حساسية الطعام .. هل تتحكم بها الأعراق والوراثة؟

تعاني الكثير من الأسر من إصابة أحد أبنائها بالحساسية من نوع أو عدة أنواع معينة من الطعام مما يتسبب في مشكلات صحية بالنسبة للطفل ويسبب القلق للأبوين ويترتب عليه حرمان الطفل من هذه النوعية من المأكولات.
ونظرا لأهمية الموضوع لا تتوقف الأبحاث عن محاولة اكتشاف أسبابه وطرق تفاديه، وأظهرت أحدث دراسة تمت بمستشفى هنري فورد بالولايات المتحدة أن عامل الوراثة وكذلك الانتماء إلى عرق معين يلعبان دورا مهما في حساسية الطعام للأطفال.

حساسية الطعام

المعروف أن حساسية الطعام (Food Allergies) تحدث حينما يتم تعامل الجسم مع طعام معين على أنه جسم غريب (أي بوصفه شيئا ضارا مثل العدوى بميكروب معين)، وعلى ذلك يقوم الجسم بتحفيز الجهاز المناعي لمقاومة هذا الجسم الغريب، ويتسبب ذلك في حدوث تفاعل معين وهو الحساسية.
وقد وجدت الدراسة التي تم عرضها في المؤتمر السنوي للأكاديمية الأميركية لأمراض الحساسية أن الأطفال الذين ينحدرون من أصول أفريقية أكثر حساسية لأنواع معينة من الطعام 3 مرات أكثر من أقرانهم من الذين ينحدرون من أصول بيضاء. وكان الأطفال المنتمون إلى أصول سمراء وعند وجود أحد الأبوين مصابا بحساسية الطعام أكثر مرتين من أقرانهم ذوي البشرة السمراء من الذين لا يوجد لدى آبائهم حساسية طعام.
وأرجعت الدراسة هذا إلى احتمالية وجود جين وراثي في الأطفال ذوي البشرى السمراء (African Americans) يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بحساسية الطعام، وبشكل عام فإن الأكاديمية أشارت إلى أن نحو 8% من الأطفال لديهم حساسية لنوع معين من الطعام، وتقريبا يعاني نحو 10 ملايين طفل في الولايات المتحدة من حساسية الطعام.

أعراض الحساسية 

تتبعت الدراسة التي بدأت في المستشفى 543 طفلا في عمر عامين أثناء عرضهم على العيادة الخارجية، وتم عمل اختبار حساسية عن طريق الجلد لثلاثة أنواع مختلفة من مسببات الحساسية من الطعام (food allergens)، وهي بياض البيض والفول السوداني والألبان، وأيضا سبعة من مسببات الحساسية البيئية، وتم سؤال الآباء عما إذا ما كانوا يعانون من الحساسية من عدمه، وكذلك تم سؤالهم عن العرق الذي ينتمون إليه وتبين الآتي:
- نحو 20.1% من الأطفال ذوي البشرة السمراء لديهم حساسية لنوع معين من الطعام مقابل 6.4% من الأطفال البيض.
- كانت نسبة الحساسية من المسببات البيئية في الأطفال السمر نحو 13.9% مقابل 11% من الأطفال البيض.
- الأطفال السمر الذين يوجد لديهم أحد الآباء مصابا بحساسية تكون فرصتهم في حدوث الحساسية 2.45% أكثر من أقرانهم من الأطفال السمر الآخرين.
والمعروف أن البروتين الموجود في الكثير من الأغذية يمكن أن يسبب الحساسية. ولكن هناك بعض الأغذية التي ترتبط بالحساسية، ومن أشهر هذه الأغذية اللبن والبيض والسمك والفول السوداني وفول الصويا والقمح، حيث ينتج عن تفاعل الجسم مع الطعام عدة أعراض تؤثر على الكثير من أجهزة الجسم مثل الجلد (أكثر عضو تظهر عليه أعراض الحساسية) الذي يحدث به طفح وردي اللون في الوجه والبطن وأحيانا على الأطراف، وفي الأغلب يكون مصحوبا بحكة ويحدث تورم واحمرار للشفتين وبعض الأحيان على الجهاز الهضمي مثل آلام في البطن وقيء وغثيان وبعض أعراض الجهاز التنفسي مثل العطس أو السعال.
وفي بعض الأحيان النادرة يمكن أن تتسبب الحساسية في أعراض شديدة الخطورة (Anaphylaxis)، ولكن في الأغلب يتخلص الأطفال من الحساسية كلما تقدموا في العمر، وعلى سبيل المثال يتخلص 85% من الأطفال من حساسية اللبن والبيض في عمر 5 سنوات، وإن كان هناك بعض الأطفال يعانون من الأعراض حتى بلوغهم سن البلوغ.

