في أسبوع نيويورك للأزياء .. عودة إلى الحياة المترفة
انتهى أسبوع الموضة النيويوركي على نغمات انثوية ناعمة بعضها يستحضر موضة العشرينات المنسابة وبعضها الآخر موضة الأربعينات من القرن الماضي وما بعدها بخصرها المحدد وطولها الذي يغطي الركبة، سواء تعلق الأمر بالتنورات المستقيمة أو بالفساتين ذات التنورات الواسعة.
إلى جانب الكبار من أمثال رالف لوران الذي احتفل بـ40 عاما على مشواره في عالم الأزياء، وأوسكار دي لارونتا وكارولينا هيريرا ودونا كاران ودايان فون فورستنبورغ، شاركت مجموعة من المصممين الجدد الذين يحلمون ان يحفروا اسماءهم في ذاكرتنا في المستقبل القريب ونجحوا في إثراء الأسبوع وسرقة الاهتمام من النجوم، الذين كانوا دائما أهم نقطة جذب لأسبوع نيويورك.
حصاد هذا الأسبوع يشير إلى ان التفاحة الكبرى ظلت وفية لثقافتها القائمة على تقديم ازياء عملية، أنيقة، مريحة وتجارية، باستثناء النيويوركي، مارك جايكوبس، الذي يحاول بين الفينة والأخرى ان يغذي فكرة خاصة تخطر بباله فيطرحها لنا بغض النظر عما إذا كانت تجارية أم لا. فهو الذي حاول ان ينشر موضة "الغرانج" في التسعينات رغم ان الكل لم يكن متحمسا لها، ورغم ان عناده كلفه وظيفته في دار إليس بيريس آنذاك، إلا انه لا يزال يحاول كلما سنحت له الفرصة إقحام ولو جزئية صغيرة منها في بعض مجموعاته. ولأنه موهوب، وله موالون كثيرون، على رأسهم رئيسة تحرير مجلة "فوغ" الاميركية أنا وينتور، استطاع بعد فقده وظيفته مع إليس بيريس ان يحصل سريعا على وظيفة مصمم فني لدار "لوي فيتون" الفرنسية العريقة إلى جانب استمراره في تصميم ماركته الخاصة، محققا بذلك النجومية والشعبية على حد سواء. فليس أدل على ذلك من ان أزياءه تعتبر الأكثر تقليدا من قبل محلات شوارع الموضة العالمية.
في الأسبوع الماضي، حاول مرة أخرى ان يجمع بين دور المصمم والفليسوف بطرح فكرة لم يفهمها احد. فقد كانت الأزياء غريبة عجيبة لم تكتمل في حياكتها، بحيث بدا بعضها للحضور وكأنه من دون صدر أو أكتاف، كما بدت بعض التنورات من دون جزء جانبي إلى حد يمكن أن يرى الحضور الخيوط تتدلى من الجوانب، بل حتى الأحذية كانت بهذا الشكل: غير مكتملة وبعضها بنصف كعب. لسوء حظه لم يفهم أي من الحضور فلسفته الجديدة ورؤيته السريالية، والنتيجة ان عرضه لم يحظ بالتهليل الذي تعود عليه دائما، بل حتى عرابته أنا وينتور لم يعجبها تأخر عرضه لساعتين، فهو حسب قولها: "ليس مصمما مبتدئا في الـ 19 من العمر، بل ناضج ويحظى بدعم مجموعة كبيرة جدا". أي ليس له عذر للتأخير، طبعا ما زاد من سوء الأمر ان تشكيلته لم تبرر الانتظار الطويل.
لحسن حظ نيويورك ان العروض الاخرى كانت مكتملة التفاصيل والأناقة، تعيد إلى الأذهان الحلم الأميركي والحياة المترفة التي يحن لها معظمنا. فزاك بوسن، مثلا عاد إلى بداية القرن الماضي بالوانه وتصميماته مبررا ذلك بأنه عودة إلى أساس الثقافة الأميركية التي تريد تحقيق النجاح والعز وليس الحروب. بدورها قدمت فيرا وانغ، التي تخصصت سابقا في فساتين الزفاف، مجموعة من الفساتين القصيرة للنهار والكوكتيل، تلتف حول الجسم بطيات ناعمة زينتها بأكسسوارات من زجاج حول العنق، بينما قدمت للمساء فساتين طويلة تعانق الجسم من اللاميه الفضي استوحتها من روما القديمة، حيث جاءت مستوحاة من لباس "التوغا" المشهور، ومصنوعة من الحرير والجيرسيه والكريب الصيني. حتى الفساتين المصنوعة من التول كانت تحية لمعمار روما القديمة ايضا.
