العلاج بالخلايا الجذعية .. هل حقيقة علمية أم تجارة بالبشر؟
12:26 م - الثلاثاء 1 أكتوبر 2013
وصلت ماغي أليجوس مع زوجها وابنتها إلى مدينة تيجوانا، وقد تدلى من شفتيها أنبوب لضخ الأكسجين، حاملة حوالة مالية بقيمة 13500 دولار لحساب «معهد الطب التجددي».
وماغي هذه، النحيفة القوام جدا، هي ممرضة متقاعدة كانت تعمل بالجيش الأميركي، وكانت تشكو خلال عشرات السنوات من أصل عمرها البالغ 65 سنة، من مرض انتفاخ الرئة (امفيزيما). وكانت قد بلغت مرحلة زرع رئة لها، بعدما حضرها الأطباء للعملية الجراحية، ليكتشفوا فقط أن الرئة المتبرع بها لا تصلح بتاتا.
وفي المستشفى هنا تعاون الأطباء مع المعهد المذكور، ليستخلصوا سبع أونصات (الأونصة 28 غراما تقريبا) من الشحم من فخذيها، آملين في حصد نحو 130 مليون خلية جذعية لزرعها في رئتيها المنهارتين.
دعاية للخلايا الجذعية
وعبر الإنترنت، حيث تعرفت ماغي على هذا المعهد، يجري الترويج للخلايا الجذعية على أنها الجواب الشافي لكل الأمراض والحالات ابتداء من الجلد المترهل، وانتهاء بتقويم عيوب وإصابات الحبل الشوكي المزمنة.
وعلى الصعيد السطحي يبدو أن هذا الزعم مقبول، فقد اكتشف العلماء أن شحوم البدن، والنخاع العظمي، والأجزاء الأخرى من الجسم البشري، تحتوي خلايا جذعية، وخلايا غير بالغة يمكن أن تجدد ذاتها بذاتها على الأقل، في النسيج التي هي موجودة فيه طبيعيا.
ولكن يتوجب الإثبات أيضا أن هذه الخلايا يمكنها أن تتجدد، بغض النظر عن المكان الذي توضع به، وتحت جميع الظروف، فضلا عن الأسئلة المتعلقة بالسلامة، التي ما تزال من دون أجوبة.
ويبدو أن مثل هذه الحقائق الرصينة لم تبطئ من عجلة الصناعة العالمية التي قامت لتخدم الزبائن المستعدين لاتفاق عشرات الآلاف من الدولارات للحصول على معجزة شخصية.
وأثبت الأميركيون أيضا استعدادهم لخوض هذا المجال. ومثال على ذلك قيام أحد المختصين بالأمراض العاملين في الجامعة الطبية في ولاية ساوث كارولينا بالاعتراف بأنه قام بإرسال كميات من الخلايا الجذعية بشكل غير شرعي لأغراض المعالجة، من دون الحصول على موافقة الجامعة، أو إدارة الغذاء والدواء الأميركية.
وبذلك بلغ عدد العيادات والمنتجات حجما بات معه العلماء يخشون من مضاعفات وتداعيات قد تؤثر على أعمالهم، إذ يخشى الدكتور هاشم صادق من المركز الطبي التابع لجامعة تكساس ساوثويسترن في دالاس، الذي يقوم بدراسة عمليات إعادة إحياء عضلات القلب، من أن يسبب هذا الطوفان التسويقي صعوبة في قيام المرضى بالتمييز بين العلم والخديعة، وما قد يقع ما بين طرفي هذا الطيف. «إن هذا الأمر قد ينسف شرعية العمل هذا كله»، كما يضيف.
وعلى الرغم من أن نحو 20 عيادة تقدم علاجات الخلايا الجذعية في تيجوانا، غير أن الدكتور جافيير لوبيز مؤسس معهد الطب التجديدي يقول إن معهده بات الواجهة الإعلانية لهذه العيادات. ويقوم المرضى بالتوقيع على تعهدات تقر بأن العلاج الذي يخضعون له هو تجريبي فقط. ويجري تسجيل الدراسات في المكتبة الوطنية للطب في الولايات المتحدة.
