الدليل الناجح لعلاج "الخوف الاجتماعي" والخوف من المناسبات الاجتماعية

يعتبر الخوف الاجتماعي حالة طبية مرضية مزعجة جدا تحدث في ما يقارب واحد من كل عشرة أشخاص، وتؤدي إلى خوف شديد قد يشل الفرد أحيانا، ويتركز الخوف في الشعور بمراقبة الناس.
ويعد الخوف أو ما يعرف علميا بالرهاب الاجتماعي اضطراباً نفسياً واسع الانتشار، ويظهر عند الإناث ضعف نسبته عند الذكور، ويظهر هذا الاضطراب بالقلق والخوف المرضي من مواقف اجتماعية يواجه فيها الفرد أناساً معروفين لديه، أو يكون محط أنظار وتركيز الآخرين، ويشعر بأنه ضمن دائرة ضوء، وكأن الكل ينظر إليه.
وهذا الخوف أكبر بكثير من الشعور العادي بالخجل أو التوتر الذي يحدث عادة في التجمعات، بل إن الذين يعانون من الرهاب (الخوف) الاجتماعي قد يضطرون لتكييف جميع حياتهم ليتجنبوا أي مناسبة اجتماعية تضعهم تحت المجهر.
إن علاقاتهم الشخصية ومسيرتهم التعليمية وحياتهم العملية معرضة جميعها للتأثر والتدهور الشديد، وكثير من المصابين يلجأون إلى الإدمان على الكحول أو المخدرات لمواجهة مخاوفهم.

بدايتها:

تبدأ عادة حالة الرهاب (الخوف) الاجتماعي أثناء فترة المراهقة وإذا لم تعالج فقد تستمر طوال الحياة وقد تجر إلى حالات أخرى كالاكتئاب والخوف من الأماكن العامة والواسعة.

الخوف من الخطأ أمام الآخرين: 

المصاب بالرهاب الاجتماعي يخاف من أن يخطئ أمام الآخرين فيتعرض للنقد أو السخرية أو الاستهزاء، وهذا الخوف الشديد يؤدي إلى استثارةٍ قوية للجهاز العصبي غير الإرادي حيث يتم إفراز هرمون يسمى "أدرينالين" بكميات كبيرة تفوق المعتاد مما يؤدي إلى ظهور الأعراض البدنية على الإنسان الخجول في المواقف العصبية.

الأعراض:

- خوف شديد مزمن من أن ينظر الآخرون إليهم وأن يطلقوا عليهم أحكاماً وتقييمات سلبية.
- الخوف من أن تسبب أعمالهم وتصرفاتهم إحراجاً لهم.
- يمكن لهذا الخوف أن يكون شديداً لدرجة أنه يتدخل في الأداء المهني أو الدراسي، أو الأنشطة الاعتيادية الأخرى للمصاب به.
- صعوبة التحدث مع الأشخاص الجدد والحرمان من التعرف عليهم.
- يؤدي هذا النوع من الخوف إلى صعوبة الإجادة في الكلام، بحيث لا يستطيع الفرد التعبير عن ملاحظاته وقيمه وسوف يلاقي الشخص المصاب به صعوبة في مادة القراءة، وهذا يؤدي غالباً إلى ضعفه في اللغة.
- يجعل الشخص سلبياً ومعرضاً عن المشاركة في المواقف والمناسبات الاجتماعية، ويمنعه من تطوير قدراته وتحسين مهاراته.
- يؤدي إلى ضياع حقوقه بدون أن يبدي رأيه ويؤدي به إلى مصاعب حياتية، وصراع نفسي داخلي، وإلى مضاعفات نفسية مثل الانطواء والاكتئاب.
- رغم أن كثيراً من المصابين بالرهاب الاجتماعي يشعرون بأن خوفهم المرافق لاجتماعهم بالآخرين هو خوف مبالغ فيه وغير منطقي، إلا أنهم لا يستطيعون التغلب على هذا الخوف، وغالباً ما يقلقون لأيام أو أسابيع قبل حدوث الموقف المحرج.

