بعد أنتحار طالبة جامعية هندية ..علامات استفهام حول حرية الصحافة وخصوصية الآخرين في الهند
11:42 ص - الأحد 21 أكتوبر 2012
أقدمت طالبة جامعية هندية في الحادية والعشرين من عمرها تدعى شيفالي على الانتحار في الآونة الأخيرة، حيث وقفت أمام قطار بعدما قام مصورون صحافيون بالتقاط صور لها مع صديقها أثناء تغطية إحدى الحملات المناهضة لاضطهاد المرأة التي تترأسها مفتشة في الشرطة.
ووقعت هذه الحادثة بعد أسبوع واحد فقط من انتحار فتاة أخرى في الولاية نفسها، حيث شنقت نفسها بعدما رأت بعض التعليقات الوقحة على حسابها على موقع «فيس بوك»، وهو ما أثار شعورا بالصدمة في البلاد، التي تشهد حالة من الجدل الشديد فيما يتعلق بحرية وسائل الإعلام.
وفيما يتعلق بتفاصيل الحالة الأولى، يقال إن شيفالي قد ناشدت المصورين أن لا يقوموا بتصويرها لأن سمعتها ستتأثر بشدة لو تم نشر الصور ولقطات الفيديو التي تم تصويرها.
وقال شهود عيان للشرطة إن المصورين ومفتشة الشرطة قد سخروا من شيفالي وهي تتوسل إليهم أن لا يقوموا بتصويرها. وقامت شيفالي، حسب ما أظهره مقطع الفيديو في وقت لاحق، بالرحيل عن مقر الحملة والإقدام على الانتحار.
وخلص التحقيق، الذي أجراه المفتش العام للشرطة جالاندهار غوربريت ديو، إلى أن «الفتاة قد أقدمت على الانتحار بعدما أيقنت أنه لا توجد أي طريقة لمنع نشر هذه الصور في اليوم التالي».
وألقى التقرير الذي أصدره ديو باللائمة على الشرطة ووسائل الإعلام، مضيفا: «لو كان الصحافيون ومفتشة الشرطة قد أظهروا قليلا من التعاطف والتفاهم، لكانت الفتاة على قيد الحياة الآن».
وعقب صدور التقرير، اتهمت الشرطة المفتشة بالويندر كور والمصورين بريجيش كومار ورافي بالتحريض على الانتحار.
وقال التقرير: «عندما توسلت الضحية للمصورين وطلبت منهم أن لا يصوروها وهددتهم بأنها ستنتحر، سخروا منها وطلبوا منها رؤية الصحف في صباح اليوم التالي لمشاهدة صورها. ولم تستطع الضحية تحمل هذا التوتر وأقدمت على الانتحار».
وقد أثارت هذه الحادثة الكثير من علامات الاستفهام حول حرية الصحافة وخصوصية الآخرين، حيث تتجاوز وسائل الإعلام الخط الفاصل بين المنافسة على الحصول على الأخبار واقتحام خصوصية الآخرين. وعلاوة على ذلك، تلقي هذه الحادثة الضوء على ما يسمى بالحملات المناهضة لاضطهاد المرأة، لمواجهة قيام رجال الشرطة بمضايقة أي شاب وفتاة يسيران في الحدائق أو الأماكن العامة.
وذات يوم، كانت كور، التي تترأس الحملة المناهضة لاضطهاد المرأة، تطارد شابا وفتاة في إحدى الحدائق العامة بالقرب من الكلية التي تدرس بها شيفالي، ولفت انتباهها وجود مشاجرة بين شابين حدث تصادم بين سياراتهما.
وكانت شيفالي تجلس بداخل إحدى السيارتين، وقامت كور بإخراجها من السيارة وسألتها عن الشاب الذي كان في السيارة ونهرتها بشدة. وكانت شيفالي مع صديقها الذي تعرفت عليه قبل نحو عام. وبدأ المصورون في التقاط الصور لشيفالي التي كانت محرجة وخائفة للغاية. ولم تستطع شيفالي تحمل الاستجواب القاسي والإهانة على الملأ والتقاط صور تسبب لها الإحراج والفضيحة.
ولا تزال الهند مجتمعا محافظا يلتقي فيه الشباب والفتيات بصورة سرية، ولو كان تم نشر صور شيفالي في وسائل الإعلام، لكانت تعرضت هي وأسرتها لمشاكل اجتماعية كبيرة تصل لحد العار والفضيحة. ومن الشائع في الهند قيام رجال الشرطة والمصورين بإزعاج ومضايقة الفتيات والشباب في الحدائق والأماكن العامة باسم الحفاظ على الأخلاق.
