مجلة المانية تكشف سر تزامن عطل الأجهزة مع انتهاء فترة ضماناتها
03:18 م - السبت 8 ديسمبر 2012
يساور المستهلك الشك منذ عقود حول السر وراء عطل الجهاز الجديد الذي يشتريه بالضبط مع موعد انتهاء ضمانته. فغالبا، ويا لدهشة الشخص، يصاب جهازه العزيز «بالسكتة الدماغية» تماما مع انقضاء فترة الضمانة، التي تمتد بين سنة وسنتين، حسب كل بلد، وهكذا لا يجد المستهلك أمامه، بالنظر إلى ارتفاع أسعار التصليح، غير شراء جهاز جديد. وسرعان ما تدخل دورة حياة الجهاز الجديد في أزمتها لتنتهي بعد سنتين بجلطة «العطل المبرمج» من قبل شركات الإنتاج.
مجلة «إيكو - تيست» الألمانية، المتخصصة في قضايا البيئة وحماية المستهلك، توصلت إلى أن شكوك المستهلك في محلها تماما، وأن شركات إنتاج الأجهزة تبرمج موت الجهاز تماما مع موعد انتهاء الضمانة، وكل هذا برغبة ترويج المنتجات الجديدة، وزيادة الأرباح.
بل بهدف تعويد المستهلك على «تحديث» جهازه كما تقسره نزعة الاستهلاك على تغيير جزمته ومعطفه سنويا، حسب ألوان وقصات الموضة.
علماء المجلة الموثوقة، التي لم تترد في طرح الشركات بالأسماء، وهي تستعرض نتائج فحوصاتها على مختلف السلع الاستهلاكية، أخضعوا عددا من السلع الإلكترونية إلى فحوصاتهم، وكشفوا «الخدع» التي تستخدمها شركات الإنتاج بهدف توقيت «موعد الزوال Obsoelesence» مع انتهاء الضمانة.
وعرضت المجلة في عددها لشهر أكتوبر (تشرين الأول) الجاري نتائج الفحص على عدد من الكاميرات والهواتف الجوالة وأجهزة المزج المطبخية والتلفزيونات وغيرها.
وتدقيق مصطلح Obsoelesence يظهر أنه مشتق عن اللاتينية Obsolescere ويعني «آيل إلى الزوال» أو «الذي انتهت خدمته» أو «الذي مضى عليه الزمن».
وربما يعود الفضل في استخدامه في الأجهزة والمكائن، بعد أن كان مستخدما في الموضة، إلى الأميركي ألفريد ب. سولان، الذي استخدمه في العشرينات من القرن العشرين لترويج سيارات «جنرال موتورز» التي كان يترأس إدارتها.
وجاء في تقرير «إيكو - تيست» أن الهدف من «العطل المبرمج» ليس أكثر من رغبة الشركات الكبرى في تسويق بضائعها بأقصى سرعة، وحسب شعار «الجديد محل القديم».
تتراوح فترة الضمان اليوم، حسب البلدان، بين سنة وأربع سنوات، وإذ تنتهي حياة بعض الأجهزة بانتهاء فترة الضمانة، ينتهي البعض الآخر قبل فترة 3 - 4 سنوات. ولا تمنح هذه الشركات ضمانات لأربع سنوات إلا بعد دفع مبلغ إضافي، قد لا يعفي المستهلك من تحمل تكلفة بعض الأجزاء الإلكترونية.
وضربت المجلة البيئية عددا من الأمثلة على «العطل المبرمج» في الأجهزة الإلكترونية اليوم.
أحد الأمثلة حول الأدوات المطبخية، التي تنتهي حياة معظمها قبل نهاية ضمانة السنتين؛ إذ ثبت من الفحص أن بعض الشركات تستخدم في الصناعة أجزاء مسننة دائرية تحرك بعضها، واتضح هنا أن بعض هذه الأقراص المسننة مصنوعة من البلاستيك، في حين أن البعض الآخر مصنوع من الحديد القوي.
ويقول خبراء المجلة إن تآكل البلاستيك على الأسنان الحديدية مبرمج، وليس سوى قضية زمن حتى يعطل الجهاز، وخصوصا بعد انتهاء فترة الضمان.
ويؤكد الخبراء أن القضية متعمدة تماما، لأن استبدال أقراص مسننة حديدية بالبلاستيكية، في الجهاز، لن يكلف هذه الشركات غير سنتات قليلة.
ولا مجال هنا أمام الشركات لتبرير هذا «الخطأ»، لأن استبدال الحديد بالبلاستيك لن يرفع سعر الجهاز أكثر من يورو واحد، لكنه سيطيل عمر الجهاز إلى 5 - 10 سنوات، وهو ما لا ترغب فيه هذه الشركات.
المثال الثاني هو عن أجهزة «آي فون»، بمختلف ماركاتها، التي تنتشر بشكل هائل بين الناس، والتي تنتجها شركات كبرى بعيدة كل البعد عن الإفلاس.
الفحوصات التي أجراها الخبراء تثبت أنه تم دمج البطارية بغلاف الجهاز، وهكذا تم تعليق أمد حياة الجهاز بأمد حياة البطارية.
المعتاد في البطاريات الحديثة أنها تتحمل إعادة الشحن 500 مرة، ويبلغ مجموع ساعات الشحن هذه نحو 48 ساعة.
