لقاح جديد للوقاية من مضاعفات الدرن الرئوي
11:11 ص - الأربعاء 26 يونيو 2013
تمثل الإصابة بمرض الدرن الرئوي واحدة من أكبر المشكلات الصحية الموجودة في العالم كله. وتعتمد الإصابة به على المناعة التي يتمتع بها الشخص المصاب وأيضا قوة السلالة التي تصيبه وفترة تعرضه للمرض.
وتتم الإصابة عبر الاستنشاق عن طريق الهواء ومن أحد المصابين وتلعب العوامل البيئية دورا كبيرا في زيادة الإصابات بمعنى أن التهوية السيئة تزيد من تركيز الميكروب وبالتالي تزيد العدوى لذلك فإن الأماكن المزدحمة وسيئة التهوية تزيد من فرص العدوى، خصوصا من المرضى الذين لا يتناولون علاجا.
ومن المعروف أن مرض الدرن الرئوي TB يصيب الجهاز التنفسي بشكل أساسي بأضرار بالغة، ولكنه يتسبب أيضا في الكثير من المشكلات الصحية في جميع أجهزة الجسم، مسببا مضاعفات خطيرة خاصة في الأطفال الذين لا يتمتعون بمناعة قوية.
التهاب سحائي
ويعتبر الالتهاب السحائي الناتج عن الدرن TB Meningitis هو واحد من هذه المضاعفات وأخطرها ويمكن أن يؤدى إلى الوفاة.
وفي بارقة أمل وفي دراسة حديثه تمكن فريق من الباحثين بمستشفى جونز هوبكنز الأميركية للأطفال من التوصل إلى لقاح واق من حدوث الالتهاب السحائي على حيوانات التجارب وهو الأمر الذي يمكن أن يمهد إلى إمكانية تعميم استخدام اللقاح للأطفال وقد تم نشر هذه الدراسة في النسخة الإلكترونية من مجله «بلوس وان (journal PLOS ONE )» العلمية.
وتأتي أهمية هذه الدراسة من حيث أهمية منع الإصابة بالالتهاب السحائي نتيجة للدرن لأنه في الأغلب يؤدي إلى تلف كبير في أنسجة المخ، يمكن أن تؤدي إلى الوفاة حتى في حالة التشخيص المبكر والعلاج المناسب، وذلك لأن معظم الأدوية المضادة لمرض السل (خاصة السلالات التي تكتسب مقاومة ضد العلاج) لا يمكنها عبور حاجز موجود في المخ يعمل على حمايته من دخول الميكروبات blood brain barrier (مجموعة من الخلايا الموجودة في الأوعية الدموية المحيطة بالمخ تمنع دخول أي مادة غريبة على المخ سواء كانت ميكروبا أو دواء) وبالتالي لا يقوم الدواء بالتأثير المرجو منه لأنه لا يستطيع الوصول إلى المخ.
وتعتبر هذا الدراسة بالغه الأهمية وأيضا حينما نعرف أن هناك ما يقرب من 9 ملايين مصاب بالمرض في العالم حسب تقارير منظمه الصحة العالمية، ويتزايد هذا العدد باستمرار وتزيد مقاومته للمضادات الحيوية خاصة وأن التطعيم التقليدي الواقي من مرض الدرن الذي يستخدم حاليا BCG vaccine لا يمنع الإصابة بالالتهاب السحائي بالشكل الكافي.
وهذا التطعيم الجديد الذي تمت تجربته على نوع معين من الحيوانات يسمى «خنازير غينيا» guinea pigs أقرب ما تكون في الشبه إلى الفئران (يتم استخدام هذه الحيوانات في الكثير من التجارب العلمية نظرا لتكوينها المتشابه مع الإنسان). والتطعيم الذي تمت تجربته يقوم بعمله من خلال التصدي لسلالة عنيفة وقاتلة من ميكروب الدرن.
وهذه السلالة تميزت بوجود بروتين من نوع معين PknD يقوم بمساعدة الميكروب على التسلل من خلال الحاجز المخي. ويزيد وجود هذا البروتين من حدة ميكروب الدرن ويلتصق ويدمر الخلايا التي تعمل بمثابة الحاجز المخي وتمنع من الإصابة بالسموم القاتلة.