الطيات أو "درابيه" كانت موجودة في معظم القطع لكنها كانت عصرية من حيث تفاصيلها المحددة، وتفصيلها القريب من الجسم، لتؤكد بذلك انها مبدعة وتفهم الأنوثة بحكم خبرتها الطويلة في مجال فساتين الزفاف. فيرا وانغ ليست وحدها من ودعت الفساتين الفضفاضة التي تنساب من الأكتاف إلى الركبة، وقصات الإمباير، فقد أجمع معظم المصممين النيويوركيين، باستثناء الثنائي مارك بادجلي وجيمس ميشكا اللذين اسهبا في طرح تنورات قصيرة جدا، أن الطول المناسب لربيع وصيف 2008 يجب ان يغطي الركبة، كما أجمعوا ان الأنوثة لا تعني كشف مفاتن الجسم. فأنا سوي، قدمت هي الاخرى مجموعة شبابية تعتمد على إبراز الخصر لا إخفائه، مفسرة ذلك بقولها ان: «فتيات اليوم يردن مظهرا انثويا، وهذا يعني بالنسبة لي إعادة إحياء الخصر». وتوافقها دونا كاران الرأي كليا، مترجمة هذه الموافقة من خلال استعمالها السخي للأقمشة المطاطية أو الجيرسيه بألوان البشرة الطبيعية. فالياقات لم تكن مفتوحة بشكل فاضح ولا طول الفساتين قصيرا جدا، لكن كل ما فيها كان مثيرا ورائعا. وهذا ليس غريبا على دونا كاران التي تعترف دائما أنها عندما تبدأ أو تفكر في التصميم تنطلق من عيوبها لفهم عيوب المرأة، وبالتالي تتقن جيدا فن إخفائها والتمويه عليها.
الألوان الترابية والتي تتماهى مع لون البشرة كانت الغالبة، بينما استعملت الأخضر الكاكي في القطع المستوحاة من أجواء السفاري. بيد ان ما يحسب لها في هذه التشكيلة انها اولت اهتماما إضافيا للتفاصيل، الأمر الذي بدا واضحا في كل قطعة. المفاجأة في هذا الأسبوع كان عرض تومي هيلفيغر، الذي أكد ان هناك وجوها اخرى لم يتطرق إليها من قبل سواء في الجاكيت "البلايزر"، مع العلم ان هذه القطعة هي اكثر ما يتميز به ولا تغيب عن أي عرض من عروضه تقريبا، لأنها بالنسبة له ترتبط بلباس البحارة الذي يعشقه. هنا ايضا عاد إلى أجواء البحر ليستقي منها افكاره وألوانه، لذلك كان من الطبيعي ان يغلب عليها في العادة الأزرق النيلي والأبيض والكاكي إلى جانب الألوان الهادئة. عودته إلى الجاكيت لم تكن اجترارا لنفس الفكرة، بل لأنه فعلا رأى انه يمكن ان يضيف إليه شيئا جديدا، وهو ما تمثل في تصميمه الرشيق الذي يكاد يعانق الجسم مع محافظته على راحته وايضا على الأزرار الذهبية التي تعيدنا مرة اخرى إلى أجواء البحرية ولباس القباطنة.
نفس الفكرة طبقها في الفساتين والمعاطف والشورتات، وهي الفكرة التي قال انه استمدها من "الموضة الأميركية في الستينات والسبعينات..إنها احتفال بأميركا في عصرها الذهبي وبأناقتها الايقونية" مضيفا أن التشكيلة: "راقية في تفاصيلها ونعومتها، وفي نوعية الأقمشة والخياطة المفصلة.. فقد نضجنا وسنستمر في النضج، لكن خطوة خطوة". هيلفيغر أشار ايضا إلى انه وضع النجمة وأميرة موناكو الراحلة، غريس كيلي، نصب عينيه عندما صمم هذه التشكيلة، لا سيما في ما يتعلق بالفساتين الناعمة التي نسقها مع إيشاربات ومع معاطف صيفية تناسب أجواء البحر واليخوت. أنهى عرضه وختم اسبوع نيويورك بفستانين باللون الأبيض، الأول بكشاكش من الأمام والثاني بوردة معقودة اسفل الظهر، من الخلف، كما أنهاه بحقائب ضخمة، تؤكد ان موضة الاكسسوارات الكبيرة ستبقى معنا في المواسم المقبلة.