ويخضع قبول المرضى لعلاجهم إلى أكثر من المال، إذ ثمة بروتوكولات وإجراءات ينبغي الموافقة عليها من قبل مجلس مؤسساتي للمراجعة والتقييم I. R. B، أو من قبل هيئة خاصة في مستشفى «هوسبيتال إنجليس» في تيجوانا، وبإشراف أطبائه. لكن التركيز خلال كل هذه التجارب هو على السلامة، كما يقول الدكتور لوبيز.
تجارب غير مثبتة
ومع ذلك فإن المشككين في الولايات المتحدة ما يزالون غير مقتنعين، إذ يقول لي تيرنر الاختصاصي بالأخلاقيات الحيوية بجامعة مينسوتا، إن معهد الطب التجديدي، قد نسف الحدود الفاصلة بين التجارب والعلاج، فضلا عن أن الدراسات التي يخضع لها المرضى الذين يدفعون نفقات العلاج، من شأنها أن تضعف الشرعية العلمية لهذه التجارب، كما أن العلاج قد وجه نحو الأشخاص الذين يملكون القدرات المالية، وقدرات السفر، مما قد يشوش على الوضع برمته، بوضع غمامة من الوهم.
لكن الدكتور لوبيز يجيب عن ذلك بالقول إن العلماء في المكسيك لا ينعمون بالدعم الحكومي الخاص بالأبحاث، على غرار الولايات المتحدة، مما يترك المؤسسات، مثل معهده مثلا من دون أي خيار، سوى فرض النفقات على المتعالجين.
وفي الولايات المتحدة ذاتها أيضا، فإنه من السهل القيام بنشاطات وأعمال بعيدا عن المراقبة الحكومية، وفقا للدكتور جورج دالي الذي يقوم بدراسات حول الخلايا الجذعية لعلاج أمراض الدم في الكلية الطبية التابعة لجامعة هارفارد.
فشركة «ريجنوسايت» في فلوريدا نشرت تقريرا أعدته شبكة «سي إن إن» التلفزيونية حول نشاطاتها على موقعها على الشبكة. لكن إذا استمرت مثل هذه الأعمال الخاصة بالخلايا الجذعية من دون مراقبة صحيحة، فإن الدكتور دالي يخشى أن يؤثر ذلك على تطور الأبحاث في هذا الشأن، لأن التجارب السريرية قد تعتمد حتى على المرضى المستعدين أن يدفعوا ثمن العلاج وإن كان وهميا، في حين أن عيادات أخرى منافسة تقدم نتائج متأكدا من صحتها.
وفيما يتعدى الشهادات المنشورة على مواقع الإنترنت، فثمة دلائل قليلة ما إذا كانت علاجات الخلايا الجذعية التي يجري عرضها وتقديمها تعمل بفعالية، إذ يقول بول كنيوبفلير الباحث في الخلايا الجذعية في جامعة كاليفورنيا دايفيز، إن نقص المعلومات بهذا الشأن مزعج فعلا.
كذلك يعلن ماينارد هو كبير المديرين في «ستيميديكا سيل تكنولجيس» في مدينة سان دييغو، التي تقوم بتطوير عقار مصنوع من خلايا جذعية متبرع بها، «أنا لست مهتما بالقيام بالكثير من الأبحاث لأغراض النشر فقط».
من جهته صرح الدكتور لوبيز أنه يحاول نشر بيانات ومعلومات عن 125 مريضا قام بعلاجهم حتى الآن، لكنه يواجه معضلة «لأن الجميع يرفض التكلم معنا، لكوننا من مدينة تيجوانا»، ويقصد بذلك المجلات والنشرات الطبية التي ترفض إجراء مقابلات معه.
وعلى أي حال أصدرت الجمعية العالمية لأبحاث الخلايا الجذعية أخيرا، بلسان رئيسها لشؤون السياسة العامة جونثان كيملمان، بيانا أعلنت فيه أن استخدام الخلايا الجذعية خارج إطار البحث العلمي، يشكل تهديدا للمريض، وللعملية العلمية برمتها.