«ديور» تقدم أول عرض لتصميمات مصممها الجديد «راف سيمونز»

يوم الاثنين الماضي دخل تاريخ الموضة كاليوم الذي قدم فيه البلجيكي راف سيمونز أول تشكيله له لـ«ديور» الفرنسية. لم تكن مهمته سهلة لعدة أسباب، منها أنه لم يسبق له العمل في مجال الـ«هوت كوتير» من جهة وأن «ديور» معقل من معاقل الموضة العالمية من جهة ثانية، فضلا عن أنه خلف جون غاليانو، الذي تميز بأسلوب درامي مسرحي أصبح لصيقا بالدار في السنوات الأخيرة. لكل هذا كان الجميع ينتظر ما سيقدمه هذا البلجيكي الهادئ على أحر من الجمر.
ونظرا لحجم الإقبال على العرض، قدمت الدار عرضين، الأول على الساعة الثانية والنصف ظهرا والثاني على الساعة الخامسة والنصف. المكان أيضا كان مختلفا عما تعودنا عليه، فلا هو متحف «لورودان» ولا مقرها الرئيسي بأفينو مونتين بل كان في أفينو دايينا الذي تحول إلى ما يشبه السيرك بسبب الباباراتزي وعشاق الموضة الذين اصطفوا في الخارج لعلهم يلتقطون صورة لنجمة، مثل شارون ستون أو ماريون كوتيارد قبل دخولهن العرض. 
بعد عدة مراوغات شاقة لاختراق الازدحام وتسلق السلالم الواسعة تزكمك رائحة ورد منعشة، تنبعث من أكثر من 300 ألف وردة بالإضافة إلى آلاف البتلات الصغيرة، غطت جدران وأسقف القاعات الصغيرة التي تراصت عليها كراسي الحضور بالكامل. كل قاعة سميت بلون الورود أو أنواعها، مثل القاعة الحمراء أو الزرقاء، أو الصفراء أو قاعة الأوركيد وهكذا في تحية للسيد كريستيان ديور الذي كان يعشق الورد. 
لكن ورغم روعة الديكور وحماس الكل للالتقاط الصور وإرسالها عبر «تويتر» إلى الأصدقاء، فإن الحماس الأكبر كان لرؤية ما سيقدمه المصمم البلجيكي للدار الفرنسية العريقة. هل سينجح في ملء الفراغ الذي خلفه جون غاليانو بعد أن غادر الدار منذ أكثر من عام؟ وهل ستقوى أكتافه على حمل ماضيها إلى مستقبلها؟ هذا وأسئلة أخرى كثيرة كانت تدور في البال وعلى السنة البعض. 
بدأ العرض بتايورات مفصلة بالأسود على الجسم بإيحاءات خفيفة من «ذي نيو لوك»، وفجأة بدت الدراما المسرحية التي تعودناها من جون غاليانو في السابق ونخرج بعدها في حالة انبهار، ذكرى بعيدة وكأنها من عهد سحيق. لم تكن لدى راف سيمونز سوى أربعة أشهر تقريبا لتحضير هذه التشكيلة، غاص فيها في أرشيف الدار وتحديدا فترة الخمسينات التي حقق فيها المؤسس عدة إنجازات، على رأسها الخصر النحيل والأكتاف المحددة والعالية والتنورات الواسعة والأقمشة المترفة.
عناصر أخذها سلفه جاليانو وطار بها إلى عوالم سريالية أحيانا وفانتازية أحيانا أخرى بدراميتها، وهذا ما كان على سيمونز تفكيكه والتخلص منه بالعودة إلى نقطة البداية تقريبا، وتحديدا العشر سنوات الأولى. وجاءت النتيجة خلطة مثيرة بين أسلوبه الخاص وأسلوب السيد كريستيان ديور. 