تشخيص حساسية الطعام 

يعتمد تشخيص حساسية الطعام بشكل أساسي على التاريخ المرضي للطفل من خلال سؤال الأم عن ظهور أعراض الحساسية على الجسم بعد تناول طعام معين وإذا كانت هذه الأعراض حدثت مرة واحدة أو تحدث في كل مرة يتناول فيها الطفل هذا الطعام، وكذلك طريقة إعداد الطعام وإذا كانت تمت إضافة مواد أخرى إليها مثل التوابل، وأيضا يتم السؤال عن الفترة الزمنية بين تناول الطعام وبداية ظهور الأعراض، وكذلك يتم سؤال الأم عما إذا كان هناك تاريخ عائلي لحساسية الطعام من عدمه للأب أو بين الإخوة.
ويتم السؤال أيضا حول ما إذا كان الطفل تناول أدوية معينة يمكن أن تتسبب في حدوث حساسية، وأيضا عما إذا كانت هناك عوامل تزيد من الحساسية أو مرتبطة بها مثل ممارسة الرياضة أو غيرها.
وكذلك عن وجود أعراض أخرى، خصوصا أن أعراض حساسية الطعام تتشابه مع الكثير من الظروف المرضية الأخرى مثل حساسية الجلد أو الارتكاريا أو التهاب المعدة سواء الحاد أو المزمن أو النزلة المعوية سواء البكتيرية أو الفيروسية أو لدغة بعض الحشرات أو التهابات الجهاز الهضمي (Inflammatory bowel disease).
يتم عمل اختبارات مختبرية لقياس نسبة الأجسام المضادة (Ig E) التي ترتبط بالتفاعل المناعي في الجسم نتيجة لتعرضه للجسم الغريب (allergen)، وكذلك يتم عمل تحليل لرصد نوع معين من كريات الدم البيضاء (Eosinophils)، وهي مسؤولة أيضا عن التفاعل المناعي.
يتم أيضا إجراء اختبار حساسية عن طريق الجلد (Skin Testing)، ويتم بوضع عينات صغيرة من الطعام الذي يشتبه في أن يكون المسبب للحساسية على الجلد ويتم وخزه ثم يتم الانتظار بعدها فترة نحو 20 دقيقة.
وفي حالة وجود حساسية للجلد يحدث احمرار على شكل دائرة، ويمكن إجراؤه حتى في الأطفال في عمر شهور قليلة، ولكن في الأغلب لا يعطي هذا الإجراء نتائج مؤكدة، كما أن نتيجته يمكن أن تتأثر في حالة تناول عقار معين مثل مضادات الهيستامين.
في بعض الأحيان يتم إجراء اختبار لمعرفة مدى تفاعل الجسم مع الطعام أو نوعية خاصة من الأطعمة (food challenge). ويتم إجراؤه للأطفال الذين تنمو معهم حساسية الطعام. وفي هذا الاختبار يتم إعطاء الطفل جرعات متزايدة من الطعام المشتبه في أن يكون مسببا للحساسية، وتتم مراقبة الأعراض من خلال الطبيب، وهذا الإجراء لا يجب أن يتم إلا في عيادة متخصصة أو مستشفى مجهز، حيث يمكن أن تحدث أعراض للحساسية شديدة الخطورة تستوجب التدخل الطبي الفوري.

توصيات العلاج 

كانت التوصيات السابقة للأكاديمية الأميركية للحساسية تنصح بتأخير إدخال الأطعمة التي تشتهر بكونها من مسببات الحساسية مثل البيض واللبن إلى غذاء الطفل كطريقة لتفادي حساسية الطعام، ولكن التوصيات الحديثة جاءت على العكس من تلك النصائح وأفادت بأنه كلما تم إدخال هذه الأطعمة مبكرا في حياة الطفل زادت الفرص لتلافي حساسية الطعام، والجدل ما زال محتدما حول طريقة منع الحساسية، وبالنسبة للعلاج تظل الطريقة الأساسية لعلاج حساسية الطعام هي الامتناع التام عن الطعام الذي يسبب الحساسية سواء تناوله أو الملامسة مع الجلد أو عن طريق استنشاق الرائحة المنبعثة منه، مع ملاحظة إذا ما تناقصت حدة الأعراض من عدمه.