أنواع الرهاب الاجتماعي:

يمكن للرهاب الاجتماعي أن يكون محدوداً بنوع واحد من المواقف؛ مثل الخوف الشديد من الحديث أمام الآخرين، أو تناول الطعام أو الشراب، أو الكتابة أمام الآخرين. وفي الحالات الشديدة يكون الخوف متعمماً حيث يعاني المريض من أعراض الخوف والقلق في كل الأوقات التي يكون فيها مع الآخرين.

الآثار:

استثارة قوية للجهاز العصبي غير الإرادي، حيث يتم إفراز هرمون "الأدرينالين" بكميات كبيرة تفوق المعتاد، مما يؤدي إلى ظهور الأعراض البدنية على الإنسان الخجول في المواقف العصبية؛ كالتلعثم في الكلام وجفاف الريق، وتسارع نبضات القلب واضطراب التنفس، وارتجاف الأطراف وشد العضلات، وتشتت الأفكار وضعف التركيز، وهذا ما يصعب الأمر عليه ويزيد من احتمال فشله.

التصنيف:

يصنف الرهاب الاجتماعي ضمن أمراض أو اضطرابات القلق، التي هي عبارة عن زيادة في معدل القلق لحد أعلى من الطبيعي. والقلق نوع من المشاعر الطبيعية، فبسبب أفكار معينة عنوانها الخوف، وعدم التأكد مما حصل أو سيحصل يبدأ الجسم بالاستجابة لهذه الفكرة بإفراز مادة "الأدرينالين" وهي المادة المحفزة التي تجعل كل الجسم يتحفز للدفاع عن نفسه أو الهروب من مكان الخطر.

الأسباب:

تلعب ظروف النشأة دوراً في ظهور القلق عموما، والرهاب الاجتماعي خصوصا؛ فهناك أمور كثيرة تجعل الثقة بالنفس مهزوزة، ما يجعل الإنسان لا يجرؤ ولا يستطيع التعبير عن نفسه أمام الآخرين بسهولة، بسبب شكه في قدراته، أو بسبب قسوة من حوله فيهينونه فيقلق ويتوتر إذا اضطر للتحدث أمام الناس أو مقابلتهم، فمن يعيش ظروفا في طفولته بهذا الشكل، فإنه قد يصاب بالقلق أو الرهاب الاجتماعي تحديدا. والقلق يمكن أن يكون متوارثاً، والدليل على هذا أن القلق ينتشر في عائلات معينة، وأن المصاب بالرهاب الاجتماعي هناك احتمال أكبر أن أحد أقاربه مصاب بهذه الحالة.
قد ظهر أن للوراثة دوراً في تشكل الرهاب الاجتماعي، فقد وجدت إحدى الدراسات أن التوائم الحقيقية إذا كان هذا الاضطراب موجوداً لدى أحدهما غالباً ما يوجد لدى الآخر، ما يدل على وجود عوامل وراثية كيميائية تسهم في ظهور هذا الاضطراب وكذلك دلت دراسات على انتقاله من جيل إلى آخر ضمن العائلة.
والقلق الشديد في المواقف الاجتماعية، كما مرّ، اضطراب نفسي اجتماعي يعاني منه الكثير من أفراد المجتمعات الإنسانية، ومن أسبابه: الوراثة وفقدان المهارات الاجتماعية والنظرة السلبية للنفس والذات؛ فتفاعل كل منا مع المجتمع ينبني على مجموعة تجاربه التي تولد عنده نمط تفكير معينا، فمن يفشل مرة ويتأذى بسبب ذلك، قد يفشل المرة التالية ليس بسبب عدم قدرته لكن لأنه ترسخت عنده فكرة أنه سيفشل فيفشل وكذلك من تعود على أن يقوم الآخرون بتخويفه وإهانته عند طلبه شيئا ما، فإنه عندما يعيش في مكان آخر تصاحبه هذه الفكرة فيخشى طلب شيء بسبب الفكرة التي ترسخت عنده أنه سيهان أو يخوف عندما يطلب شيئاً، وهكذا الرهاب الاجتماعي قد يكون استجابة لفكرة خاطئة أن من حول الفرد مخيف، أو أنه لن يقدر عليه أو أنه سيفشل فيقلق زيادة ويتحقق ما يتوقعه بسبب ذلك. 

