«التسقية» طبق الأغنياء والفقراء في سوريا
تعتبر وجبة التسقية (فتة الحمص) الوجبة الشعبية الأولى في دمشق، خاصة أنه لا توجد عائلة دمشقية إلا وتعتبرها وجبة الفطور الأساسية في يوم الجمعة، حيث نهاية أسبوع العمل، ويجتمع أفراد العائلة مع الضيوف والأنساب والأصهار حول صينية الفتة «التسقية»، التي يأتي بها صاحب المنزل من محل الحمصاني في الحارة وقد ينتظر وقتاً لا بأس به حتى يأتيه الدور للحصول على «التسقية»، فمعظم رجال الحارة الدمشقية يتجمعون صباح كل يوم جمعة في محل الحمصاني ليحصلوا على هذه الأكلة الدمشقية الشهيرة والبسيطة وحسب ـ عدنان ميداني وهو بائع حمص في حي الشيخ محي الدين بمنطقة الصالحية بدمشق، فإن مكونات التسقية قليلة ومحدودة وليست معقدة.
ولكن تحضيرها يحتاج الى خبرة ومهارة وهذا يتوقف على الحمصاني وعراقته بهذه المهنة، التي تكون في أكثر الأحيان متوارثة عن الآباء والأجداد وهي تتكون بشكل أساسي من الحمص المسلوق بشكل جيد ومن قطع الخبز والملح وأهم شيء هنا (الزيت الفاقس).
ولتحضير وجبة من التسقية لعائلة واحدة نقوم بوضع ما يعادل ملعقة من مادة الكربونات (القلو بالتسمية الدارجة) في ربع لتر من الماء ونحركه بشكل جيد حتى يذوب تماماً في الماء وبعد ذلك نضيف كأسا من زيت الزيتون الأصلي إلى المزيج ومتى تحول لون المخلوط إلى الأبيض الكريمي وهذا يعني أن الزيت (فقس واختلط مع المحلول) وهذه أهم عملية في تحضير التسقية، لنقوم بعدها بوضع هذا الخليط من الماء والزيت والقلو على صينية الحمص المسلوق والخبز، فيتشرب به من أعلى سطح الوعاء وحتى أسفله ولتصبح التسقية جاهزة للتناول.
ويقوم صاحب البيت عادة بالطلب من أفراد أسرتهم وضيوفه بصب قسم من التسقية في صحن كل واحد منهم أو يأكل البعض من الصينية بشكل جماعي، حيث يعتبر البعض بأن مشاركة العائلة الصينية الواحدة تساعد على تعزيز الوصال بين افراد الاسرة، وتهدف الى التخلص من الرسميات، خاصة أن التسقية أكلة شعبية.
ولتحضير التسقية طريقتان، يضيف عدنان الأولى بزيت الزيتون وهي المفضلة لدى أكثرية الدمشقيين كونها خفيفة على المعدة في حين الطريقة الثانية نستخدم فيها السمن وهذه ثقيلة جداً على المعدة ويطلق عليها البعض بقصد المزاح «الباطون» كونها تشكل على المعدة ثقلاً كأحجار الباطون الاسمنتية، كما أن العديد ممن يتناولونها يصيبهم النعاس والخمول، ولذلك غير مرغوبة في الصباح ويتناولونها في المساء على العشاء.
والتسقية بالسمنة تعتبر طعاماً فاخراً كونها تستقطب إضافات غذائية متنوعة ومختلفة حسب حالة الزبون، فالأغنياء عادة يطلبونها بالسمن البلدي(الحيواني البقري أو الغنمي) مع إضافة الصنوبر الثمين عليها، والبعض يفضل إضافة الجوز أو اللوز إليها مع الخبز المحمص، وهناك من يطلب إضافة لحم الغنم البلدي وتكون ناعمة ومقلية بالسمن أيضاً على وجه التسقية ولتصبح وجبة دسمة حتى يتناولها البعض وقت الغداء، في حين أن الفقراء ومحدودي الدخل يطلبونها من دون مكسرات وصنوبر وغير ذلك وبالسمن النباتي الرخيص الثمن نسبياً.
ويتفنن الدمشقيون في تحضير الفتات(التسقية) من الحمص المسلوق، ويتفننون أيضاً في تحضير الحمص نفسه، الذي عادة يطلبه الدمشقيون مع التسقية بقصد تنويع وجبة الفطور من الحمص وتقوم محلات بيع الحمص (الحمصانية) بتحضير الحمص المسلوق والمطحون جيداً ويضعون له الحمض ويكون لونه أبيض زاهيا ويطلق الدمشقيون عليه اسم (المسبحة) ويميزونها بنوعين وهما: المسبحة الناعمة (وهي الحمص العادي المسلوق والمطحون والمضاف له الزيت) والمسبحة الخشنة (وهذه يفضلها الكثيرون على الفطور والعشاء أحياناً)، وهي تقدم من دون طحن، حيث يسلق الحمص وتضاف له مادة القلو حتى يصبح اللون أبيض والحبة كبيرة ومن ثم يوضع في وعاء ويضاف له اللبن الرائب والزيت ويؤكل عادة مع الخبز، حيث لا توضع قطع الخبز معه وإلا تحول إلى تسقية باللبن، يقول عدنان ضاحكاً، فلكل طريقة في تحضير الحمص أسلوبها ولوازمها وإضافاتها ولكن تبقى التسقية سيدة موائد الدمشقيين والمفضلة لديهم أسبوعياً صباح كل يوم جمعة.