وفي الحادثة الأخرى، قامت راكشا شارما، وهي شابة صغيرة من كشمير، بشنق نفسها في غرفتها ببيت الطالبات التابع لكليتها، بعدما قام شابان بمضايقتها مرارا ونشر بعض التعليقات البذيئة والبغيضة لتشويه سمعتها على صفحتها الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك».
اكتشفت قوات الشرطة وجود رسالة مكتوبة بخط اليد في غرفة راكشا، تؤكد فيها على أنها تلقي باللوم على هذين الشابين: «لفبريت» و«ديباك سايني»، في إقدامها على الانتحار.
كتبت راكشا في الرسالة إن هذين الشابين قاما بنشر بعض التعليقات البذيئة على صفحتها على موقع «فيس بوك»، ونتيجة لذلك لم تعد قادرة على الذهاب إلى الكلية أو مواجهة أي شخص بأي حال من الأحوال، مضيفة أن كلا الشابين ينبغي تقديمهما للمحاكمة لارتكاب مثل هذه الأفعال.
وبموجب قانون تكنولوجيا المعلومات الهندي، فإن أي شخص يقوم بتحميل أو نشر أي رسائل أو صور أو مقاطع فيديو مرفوضة أو تحمل إيحاءات جنسية صريحة أو تثير حساسيات اجتماعية، يتعرض لعقوبة الحبس لمدة تصل إلى سبع سنوات كحد أقصى.
ارتفعت أصوات من داخل المجتمع الصحافي نفسه بشأن مدى الانحطاط الذي وصل إليه السلوك المهني، حيث يقول ساتنام سينغ ماناك، رئيس التحرير التنفيذي لمجموعة صحف «أجيت»: «من المستهجن للغاية قيام إحدى الصحف، بعد وفاة شيفالي، بنشر خمس صور للحادث في صفحتها الأولى في اليوم التالي للحادث، وهي الصور التي تظهر فيها أثناء وفاتها».
يقول كامليش سينغ، رئيس تحرير جريدة «بهاسكار داينيك»، التي قامت قوات الشرطة بإلقاء القبض على مراسل صحافي ومصور تابعين لها والتحقيق معهما بشأن ذلك الحادث: «في هذه الحالة، لا يستطيع أحد إلقاء اللوم علينا، لأن شيفالي كانت قد فارقت الحياة بالفعل قبل أن يتم نشر هذه الصور».
لا يتقبل الكثيرون مثل هذه الحجج، حيث يقول كانوار ساندو، العضو المنتدب لقناة «داي آند نايت نيوز»، وهي قناة إخبارية تتخذ من مدينة شانديغار مقرا لها: «كمؤسسة إعلامية، نحن بحاجة ماسة للتفكير مليا في هذا الصدد.
يقوم عدد من المراسلين الصحافيين الذين يعملون بدوام جزئي بعمليات ابتزاز سيئة، وحيث إن الصحف تستخدم الأخبار التي يساهمون في كتابتها، ينبغي محاسبة هؤلاء الأشخاص عن مثل هذه الأنشطة أيضا». تقوم كبرى وسائل الإعلام العالمية بتوظيف مثل هؤلاء المراسلين الصحافيين بدوام جزئي من دون النظر إلى افتقارهم الواضح إلى المؤهلات المطلوبة.
يقول راميش كومار، عم شيفالي: «حتى لو كانت شيفالي تواعد أحد الشباب، فمن المخالف للقانون أن يتم فضح هذا الأمر بهذه الصورة».
وفي هذه الأثناء، قامت قوات الشرطة في ولاية البنجاب بتوقيف مفتشة الشرطة والتحقيق مع وسائل الإعلام المتورطة في الموضوع. قامت الشرطة أيضا بإرسال إشعار إلى موقع «فيس بوك»، لمطالبة موقع التواصل الاجتماعي بتحديث سياسة إدارة المحتوى الخاصة بها.
