تأنيث الموضة الرجالية .. أهم توجهات الموضة لربيع وصيف 2014
11:23 ص - الثلاثاء 25 يونيو 2013
إن كان هناك شيء أجمع عليه أغلب المصممين في لندن هذا الأسبوع، فهو إيجاد لغة مشتركة تخاطب الرجل الشاب الذي لا يتعدى الثلاثين - إن لم نقل العشرين من العمر. لغة اختاروا أن تكون ناعمة في خطوطها وألوانها، وشفافة في بعض أقمشتها، من الحرير إلى الدانتيل وهلم جرا، فكل شيء هناك جائز لاستقطاب هذه الشريحة حتى وإن وصل الأمر إلى عملية تأنيث على شكل تنورات وقمصان بياقات تعقد على شكل فيونكات وسترات مفصلة من دون أكمام وشورتات قصيرة.
ولأن كل هؤلاء المصممين لا يمكنهم أن يتجرأوا ويتخذوا هذه الخطوة من دون قراءة للسوق، فإن المؤشرات تقول إن الشباب الذين يتوجهون إليهم هم أكثر من يقبل على صرعات الموضة، ويرغب في دخول غمار والغوص في ألوانها وتقليعاتها، بينما يبقى الرجل الناضج وفيا لماركة معينة، إن لم يكن من محبي التفصيل على المقاس.
بيد أن هذا لا يعني أنهم أخرجوا كل من تعدى الثلاثين من حسابهم، بل العكس، فإن الكثير من القطع المعروضة على المنصات، التي تبدو صادمة للوهلة الأولى، تكتشف أنها أقرب إلى الكلاسيكية بعد تفكيكها واستعمالها على حدة مع قطع أخرى تعودها الرجل.
أكبر مثال على هذا، السترات التي أطلت علينا في عرض «ألكسندر ماكوين»، فهي تناسب أيا كان، بغض النظر عن العمر والأسلوب، فيما لو تم الاستغناء عن البنطلون القصير الذي صاحبها في العرض وجعلها تبدو حداثية مفعمة بفورة الشباب. مصممو سافيل رو، الذين دخلوا عالم الموضة منذ ثلاثة مواسم مثل «جيفز آند هوكس» و«هاردي إيميز» بالإضافة إلى «هاكيت»، بدورهم راعوا أن زبونهم الوفي يريد قطعا مضمونة وفي الوقت ذاته يريد أن يدخل لعبة الألوان والقصات العصرية بالتدريج وبشكل لا يبدو صادما، وهذا ما قدموه له.
ولحسن حظ هذا الرجل، أن الأسبوع في اليومين الأخيرين كان طبقا متنوعا لا بد أن يجد فيه ما يروق لذوقه، سواء كان بدلة من ثلاث قطع أو قمصانا من الحرير أو كنزات من الصوف الخفيف.
«بربيري»
اليوم الأخير، كان من نصيب دار «بربيري» التي يمكن القول إن عودتها كانت «قدم السعد» على أسبوع لندن. فهو يستمد الكثير من قوته منها حاليا. فرغم مشاركات بيوت عالمية لها قوة جذب لا ينكرها أحد، مثل «توم فورد»، والثنائي الإيطالي «دولتشي آند جابانا» الذي افتتح محلا جديدا في «نيو بوند ستريت» في حفل كبير، كذلك جيمي شو، الذي استغل وجود وسائل الإعلام لعرض تشكيلته لربيع وصيف 2014 - فإن لـ «بربيري» مكانة خاصة جدا.
فهي بريطانية من جهة، وتشارك لأول مرة في أسبوع لندن بعد عشر سنوات من العروض الرجالية في ميلانو، وهذا وحده كاف لإحداث ضجة إيجابية. النقلة، بالنسبة للدار، كانت طبيعية، وكانت ستحصل إن عاجلا أو آجلا، بحكم أنها تجسد مفهوم «ولد في بريطانيا» منذ نحو 157 عاما، وهذا يعني أن إرثها مترسخ فيها.
مصمم الدار، كريستوفر بايلي، ترجم هذا الإرث يوم الثلاثاء الماضي بتشكيلة منعشة بألوانها وقصاتها، إلى حد أنها كسرت حدة اللون الرمادي الذي كان يسود لندن ويهدد بتهاطل المطر في أي لحظة. كلما أطل عارض بمعطف قصير بلون الأكوامارين مع قميص أبيض ورابطة عنق بالبرتقالي، أو كنزة بلون المستردة ورابطة عنق بالأخضر الهادئ، أو قميص أزرق مع رابطة عنق حمراء تظهر من تحت كنزة خضراء، يشعر الحضور بأن الشمس سطعت فعلا.