وفي حالة ثبات فعالية اللقاح على الإنسان يمكن أن يستخدم كتطعيم إضافي بجانب اللقاح المستخدم الآن ويزيد من كفاءته في حماية المخ خاصة وأن اللقاح المستخدم للوقاية من مرض الدرن الآن BCG vaccine يحتوي على الميكروب بصورته الحية بعد أن يتم إضعافه بطرق معينة وهو ما يعني بالضرورة عدم صلاحيته للمرضى الذين لا يتمتعون بالمناعة الكافية أمثال مرضى الايدز خاصة، وأن نحو ثلث مرضى الإيدز والبالغ عددهم 34 مليونا مصابين بالفعل بمرض السل حسب تقارير منظمة الصحة العالمية WHO.
لقاح فعال
وقد قام الباحثون بتجربة اللقاح الجديد بحقنه في الفئران بعد أن تم تقسميهم إلى ثلاث مجموعات. الأولى تناولت التطعيم الحالي، والثانية التطعيم الحديث، والثالثة تم حقنها بمادة وهمية لا تعطي أي تأثير دوائي، وتم تعريضهم بعد ذلك لميكروب الدرن عن طريق الهواء، وكانت أيضا هناك فئران لم تتناول أي لقاحات.
وكانت النتيجة أن الفئران التي تناولت اللقاح سواء الحالي أو الجديد أظهرت عددا أقل من خلايا الدرن في المخ من الفئران التي تناولت التطعيم الوهمي وكان كلا التطعيمين على نفس الدرجة من الكفاءة في منع تطور الإصابة في الوصول إلى المخ والنخاع الشوكي، بل وكان التطعيم الحالي أكثر كفاءة في منع الإصابة في الرئة.
وأظهرت الفئران التي تم حقنها بالتطعيم الجديد خلايا درنية أكثر في الرئة بشكل يكاد يقترب من الفئران التي لم تتناول أي تطعيم على الإطلاق ولكن كان عدد الخلايا الدرنية بالمخ كان أقل كثيرا. وتعتبر هذه النقطة بالغة الأهمية، حيث تشير بوضوح إلى أنه حتى في حاله الإصابة الكاملة بالدرن في الرئة في المرضى ذوي المناعة المنخفضة قام التطعيم بحمايتهم من وصول الخلايا الدرنية إلى المخ والنخاع الشوكي.
وأرجع الباحثون هذا الأمر إلى أن التطعيم الجديد يحد من قدرات ميكروب الدرن في الوصول إلى المخ حتى في أعنف صوره. كما ظهر أيضا أن الحيوانات التي تناولت التطعيم الجديد كان لديها مواد كيميائية تشبه المضادات الحيوية الواقية من السل وكذلك زادت نسبة الإنترفيرون في أجسادهم (الإنترفيرون ماده مناعية يقوم الجسم باستخدامها في مواجه الفيروسات أو البكتيريا).
وقد قام الباحثون بإجراء اختبار آخر لمعرفه إمكانية استخدام هذا اللقاح في الإنسان وقاموا بإضافة ميكروب السل إلى دم مأخوذ من حيوانات التجارب التي تم تطعيمها بالتطعيم الحالي والجديد والتي لم يتم تطعيمها، ثم قاموا بخلط الميكروب بخلايا إنسانية مأخوذة من الخلايا التي تبطن الأوعية الدموية الصغيرة، التي تحمي المخ من الميكروبات الدخيلة.
وأظهرت البكتيريا التي تم إضافة الدم الذي يحتوي على اللقاح الجديد إليها، أقل قدرة على إيذاء خلايا الجسم، وأيضا كان الميكروب في درجه من الضعف أكثر من الميكروب الذي تمت إضافة الدم المحتوى على التطعيم الحالي أو الذي لا يحتوي على أي تطعيم وهو ما يعد أملا في إنتاج اللقاح الجديد وطرحه في الأسواق بالنسبة للإنسان.