فإلى جانب التنورات المستديرة والخصر النحيل العالي والأحجام الكبيرة، من دون أن ننسى الحرفية العالية التي تتمتع بها الأنامل الناعمة العاملة والتي تعتبر رأسمالا قيما للدار، كان أسلوبه الشخصي أيضا واضحا من خلال ألوان النيون مثلا والتصاميم الهندسية البسيطة التي تخاطب الواقع وتخدم المرأة.
التايور المتميز بتنورة مستقيمة وخصر مشدود يتسع أو ينتفخ تم ترويضه في تايورات ببنطلونات هذه المرة كما في فساتين دون أكتاف، وأخرى بتنورات منفوخة ومستديرة. كما كانت هناك فساتين ناعمة بتفاصيل متقنة لعب فيها على الازدواجية، حيث تبدو من الإمام بلون ومن الخلف بلون مختلف تماما لم ينس أن يطرزها بسخاء. 
أحيانا بدا الأمر وكأنه لعبة مثيرة بين رومانسية السيد كريستيان ديور وعشقه للورود التي جاءت مزروعة على تنورات منفوخة جدا وبين هندسية راف سيمونز التي تجسدت في أشكال هادئة وألوان تباينت بين الأزرق الغامق والأسود وبين الأصفر والفوشيا والوردي.
هل نجح راف سيمونز في مهمته؟ 
من الناحية الفنية نعم وبشرف، على الأقل فقد نجح في طمأنة من كان يشكك في رومانسيته، أما من الناحية التجارية فهذا أمر ستجيب عنه الأيام القادمة. فعالم المنتجات المرفهة يمر بفترة حساسة ومثيرة في الوقت نفسه، وزبونات الـ«هوت كوتير» قليلات، يقدر عددهن بـ 200 زبونة فقط، حسبما يقال.
والزبونات الجديدات، بحكم إيقاع حياتهن العصرية، بتن يردن أزياء فنية فريدة من نوعها لكن واقعية في الوقت ذاته يمكنهن التحرك بها بحرية دون حاجة إلى مساعدة أحد. ومن هنا بدأت عملية تفكيك الدراما، قبل راف سيمونز، أي في عهد بيل جايتون الذي تسلم مقاليد الدار مؤقتا بعد خروج جون جاليانو من الدار.
فتشكيلته الأخيرة كانت في غاية الرومانسية والرقة، لكنها لم تكن كافية لتكتب للدار بداية جديدة، كما كانت تحتاج إلى مصمم له رؤية مستقبلية مختلفة. ليس بالضرورة أن تكون ثورية لكن من المهم أن تكون قادرة على التخلص من أشباح الماضي، وتحديدا الصورة التي خلقها جون غاليانو، الذي قدم في السنوات الأخيرة تشكيلات فنية بكل المقاييس لكن تسويقها كان صعبا. الآن يقع على عاتق راف سيمونز أن يحقق المعادلة بين الاثنين ويزيد عليهما حبة حداثة تأخذ الدار إلى مرحلة جديدة تليق بمقامها وتاريخها. 
توقيت عرض الفرنسي أليكسي مابيل بعد عرض «ديور» لم يكن في صالحه على الإطلاق. فقد أعطى الإحساس بأنه باهت يفتقد إلى رؤية وفكرة، وكان أكثر ما أثار الانتباه فيه هو الماكياج وتسريحات شعر التي جاءت على شكل أنتينات هوائية أو زينها ببروشات. الأزياء في المقابل افتقدت لأي تيمة واحدة يمكن أن تجمعها وتجعلها واضحة، وبدت ككوكتيل من الأساليب شتت الحضور وأصابت العين بالزغللة بسبب إغراقه في استعمال الترتر والخرز والكريستال. 
افتتح العرض بفستان اسود من الجرسيه يشد الجسم ويتضمن مئات الأزرار مختلف تماما عن فستان الختام الرصاصي المصنوع من الكريب المغطى بستارة من الاورغنزا. بعد العرض، فسر مابيل رؤيته بأنها كانت عن امرأة تشبه المجوهرات، ومن هذه الصورة استقى درجات التوباز والبلاتين والملاكيت والأوبال وغيرها. 