وتوالت اقتراحات كريستوفر بايلي لربيع وصيف 2014، لاعبا تارة على رموز قديمة بأسلوب عصري، وتارة على ألوان فاتحة ومفرحة، لكنها لا تنسى أبدا أن بريطانيا لا تستكين للطقس وتقلباته. فقد كانت هناك قطع لكل الفصول تقريبا، من قمصان إلى سترات مرورا بالمعاطف والأوشحة والقبعات والنظارات الشمسية.
من ناحية التصميم، جاءت البنطلونات مفصلة ورشيقة للغاية بطول يجلس فوق الكاحل وكأنها ترغب في منحه فرصة للتنفس وظهور الحذاء. المشكلة الوحيدة فيها أنها قصات لا تناسب الكثير من ذوي المقاسات الكبيرة على العكس من السترات بأكتافها الواسعة التي تنزل عن خط الكتف بنحو عشرة سنتمترات تقريبا، وتبدو منطلقة ومريحة.
مصمم الدار الفني قال إنه استوحاها أيضا من الفنان ديفيد هوكني، لكن ليس من رسوماته كما يتبادر للذهن لأول مرة، بل منه ومن أسلوبه حسبما اعترف قائلا: «أحب الطريقة التي يوظف فيها هوكني أزياءه وينسق ألوانه إلى حد يجعلك لا تعرف فيما إذا كان الأمر لا مباليا أم منسقا بدقة»، وهذا ما تشعر به أيضا بعد العرض، فقد كانت كل إطلالة كأنها لوحة فنية.
«توبمان»
من الماركات المتوافرة في كل شوارع الموضة البريطانية من «أكسفورد ستريت» إلى المجمعات التجارية الكبيرة، لكنها تفخر بخط خاص تعرضه خلال أسبوع الموضة، يحمل اسم «توبمان ديزاين».
خط أكثر تميزا وأعلى سعرا، اقترحت من خلاله الأحد الماضي، مجموعة من الأزياء والإكسسوارات مستوحاة من رعاة البقر، غلبت عليها قمصان من الساتان مطبوعة بالورود مع أحذية «بروغ» مزينة بقطع فضية تلمع.
المصمم الفني لـ «توبمان» غوردن ريتشاردسون، قال إنه أراد منها منح الرجل شعورا بالأناقة والتحرر، لهذا تجنب البناطيل القصيرة «الشورتات» تماما، رغم أن الأسبوع موجه للربيع والصيف، والكل أسهب في هذه القطعة التي ستكون مهمة، على ما يبدو. ريتشاردسون فضل عليها بنطلونات واسعة وجاكيتات من دون أكمام في المقابل، على أساس أن الماركة تراعي الجانب التجاري والواقعي ولا تميل إلى الصرعات المجنونة.
لكن رغم تطمينات ريتشاردسون، فإن التشكيلة لن تكون على هوى كل الرجال، خصوصا ممن لا يميلون بالضرورة إلى قمصان مصنوعة من الساتان ومطبوعة بالورود والتطريزات أو البنطلونات الواسعة جدا.
وجدير بالذكر أن «توبمان» ترعى فعالية «مان» التي تدعم من خلالها ثلاثة مواهب هذا الموسم هم، بوبي آبلي وآلن تايلور، وكريغ غرين، وكلهم تباينت تصاميمهم بين الابتكار المبالغ فيه، وبعض العملية، خصوصا فيما يتعلق بآلن تايلور الذي ركز على التويد باللون الرمادي، بينما تميزت تصاميمه الهندسية بأسلوب حداثي.
ويصر المصمم على أنه رغم أن الإطلالة تبدو للوهلة الأولى جريئة، فإنه يمكن أخذ كل قطعة على حدة وتنسيقها بشكل مختلف لتعطي نتيجة أكثر واقعية وعملية. وأضاف: «أنا لا أريد أن أكون مصمما يحاول فقط جذب الأنظار بأي وسيلة، بل أحاول أن يكون لي أسلوبي الخاص وأن يكون سهل التسويق».
«سيبلينج»
يشرف عليها ثلاث مصممين، جو بايتس، كوزيت ماكريري وسيد براين، اقترحت هي الأخرى موضة تبدو وكأنها تقليعات آنية لشريحة من صغار السن، والحقيقة أنها يمكن أن تكون مناسبة للجنسين. غلبت عليها خطوط الغرافيك والأقمشة البراقة والدينم، بينما حافظت التصاميم على روح «سبور» تجسدت في كنزات فضفاضة و«شورتات» بأشرطة مصنوعة من البلاستيك وأحذية «سنيكرز» الرياضية.
