علاج ارتفاع الدهون مبكرا لدى الأطفال .. كيف يقلل من مشكلاتهم الصحية لاحقا؟

 مقال بقلم: د. هاني رمزي عوض
 
عدد منهم يعاني من زيادة الكولسترول بسبب وراثي:
منذ عدة عقود ازداد الوعي والاهتمام بخطورة وجود الدهون بالدم بصورة كبيرة نظرا لأثرها بالغ الضرر في تصلب الشرايين المبكر وأمراض القلب والجلطات بشكل عام سواء في القلب أو المخ، وأصبحت كلمات مثل "الكولسترول" و"الدهون الثلاثية" متداولة ومعروفة لدى أفراد الجمهور من خارج التخصصات الطبية، لكثرة تكرارها والتحذير من أخطارها، سواء من خلال الأطباء، أو من خلال وسائل الإعلام.
 
وكانت النصائح تنصب دوما على الحد من تناول الأغذية التي تحتوي على كميات كبيرة من الدهون، خاصة الدهون الضارة (الدهون منخفضة الكثافة) التي تترسب على جدران الشرايين.
 
والحقيقة أن بعض الأشخاص لديهم استعداد أكثر من غيرهم لتكوين الدهون، وهو في الأغلب يكون على أساس جيني، حيث إن معظم هذه الحالات تكون عائلية، ولذلك يلعب تناول الأطعمة الضارة دورا ضئيلا في تفاقم مثل هذه الحالات. ويعاني من ارتفاع معدلات الكولسترول العائلي شخص من كل 500 يكون مصابا بارتفاع الدهون، وبالنسبة للأطفال في الأغلب يرتفع الكولسترول لديهم فوق النسبة المعتادة قبل البلوغ.
 
ارتفاع الكولسترول العائلي:
وبالنسبة للمرضى من الأطفال والمراهقين الذين يعانون من زيادة الدهون بسبب عائلي أو جيني Familial hypercholesterolemia كان هناك جدل شديد حول بداية العلاج الدوائي ولأي مدى يمكن تأجيل الأدوية نظرا للمضاعفات التي يمكن أن تحدثها هذه الأدوية في الجسم، خاصة أشهرها مجموعة استاتين (statin)، في الأغلب كان العلاج ينصب على تقليل الدهون والأغذية الضارة مع ممارسة الرياضة، وهو ما يمثل الخط الأول والرئيس في العلاج.
 
وأشارت أحدث الدراسات التي تناولت هذا الموضوع إلى أن إعطاء الأطفال والمراهقين عقار "استاتين" في مرحلة مبكرة من الممكن أن يكون واقيا من الجلطات بعد ذلك في الكبر، وكانت الدراسة التي نشرت في "مجلة الجمعية الطبية الأميركية" Journal of the American Medical Association في مطلع شهر سبتمبر (أيلول) الحالي، قد قامت بتتبع الأطفال الذين يعانون من ارتفاع الدهون لأسباب عائلية ويتناولون عقارا مقللا للدهون من عائلة "استاتين" لمدة 10 سنوات، وتبين أن له دورا مهمّا في الوقاية من تصلب الشرايين المبكر.
 
والمعروف أن أدوية علاج الدهون تنقسم إلى عدة أنواع أو عائلات تعمل جميعها على خفض نسب الدهون الضارة، وبعضها يساعد في زيادة الدهون المفيدة للجسم وهي الدهون عالية الكثافة التي لا تترسب على جدران الشرايين وتضيقها، نظرا لحجمها الكبير الذي يمنعها من المرور بين الفتحات الموجودة في جدار الشرايين، وهذه الأدوية تحتوي على مادة "أوميغا 3" الموجودة في الأسماك الدهنية مثل التونة والسالمون، والمكسرات مثل اللوز، وزيت بذرة الكتان (الزيت الحار) وغيرها.
 
الآثار الجانبية للأدوية:
وعلى الرغم من فوائد الأدوية التي تعمل على خفض الدهون الضارة، فإن لها، بطبيعة الحال، آثارا جانبية، أهمها أنها تؤثر على سلامة الكبد، حيث إن طريقة عملها تكون من خلال تثبيط إنزيمات الكبد التي تكون الكولسترول، وبالتالي يمكن على المدى البعيد أن تؤثر على الكبد. 
 
وبجانب أنها تؤثر على الكبد، هناك أيضا بعض الأعراض الجانبية الأخرى مثل الصداع، واضطرابات النوم، وضعف العضلات، وفي أحيان نادرة حدوث إسهال أو إمساك، ولهذه الأسباب كان الأطباء يؤجلون وصفها للأطفال والمراهقين إلى أطول فترة ممكنة على الرغم من ضرورة استخدامها في بعض الحالات وفي سن مبكرة جدا مثل الثامنة.
 
وفي هذه الدراسة الحديثة قام علماء هولنديون بتتبع 214 طفلا من هولندا تتراوح أعمارهم بين 8 و18 عاما يعانون جميعا من ارتفاع نسبة الكولسترول لأسباب عائلية، وجميعهم كانت جيناتهم تحتوي على زوج غير متماثل من الجينات من الأبوين heterozygous بمعنى أنه يوجد جين مختلف من كلا الوالدين، وذلك حتى تعطي رؤية جيدة للنتائج بما يمثل أكبر شريحة، حيث إن الجينات المتشابهة التي تكون سائدة أو متنحية لا تعبر بشكل جيد عن أكبر شريحة من المرضى.
 
وجرى تجريب إعطاء دواء "استاتين" لبعض هؤلاء الأطفال لمدة سنتين من عام 1997 وحتى عام 1999، وجرت مقارنة الأطفال الذين استخدموا العقار بأطفال آخرين تناولوا أقراصا وهمية تشبه العقار دون مادة فعالة placebo (لمقارنة فاعلية الدواء مقابل العامل النفسي لإحساس الطفل بتناول عقار). 
 
وبعد التجربة تناول جميع الأطفال "استاتين" وجرى تتبعهم حتى عام 2011، ثم أُجري كشف إكلينيكي عليهم، كما قام الباحثون بعمل اختبارات مختبرية لقياس نسبة الكولسترول بالدم، وأيضا جرى عمل أشعات معينة على الشرايين للكشف عن مدى تصلبها وازدياد سمكها، وأظهرت النتائج أن 194 طفلا (نسبة 91%) كانت الاختبارات المختبرية لديهم طبيعية ولم تظهر عليهم أي أعراض لارتفاع نسبة الكولسترول. 
 
وفضلا عن ذلك، توصلت الدراسة إلى أنه كلما بدأ العلاج مبكرا، كانت النتائج جيدة ولكن بالنسبة للدهون منخفضة الكثافة، فإن نسبتها لم تتأثر كثيرا بتناول "استاتين" المبكر، وبقيت كما هي، وهو الأمر الذي يحتاج إلى مزيد من الدراسات.
 
وفي النهاية، يجب على الآباء الذين يعانون من ارتفاع نسبة الكولسترول، أو سبق لأحدهما أن تعرض لجلطات في القلب أو المخ أو القدم ضرورة الكشف المبكر على أولادهم وعمل فحوص مختبرية لقياس نسبة الكولسترول، والبدء مبكرا في تناول علاج للحد من خطورة تصلب الشرايين.