن هذه المناسبات؟ هل السبب يعود إلى عدم مهنيتهن أم إلى مقاييسهن التي لا تتماشى مع الأزياء المعروضة؟ وهو ما يعتبر تناقضا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن هذه العروض تغازل السوق العربية.
 
يعلق المصمم اللبناني غابي صليبا، الذي قدم أخيرا عرضا خاصا بفساتين الأعراس، في مهرجان «رويال ويدينغ فير»، قائلا: «لا شك أننا، كمصممين لبنانيين، نتوجه بمجموعاتنا إلى زبونات عربيات، وبالتالي يهمنا أن تكون العارضات عربيات لأنهن يتمتعن بمقاييس مقاربة لمقاييس هذه الزبونة بشكل عام، لكن عدم تفرّغ العارضة اللبنانية لهذه المهنة، وانشغالها أحيانا بأمور أخرى، يجعل فكرة الاستعانة بها مقلقة». ويتابع: «كمصممين، نجد صعوبة في الاتفاق مع بعضهن على موعد معيّن يتم احترامه؛ فقد تعتذر في اللحظة الأخيرة متحججة بشيء أو بآخر». ويضيف: «كنت أتمنى أن تكون اللبنانية هي العارضة التي أتعامل معها؛ لأنها بصورة عامة تملك المواصفات الجسدية اللازمة لإبراز جمال القطعة التي أصممها؛ فالمهم أن لا يقل طولها عن 1.75 سنتيمترا، ولكن مع الأسف نسبة عارضات الأزياء المحترفات قليلة، بمعدل واحدة من أصل 10 أجنبيات نستعين بهن في عروضنا».
 
من جهته، يؤكد المصمم عبد محفوظ أن خبرته في هذا المجال دفعته، بعد تجارب عدة، إلى الاستغناء عن العارضات اللبنانيات والاستعانة بأوروبيات، من الدنمارك أو إيطاليا أو ألمانيا وغيرها. ويقول في هذا الصدد: «العارضة اللبنانية غير متفرغة وتفضل الظهور في إعلان أو حفل، لأن الأجر أعلى مما تجنيه من هذه المهنة، كما أن أداءها في العمل ليس بالمستوى المطلوب، لأنها غير محترفة ولا تلتزم بالوقت مثلا».
 
ويوافق المصمم ربيع كيروز هذا الرأي، مؤكدا أنه رغم وجود عدد من المحترفات، فإن التفرغ لعملهن والتركيز على مهنة عرض الأزياء بشكل خاص غائبة عن بالهن؛ فهن يفضلن الانشغال بأعمال أخرى كالإعلانات أو التمثيل أو الغناء. كما يرى أن مشكلة بعضهن تكمن في مبالغتهن في التجميل والماكياج.
 
نور، واحدة من العارضات اللبنانيات القليلات الموجودات بقوة حاليا، بحيث تُطلب بالاسم من قبل مصممي لبنان، من أمثال جو يازجي وإيللا زحلان وغابي صليبا وغيرهم. بعضهم يستعين بها أيضا في الخارج، وخاصة عندما يقيمون عروضا في الدول العربية؛ فهي فتاة سمراء ومقاييسها الجمالية مثالية، والأهم من هذا كله أنها متفرّغة للمهنة.
 
تقول نور في حديث خاص: «أنا متفرّغة لأني أمارس المهنة عن حب وشغف، وإذا امتنع بعض المصممين عن التعاون مع عارضات لبنانيات، فلأنهن بكل بساطة غير متفرغات ويمارسن المهنة هاويات فقط، إلى جانب أعمال أخرى». ورغم غزو العارضات الأجنبيات للبنان واستحواذهن على العمل فيه فإنها لا ترى أن هذه الظاهرة أثرت عليها شخصيا، لأنها تطلب بالاسم. تقول: «الوكالة التي تؤمن فتيات عرض الأزياء تستجيب لطلبات الزبون بشكل أولي، وأغلب المصممين يفضلون أن تتلون عروضهم باللبنانيات، فنحن لدينا خصوصيتنا وحضورنا أيضا».
 
من ناحيتها تشير ناتالي فضل الله صاحبة وكالة «ناتاليز آيجنسي» لعرض الأزياء، في حديثها إلى «الشرق الأوسط»، إلى أن الحقبة الذهبية لعارضات الأزياء اللبنانيات ولّت، مع مثيلات سيرين عبد النور وإنجليك مونس ولوتشيانا فرح وغيرهن.
 
وأضافت: «لقد أصبحت عارضات اليوم يضعن شروطا مبالغا فيها يصعب توفيرها في الكثير من الأحيان. هذا عدا أن بعضهن مزاجيات، يسمحن لأنفسهن بالتغيّب عن عرض أزياء تم الاتفاق عليه سلفا، لأسباب عادية، وهذا غير مقبول؛ لأنه يضع المصمم في مأزق، خصوصا أنهن يعرفن أنه لن يستطيع تغيير موعد عرض أزياء لأي سبب، فكيف إذا كان هذا السبب مجرد تغير مزاج عارضة أزياء؟».
 
تشرح ناتالي فضل الله، التي عملت سابقا في هذا المجال وكانت واحدة من أشهر «العارضات» في لبنان والعالم العربي، كيفية اختيار الأجنبيات وشروط التعاقد معهن قائلة: «نحن الآن نوقّع اتفاقيات مع وكالات أجنبية، تؤمن لنا عددا من عارضات الأزياء حسب الطلب، نشاهدهن في عرض مباشر من خلال تسجيلات مصورة ترسل إلينا للاختيار. كما لا تزيد مدة العقد معهن على الشهرين؛ إذ نفضّل التنويع في هذا المجال». وتتابع: «لدي لائحة من الأسماء لفتيات من صربيا وروسيا والبرازيل وفرنسا، وهنّ محترفات يقمن بعملهن كما يجب ومن دون دراما».
 
وتوضح ناتالي أن هناك عارضات لبنانيات يتم التعاون معهن، لكن عددهن يعد على أصابع اليد الواحدة، معترفة: «لا أذيع سرا إذا قلت إن كلفة استقدام الأجنبيات تفوق تلك التي نتكبدها مع اللبنانيات؛ لأن هناك كلفة الفيزا وبطاقة السفر والإقامة والأجر، ولكن حفاظا على سمعتنا والتزامنا مع المصمم نتكفّل بجميع هذه المصاريف بصدر رحب».
 
وتشير إلى أن أجر عارضات الأزياء في لبنان يعتمد على خبرتهن وشعبيتهن. في السابق كانت هذه الأجور تتراوح ما بين 250 و1000 دولار أميركي للعرض الواحد، لكن الآن وبسبب عامل المنافسة بين الوكالات، فإن هذه الأجور تأثرت بشكل لافت؛ فقد «كثرت (الدكاكين) الصغيرة» حسب قول ناتالي، بحيث يدفع بعضها مبلغا لا يزيد على 100 دولار لعارضات مبتدئات يرضين بأي مبلغ للحصول على فرصة الظهور، لكن وبشكل عام، فإن هذه الأجور تبدأ من 250 دولارا، ولا تتعدى 500 دولار حسب الكفاءة والخبرة.
 
أما المقاييس المطلوبة لعارضة الأزياء فهي أن يكون مقاسها 34 أو 36، وأن تتمتع بطول لا يقلّ عن 175 سنتيمترا، ووزن لا يزيد على 68 كلغ.