«مارجريت هاول»
لحسن حظ الكلاسيكيين، فإن المصممة المخضرمة مارغريت هاول لا تحاول إثبات نفسها بالبحث عن آفاق جديدة لم يكتشفها أحد بعد، بل تفضل التصاميم الهادئة والبسيطة التي تخاطب كل الأذواق، ولا ترى مانعا في تكرار هذه الوصفة موسما بعد موسم، لا سيما أن هذه الاستراتيجية أكدت نجاحها لسنوات. كانت من بين الذين افتتحوا الأسبوع يوم الأحد، وأرسلت العارضين في بدلات من الكتان الرمادي الخفيف وكنزات صوفية بألوان الكريم، مع زخات قليلة من الألوان المتوهجة في معاطف ممطرة قصيرة.
الإحساس الذي يغمرك في العرض أنها تريد تجسيد صورة لشاب مفكر أكثر منه شاب يريد الانطلاق لأجواء الصيف ويغوص في نشاطاته الجسدية، رغم أن عرضها لم يخل من «شورتات» نسقتها قمصان بأكمام ورابطات عنق.
«سبانسر هارت»
قدم المصمم نيك هارت مزيجا رائعا من التفصيل الذي تأسست عليه الدار ويميز الأسلوب الإنجليزي، ونكهة لندن التي تنصهر فيها ثقافات متعددة. كانت هناك، مثلا، الكثير من القطع المستوحاة من القفاطين والجلابيات، أحيانا تصل إلى الكاحل وأحيانا أخرى إلى الركبة، لكن دائما فوقها سترات من الكتان مفصلة بشكل لا يبدو نشازا حتى في خزانة الأمير تشارلز نفسه.
الأهم من هذا أن المصمم نجح في جعل البدلة المفصلة منتشعة بروح الصيف من حيث أقمشتها وألوانها، محافظا على إطلالة خفيفة وعصرية. بعد العرض، صرح نيك هارت بأنه أراد أن يقدم تشكيلة صادقة تعبر عنه وعن أسلوبه الخاص: «فأنا دائما كنت أتمنى أن أمزج القفطان بسترات المساء والسهرة، لأنه مظهر أحبه ومحفور في ذاكرتي نظرا لعدد المرات التي شدني فيها رجال في غاية الأناقة يلبسون سترات قديمة تظهر من تحتها قطع طويلة بعض الشيء، قد تكون قمصانا أو قفاطين».
«جيفز آند هوكس»
من بيوت الأزياء الرجالية المعروفة في «سافيل رو» لعقود طويلة، لهذا ما إن أعلنت دخولها مجال الموضة وعروض الأزياء، حتى استقبل الجميع الخبر بحفاوة، لأن النتيجة دائما تكون مزيجا بين الكلاسيكي والعصري، وهذا ما يمكن ملاحظته في تشكيلتها لربيع وصيف 2014. كان عنوانها «التشكيلة الملكية» معبرا عن احتفائها بجيل جديد من الشباب الأنيق منهم كأنها الأميران البريطانيان ويليام وهاري اللذان يبديان اهتماما كبيرا بالدار مؤخرا.
ما قام به مصممها الفني الأميركي الأصل، جاستون باصماجيان، أنه أعاد إلينا بدلة السافاري بأسلوب جديد، مستغلا خبرته الطويلة في دار «بريوني» الإيطالية. لم تكن النتيجة ثورة ضد الكلاسيكية الإنجليزية بقدر ما كانت زواجا رائعا بين الأسلوب الإيطالي وتقاليد التفصيل المعروفة في «سافيل رو»، وهذا وحده يكفي لأن يجعل الإطلالة أنيقة بكل المقاييس، بدءا من السترات ذات الثنيات عند الأكتاف، أو الكنزات المصنوعة من صوف مورينو والأحذية المستوحاة من الشبشب والمصنوعة من الشامواه والأوشحة القطنية.
«ريتشارد نيكول»
لا يمكن أن يضاهيه أحد عندما يتعلق الأمر بالتصاميم «السبور»، فهو ينطلق من نفسه ويتعامل مع التصميم بشكل شخصي جدا، بمعنى أن كل ما يروق له ويخاطب أسلوب حياته يترجمه في تصاميمه، وكأنه يريد أن يجربها على نفسه ليرى مدى عمليتها قبل أن يقترحها للآخر.
في عرضه لربيع وصيف 2014، أكد هذه الحقيقة من خلال أزياء مريحة في تفاصيلها وتفصيلها، تميزت فيها البنطلونات بسخاء يتيح الحركة فيها، والسترات المحددة على الجسم مصحوبة بقلنسوات، بينما جاءت فيها «الشورتات» مصنوعة من الجلد الناعم، والنقوشات التي طبعت بعض الأقمشة، ثمرة تعاونه مع الفنانة البريطانية ليندر.