العلاج:

- مفتاح التغلب على الرهاب الاجتماعي هو تحدي الأفكار الخاطئة التي تسيطر على الذهن عند التعرض للمواقف الاجتماعية، فإذا تمكن الإنسان من تحدي تلك الأفكار والتغلب عليها فسوف تصبح الأمور أسهل.
- تعلم المهارات التي تمنع من الوقوع في الحرج في المواقف الطارئة.
- الاهتمام باللباس والمظهر يساعد على تعزيز الثقة بالنفس وبالقدرات.
- التدرج في مقابلة الآخرين والتحدث أمامهم بصوت مرتفع، ويمكن أن يبدأ بمجموعة صغيرة ممن يعرفهم ويشجعونه، فيحضر كلمة قصيرة تحضيراً جيداً ويتدرب على إلقائها مسبقاً ثم يلقيها عليهم ويكرر ذلك.
- يمكن الاستفادة من البرامج النفسية والسلوكية للتغلب على الخجل، وهي تجرى تحت إشراف مختص في هذا الأمر ولها نتائج باهرة.
- كما تلعب المظاهر المختلفة مثل التعزيز والاطمئنان والإدراك والدوافع دوراً مهما في نمو الذات. ويتعلم الفرد تلك المظاهر خلال التنشئة الاجتماعية، عن طريق العائلة والأصدقاء والمعلمين ورجال الدين.
- هناك جلسات علاج سلوكي ومعرفي تقوم على دعم الفرد وتعريضه لمواطن القلق مع مساندته حسب خطة مسبقة، وكذلك تقوم على مراقبة الأفكار السلبية ومحاولة تغييرها. وهذا المحور مهم جداً لتخفيف انتكاسات الحالة، لكن لا بد من أن يكون من يعالج بهذه الطريقة متدربا بشكل كاف، وهناك للأسف اختصاصيون نفسيون لا يعرفون كيف يقومون بهذه الجلسات العلاجية، ما يفقد الناس الثقة في هذا التخصص وفي العلاج النفسي عموماً.
- العلاج الاجتماعي مهم لتخفيف الضغوط على الفرد وتصحيح ممارسة كثير من الأفراد الذين يعانون منه. إن حالات القلق بطبيعتها حالات مزمنة تخف بشكل كبير نتيجة المعالجة، لكن قد تعود بسبب استقرار الضغوط النفسية، وهذا يتفاوت من فرد إلى آخر، لكن الانتكاس ليس معناه فشل العلاج، بل معناه أن شدة الرهاب عالية، وأن الفرد قد يحتاج لعلاج أقوى، أو علاج مستمر، أو علاج نفسي فعال ومركز وقد يحدث الانتكاس بسبب ارتباط الرهاب بأمراض أخرى فيرجع مع الاكتئاب مثلاً.

العلاج الدوائي:

- مضادات السيتينين الحديثة، فهي العلاج الأساسي للرهاب الاجتماعي.
- المهدئات من زمر بنزوديازيبام، ويمكن إعطاؤها قبل المواقف المزعجة بساعة.
- هناك أدوية هي علاج لا مهدئ، ولا تبدأ في إحداث أثر إلا بعد أسابيع، وهذه لابد من استعمالها تحت إشراف طبي سواء من طبيب نفسي أو طبيب العائلة.
- هناك أدوية مهدئة سريعة للقلق، ولكن استعمالها محدود ومؤقت، وتفيد وقت الأزمات للتغلب على القلق.
- هناك أدوية تخفض الأعراض العضوية للقلق، ولا تخفف القلق ذاته وهذه الأدوية تمنع الارتعاشة وجفاف الريق وزيادة النبضات، ما يعطي الفرد قدرة أكثر على مقاومة القلق نفسه لقلة الأعراض العضوية.