وفي الوقت عينه، قالت ماماتا شارما، رئيسة «اللجنة الوطنية الهندية للمرأة»، التي تقوم بإجراء تحقيق حول هذه الحوادث، إنه ينبغي على الحكومة عدم الاستسلام للضغوط التي تحاول بعض الشخصيات ممارستها تحت عنوان «حرية الصحافة»، حيث يقولون إن هذين المراسلين الصحافيين كانا يقومان بواجبيهما فقط وإنه لا ينبغي محاسبتهما على حادثة الانتحار.
لا يحق لهذين الصحافيين انتهاك خصوصية إحدى الفتيات وإجبارها على الانتحار، وهما يستحقان بالتأكيد أن يتم تقديمهما للمحاكمة مثل كل المتهمين العاديين الآخرين. لا ينبغي أن يقوم شخص يحمل كاميرا في يده بارتكاب جريمة والخروج منها سالما بحجة «حرية الصحافة».
قام المتهمون الثلاثة، مفتشة الشرطة والمصوران الصحافيان، بمطاردة الفتاة لالتقاط صورة لها عقب رؤيتها مع صديقها، فضلا عن قيامهم بتهديدها بنشر هذه الصور، وهو ما يعتبر حالة ابتزاز واضحة أدت إلى شعور الفتاة باليأس وأجبرتها على الانتحار في نهاية المطاف.
وفي الوقت نفسه، أوصى فريق العمل التابع للأمانة العامة لمجلس الأمن القومي بضرورة قيام الحكومة بدراسة سن قانون لضمان عدم السماح لوسائل الإعلام بالتدخل في الحياة الخاصة للناس، مما يضيف بعدا جديدا للنقاش الجاري حول موضوع الخصوصية. وأكد فريق العمل، الذي يترأسه نائب مستشار مجلس الأمن القومي، أن القانون الحالي يجب تعديله لإخضاع قنوات التلفزيون الإخبارية لإشراف مجلس الصحافة في الهند.
لا يعد أي من هذه التوصيات أمرا جديدا، حيث كانت موضوعا لنقاش عام دام لفترة من الوقت، ولكن الموضوع اتخذ الآن منحى جديدا، حيث جاءت التوصيات هذه المرة من أعلى مؤسسة أمنية في البلاد. قال مصدر رسمي إن الحكومة الهندية لم تقبل هذه التوصيات حتى الآن، مضيفا: «تدرس الحكومة الآن هذه التوصيات، وسوف تقوم الوزارات المعنية بإبداء ملاحظاتها وتحفظاتها على هذه التوصيات».
أكد النشطاء والمنظمات التي تعترض على انتهاك خصوصية المواطنين العاديين أن هذه المبادئ لا يتم تطبيقها على الأشخاص الذين يشغلون المناصب العليا، طالما كان الكشف عن الحياة الخاصة للأشخاص يصب في «الصالح العام».
وفي توصية أخرى، طالب فريق العمل الحكومة بدراسة تعديل قانون مجلس الصحافة، لإعطاء المجلس صلاحيات لمخاطبة المحكمة العليا إذا ما رفضت وسائل الإعلام الالتزام بتوجيهات المجلس.
وفي الوقت عينه، يدفع مكتب رئيس مجلس الوزراء نحو تبني استراتيجية متعددة الجوانب لـ«منع واحتواء أي استخدام غير شرعي للإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعية»، مما يؤكد جدية الحكومة في تنظيم الفضاء الإلكتروني.
وفي اجتماع عقد مؤخرا في مكتب رئيس الوزراء وحضره رؤساء كل الوكالات الاستخباراتية، إلى جانب ممثلين عن وزارات الداخلية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، قررت الحكومة إنشاء «كيان مناسب» لمعالجة المواضيع المتعلقة بحجب محتوى معين على مواقع التواصل الاجتماعي أو أي موقع آخر على الإنترنت بـ «طريقة ذكية وفي الوقت المناسب».
سوف يقوم الكيان الجديد بعمل نظام مراقبة فعال للإنترنت ووضع القواعد العامة والتدابير التشغيلية بحسب طبيعة المحتوى الذي سيتم حجبه من على الإنترنت، فضلا عن تحديد العقوبات والجناة.
سوف يكون للكيان الجديد ذراع قانونية لملء الفراغ الحالي في قانون تكنولوجيا المعلومات بشأن التعامل مع مثل هذه المواقف، بما في ذلك ردع أي استخدام غير شرعي للإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي. صدرت بعض التوجيهات لوزراء الداخلية وتكنولوجيا المعلومات بضرورة العمل على تحديد هيكل ونظام عمل هذا الكيان الجديد.