«جوناثان سوندرز»
مثل ريتشارد نيكول، يعتبر جوناثان سوندرز جديدا في عالم الموضة الرجالية، إذ لم يدخلها سوى منذ مواسم تعد على أصابع اليد الواحدة، وهو ما لا ينكره، إذ اعترف بأن «هذا الجانب جديد علي بالمقارنة مع الأزياء النسائية، لهذا فكرت في رجل الأعمال، وما يطلبه من أزياء وإكسسوارات كلاسيكية، مثل الحقيبة والـ(بلايزر) وما شابه».
بيد أنه رغم رغبته في أن يلعب على المضمون، على الأقل من ناحية التفصيل، فإنه حقن الكثير من القطع بجرعة من الألوان الصارخة التي أضفت على العرض حداثة لا تخطئها العين، في محاولة منه لخلق تناقضات في درجات الألوان وأنواع الأقمشة.
فالأخضر الكاكي، الذي يمكن اعتباره كلاسيكيا بالمقارنة مع البرتقالي والأصفر وغيرهما، أخذ منحى آخرا عندما اقترحه في سترات طويلة أضاف إليها نقطا بيضاء ضخمة في بعض الزوايا، أو بطنها من الداخل بقماش مغطى بالورود.
«هاردي أيميز» و«هاكيت»
الأولى أقامت عرضها في ناطحة سحاب نورمان فوستر بالمركز المالي، وسط لندن، في دلالة واضحة على أنها تخاطب شريحة رجال الأعمال تحديدا. وبالفعل، كانت مجموعة أنيقة تلبي كل احتياجاتهم بما في ذلك توكسيدو بالأزرق النيلي. «هاكيت» أيضا لعبت على فكرة تلبية متطلبات الرجل أيا كان وأينما كان، وقدمت طبقا مشكلا من البدلات والقطع المفصلة.
ومما يذكر أنها في العام الماضي، استبقت الأمور وقدمت تشكيلة استوحتها من «ذي غريت غاتسبي»، تميزت ببدلات بيضاء وأخرى مقلمة وصديرات بالوردي ومناديل جيب وما شابه، ولصيف 2014، قدمت كل هذا بالإضافة إلى كنزات صوفية خفيفة ومعاطف وبدلات استعاضت فيها عن البنطلون الطويل بشورتات مفصلة. في البداية، أرسل جيريمي هاكيت مجموعة بألوان الأزرق النيلي والبني، سرعان ما تحولت إلى الوردي والسكري والليموني والأخضر الهادئ، كان واضحا أن تأثير «ذي غرايت غاتسبي» لم يختف تماما، وكأن الفرق الوحيد هنا أنه لا يعيش في نيويورك، بل في الريفييرا الفرنسية.
«ألكسندر ماكوين»
لم يكن الوصول إلى المكان سهلا، رغم أنه وسط لندن ولا يبعد سوى بضع دقائق عن محطة «كينغ كروس»، لكنه كان مهجورا لسنوات، مما جعل خريطته غير واضحة، ومع ذلك كان اختياره معبرا وأجمل خلفية للعرض، فقد منحه جوا رومانسيا من جهة ومثيرا للرهبة من جهة ثانية.
لحسن الحظ أن رهبة المكان والدخان، الذي كان الغرض منه خلق أجواء لندن القديمة وشوارعها المريبة، لم تنعكس على الأزياء الرجالية التي حفرت لها مكانة محترمة في «سافيل رو».
ولا يختلف اثنان على أن المصممة سارة بيرتون، نجحت مرة أخرى في إبراز تقاليد الدار وقدراتها على التفصيل من خلال معاطف تصل إلى الركبة محددة عند الخصر، بعضها من الدانتيل، وبدلات مطبوعة بالورود تتميز بالجرأة والقوة في الوقت ذاته، بالإضافة إلى كنزات مطرزة هي الأخرى تحسبا لتقلبات الجو.
الجمجمة التي ظهرت في الكثير من إكسسوارات وأزياء الدار في المواسم الماضية وحققت لها نجاحا تجاريا كبيرا، ظهرت هنا أيضا في بعض الكنزات والقمصان، بل وحتى في ظهر بعض البدلات.
تخرج وأنت تشعر بأن التاريخ يعيد نفسه، فالـ«شورتات» والبنطلونات القصيرة جدا، ليست جديدة بل كانت موضة عهد مضى إلى أن جاء بو برامل، وابتكر مفهوم الأسلوب «الداندي» الذي ظهر فيه البنطلون الطويل لأول مرة. لكن، ما إذا كان الرجل يريد أن يعود إلى الوراء، فهذا هو السؤال الذي ستجيب عنه الأيام وأرقام المبيعات في الصيف المقبل.