أنجاز علمي جديد .. علماء أميركيون ينجحون في تحويل نوع حي إلى نوع آخر
في عملية دقيقة حولت، وبشكل نقي خالص، نوعا من الأحياء إلى نوع حي آخر، أعلن علماء أميركيون أنهم نجحوا في زرع كل الحمض النووي «دي إن إيه» (وهو المادة الجينية الحية) من أحد الميكروبات، داخل ميكروب آخر يمت له بصلة قرابة.
وبعد العملية، أخذت الأحياء الخاضعة للدراسة، وهي أحياء تتكون من خلية واحدة فقط تماثل البكتريا.. بإطاعة الجينوم (مجموع الجينات في الخريطة الوراثية) الجديد لها بشكل تام، والخضوع لإرشاداته. وبدا سلوكها، في كل منحى، مماثلا لسلوك الأنواع الحية التي تبرعت بجيناتها.
وقال كريغ فنتر قائد فريق البحث، المدير التنفيذي لشركة «سينثتك جينومكس» في روكفيل، التي تتسابق لتكون أولى الشركات المنتجة لخلايا صناعية يمكن استنساخها، إن «هذا مكافئ لعملية تغيير كومبيوتر من طراز ماكنتوش إلى كومبيوتر شخصي «بي سي»، بعد إدخال برنامج في داخله».
ويؤكد هذا النجاح أن الكروموسومات يمكنها أن تنجح في اجتياز مصاعب زرعها، وأنها لا تتأثر به (أي بعملية الزرع)، ويمكنها «إعادة تسجيل» هوية، وعمل الخلايا التي تزرع فيها. وهذا اكتشاف حاسم للعلماء الذين يأملون في إيجاد أشكال جديدة من الحياة بواسطة تجميع كروموسومات صناعية داخل خلايا فارغة يمكن إنتاجها مختبريا.
وتمثل هدف فنتر في إنتاج كروموسومات مصنوعة يدويا تحتوي على جينات، تقوم بتوجيه التعليمات إلى الخلايا كي تنتج وقودا بيولوجيا ارخص وأنقى من النفط والفحم. إلا أنه وحتى الآن، كما يقول، لم يكن من الواضح ما إذا كان بإمكان الكروموسومات فعلا تشغيل آليات الحياة بعد دخولها إلى خلايا لا تعرفها. وأضاف أن «هذا (البحث) يثبت أن بمقدورنا تشغيل الخلايا بفضل كروموسوم آخر».
ويعتبر البحث المنشور في النسخة الالكترونية لمجلة «ساينس»، حول عملية تغيير الهوية (للنوع الحي)، نسخة معاصرة من بحث سابق اجري في الأربعينات، حين نجح علماء في جامعة روكفلر بتحويل الحمض النووي «دي إن إيه» من سلالة لنوع من البكتيريا إلى سلالة أخرى، ونجحوا في رصد تغيرات جينية في اجيال السلالة التي زرع فيها الحمض النووي. وكان ذلك البحث أول برهان على أن الحمض النووي هو حامل للمعلومات الجينية.
وعلى نفس الشاكلة نفذ باحثون في جامعة هارفارد بداية هذا الشهر عملية لزرع «كل الجينوم» من خلايا فأر في بويضات مخصبة من إناث الفأر، الأمر الذي أدى إلى إعادة برمجة سلوك البويضات كلية.
إلا أن البحث الجديد لكريغ فنتر هو الأول الذي شمل نقل كل المادة الجينية من أحد الأنواع الحية إلى نوع حي آخر كان «عاريا»، بمعنى انه كان عاريا من الغلاف البروتيني المعقد الذي يحيط عادة بالحمض النووي «دي إن إيه»، والذي يعيق عملية الزرع.
وإضافة إلى ذلك فان حجم الجينوم المزروع، وهو مليون من الرموز الجينية، هو كبير الحجم، الأمر الذي يثير الأمل في إمكانات نقل البرامج الجينية المعقدة.
وفي ما يخص الكروموسومات الصناعية التي أنتجها العلماء حتى الآن، فإنها لا تزيد عن نصف مليون رمز. وأغلب الأعمال الجارية تنفذ على عمليات تصنيع جين واحد لإدخاله في خلية الجسم نفسه.
وقال فنتر إن أول عملية زرع لكروموسوم صناعي داخل الخلية يمكن أن تنفذ في غضون أشهر. وقد حصل فريقه على مصادقة مجالس الأخلاقيات. وقال إن الأحياء التي يتعامل معها لا تسبب أي أمراض، وبالإمكان تعديلها كي لا تحيا خارج الظروف المختبرية.
وشملت عملية زرع «دي إن إيه» عملية لغسل كيميائي للتنظيف الرقيق للـ«دي إن إيه» المتبرع به، وعملية غسل آخر لمسامات الأغشية الخارجية في جسم النوع الحاصل على «دي إن إيه» المزروع، لتسهيل دخول الحمض النووي إليه.
وفي العادة تخفق هذه العملية، إلا أنها تنجح في واحدة من 150 ألف محاولة، حيث يتغلغل الحمض النووي الجديد ويبدأ عمله، ويختفي الحمض النووي القديم. ولا يزال سبب هذا غير واضح لدى العلماء.
ووصفت بربارا جانسي المحررة الأقدم في مجلة «ساينس» البحث بأنه «علامة بارزة في الهندسة البيولوجية».
إلا أن كيفن إيغان الباحث في معهد الخلايا الجذعية في هارفارد قال: إن الخلايا البسيطة جدا التي اختارها فنتر للدراسة التي تسمى «مايكوبلازماس» mycoplasmas لا تعتبر من أنواع الخلايا التي يعتقد علماء البيولوجيا بأنها مفيدة في مجال البيولوجيا الصناعية.
وأضاف أنه ورغم أن فريق فنتور قد حقق بعض النجاح «إلا أن باحثيه لا يفهمون حقيقة، الكيفية التي جرى بها». ويتفق فنتور مع هذا الرأي.
وقال جورج تشيرتش البروفسور في علم الجينات بجامعة هارفارد ومؤسس «كودون ديفايسيز» وهي شركة منافسة في البيولوجيا الصناعية في ماساتشوسيتس، أن النتيجة مذهلة خصوصا من حيث الحجم الكبير للمادة المزروعة. إلا أن الكثير ينبغي تعلمه حول عدم قدرة المادة المزروعة على العمل وحول انغلاق الجسم الحي المتعرض لزرع هذه المادة على نفسه ومنعه لها. وأضاف «أن هناك الكثير من الفراغات».