وبعملية حسابية بسيطة نجد أن هذه اليومين ينقسمان على مدى سنتين بالضبط من العمل والشحن، أي مع انتهاء موعد الضمانة.
ولما كان فصل البطارية عن الجهاز متعذرا فإن العطل هنا مبرمج مقدما.
الكاميرات الرقمية الصغيرة ما انفكت تتضاءل في الحجم، وتتزايد تعقيدا من ناحية التقنيات.
وفي كاميرا صغيرة مثل كاميرا «فوجي» تم دمج عدة وحدات مع بعضها، بحيث يتعذر تصليح وحدة إلكترونية واحدة على حدة، ثم إن معظم الأجزاء مدمجة بغلاف الكاميرا وحجرتها، وبالتالي يقع على المستهلك الاختيار بين تصليح الكاميرا ككل مقابل 150 يورو، أو شراء كاميرا جديدة سعرها 99 يورو.
وطبيعي فإن المستهلك سيختار البديل الثاني، وسيفرح بكاميرته الجديدة.
وتلفزيونات اليوم تعمل بفضل مكثفات إلكتروليتية لا يزيد عمرها على 5 سنوات، حسب تقدير خبراء «إيكو - تيست».
وهناك أكثر من 30 مكثفا، من هذا النوع، في التلفزيون الواحد من الطرازات الجديدة.
إطالة عمر هذه المكثفات، من جديد، إلى 10 سنوات لا يكلف الشركات غير سنتات قليلة ولا أكثر من بضعة يوروات للجهاز الواحد بأكمله.
لكن تصليح واستبدال عدد من هذه المكثفات، بعد انتهاء موعد الموت المبرمج، يكلف أكثر من 100 يورو.
الأمر الذي يعقد عملية تصليح الأجهزة هو أن معظمها يجري إنتاجه في شرق آسيا، وهذا يعني أن إعادة تصليحها في أوروبا سيكلف الشركات كثيرا، لأن أسعار قوة العمل في آسيا لا توازي ربعها في أوروبا.
ثم إن الضرائب عليها كثيرة، ولذلك فمن الأفضل توقيت عمر الجهاز مع انتهاء الضمانة، بغية ضرب عصفورين بحجر: التخلص من الموديلات القديمة وترويج الأجهزة الأحدث.
مع ملاحظة أن بعض الأدوات الاحتياطية لا تتوفر دائما في السوق، ولا يمكن تبديل جزء واحد بمفرده، وإنما ينبغي تبديل وحدات بأكملها.
اهتمام «إيكو - تيست» بقضية «الموت المبرمج» لا يتحدد بقضية حماية المستهلك، لأن قضية حماية البيئة مطروحة بقوة هنا، فاستبدال أجهزة جديدة بأخرى قديمة، واقتصار عمر الأجهزة على فترة الضمانة، يعني رمي أطنان النفايات الإلكترونية سنويا بلا داع. وجبال النفايات، وخصوصا نفايات الهواتف الجوالة والكاميرات، ترتفع إلى السماء باستمرار، وصارت قضية التخلص منها، أو تدويرها، تدوخ شركات الإنتاج والحكومات الأوروبية، على حد سواء.
يكفي هنا أن نورد بعض الأرقام عن الهواتف الجوالة، مأخوذة من دراسة لشركة «بيتكوم» الألمانية، كي نكشف كم ارتفاعات جبال نفايات الهواتف الجوالة؛ إذ تشير دراسة لشركة «بيتكوم» إلى أن مجموع الهواتف الجوالة المستعملة في ألمانيا يرتفع إلى 100 مليون جوال، لكن عدد الهواتف الجوالة الفائضة عن الحاجة يرتفع إلى 80 مليون جهاز.
ويحتفظ المواطنون الألمان بهذا العدد الكبير من الأجهزة القديمة في مجاريرهم ومكاتبهم على الرغم من أنها عاملة.
وربما يشجعهم على ذلك قانون حماية البيئة الذي يفرض عقوبات مالية كبيرة على من يرمي هاتفه الجوال في حاوية النفايات.
يظهر من الدراسة أيضا أن 47 في المائة من المواطنين الألمان يحتفظون بهاتفين جوالين عاملين، وإلى أن 7 في المائة يحتفظون بثلاثة أجهزة، مع نسبة 8 في المائة يحتفظون بأربعة.
يحمل مصباح كهربائي تقليدي الرقم القياسي العالمي في طول العمر، لأنه يضيء في مركز إطفاء في سان فرانسيسكو (الولايات المتحدة) منذ 111 سنة بلا توقف.
وللتأكد من عمل المصباح، واستحقاقه للرقم القياسي العالمي، قامت بلدية المدينة قبل ست سنوات بتركيب كاميرا صغيرة لمراقبته.
والثابت هو أن المصباح ما يزال يعمل، في حين ماتت كاميرتان حديثتان خلال 4 سنوات، بعد أن حل موعد «عطلهما المبرمج»، وتم استبدال كاميرا ثالثة بهما حاليا.
لهذا ما يزال الملايين منا يتوقون إلى «الصناعة القديمة» المتينة، التي كنا نتمتع بأجهزتها طويلا في العقود السابقة.