الإيطالي جيامباتيستا فالي الذي دخل مجال الـ«هوت كوتير» مؤخرا قدم تشكيلة عاد فيها هو الآخر إلى الخمسينات وغرف منها أشكال تنورات مستديرة ضخمة وأجواء رومانسية استوحاها من عالم الغاب بجنياته وأحواضه ونباتاته وفراشاته، مما جعل عرضه كما لو أنه حلم ليلة صيف.
إلى جانب النقوشات التي غطت العديد من القطع، لعب على الأحجام الكبيرة التي تأخذ أشكال ورود مثل التوليب، وأضفى عليها خفة باستعماله أقمشة خفيفة مثل الأورغنزا والموسلين، وإن كانت هناك قطعا تثير الشك مثل معطف يبدو وكأنه مزروع بعشب يحتاج إلى تشذيب، أو تنورة بتبطين مرصع جعلها تلمع بإشعاعات ضوئية وكأنها انعكاسات أشعة الشمس على الماء. 
إذا كان هناك مأخذ على هذه التشكيلة فهو إصرار جيامباتيستا فيها على جمع الحلم بالفانتازيا مما جعله ينسى في بعض الأحيان أن العملية هي الطريق إلى المستقبل وإلى قلب المرأة الشابة التي يتوجه إليها دائما.
وفي رغبته أن يفرق بين ما هو «هوت كوتير» وما هو أزياء جاهزة متقنة، بالغ في أحجام بعض القطع وفي استعمال الكشاكش إلى حد أن وجوه العارضات اختفت أحيانا فيها ناهيك عن أجسامهن.
لكنها مع ذلك كانت الصورة مثيرة وما علينا إلا أن نتذكر أنه يمكن تفكيكها والتخلص من مبالغاتها بعد العرض لتناسب المرأة والواقع. فنحن في موسم الهوت كوتير، الذي تحصل فيه الزبونة على فستان فريد لا مثيل له سيفصل على مقاسها وبالتالي يمكن أن تطلب إجراء أي تغييرات بسيطة عليه. 
من هو راف سيمونز؟ 
من مواليد مدينة نيربيلت ببلجيكا على الحدود الألمانية، ويبلغ من العمر 44 عاما. درس التصميم الصناعي وليس تصميم الأزياء، لكنه بعد دورة تدريبية مع المصمم وولتر فان بيرندونك في مدينة أنتوورب بعد تخرجه، غيرت مساره وجعلته يفكر في التوجه إلى تصميم الأزياء.
هو الآن من أهم المصممين المعاصرين، وليس أدل على هذا أنه هو الذي سوق لنا ألوان النيون التي لم تكن تخطر على البال من قبل. هو أيضا من أهم مصممي الأزياء الرجالية، ومنافسه الوحيد في هذا المجال هو هادي سليمان، مصمم «ديور» للأزياء الرجالية سابقا، والذي التحق بدار «إيف سان لوران» مؤخرا. 
في عام 1995 قدم أول تشكيلة خاصة به وكانت تحية لهيلموت لانج بخطوطها الرشيقة. وتوالت ابتكاراته التي تبدو للوهلة الأولى بسيطة وباردة أحيانا، لكنها دائما كانت تخفي بين طياتها رومانسية خجولة ترفض أن تظهر للسطح. لكن بدخوله «ديور» سيجد نفسه مضطرا لإطلاق العنان لها. 
- عمل في دار «جيل ساندر» لسبع سنوات تقريبا وحقق فيها نجاحات تحسب له. فقد فهم شخصيتها وقدم طوال سنواته فيها تشكيلات قد تكون بخطوط بسيطة جدا لكنها في غاية الفنية الحداثية.