«ضريبة الشحم» .. طريق ألمانيا نحو مجتمع معاصر رشيق
11:12 ص - الخميس 21 يونيو 2012
تم فرض ضريبة الملح في فرنسا في القرن الثالث عشر، كتعبير عن اضطهاد الشعوب من قبل سلطاتها، ولم تلغ إلا بعد الثورة الفرنسية. لكن ضريبة الملح الألمانية، كتعريفة على المواد الغذائية، لم تستأصل فعليا إلا عام 1993 حسب الانسكلوبيديا الألمانية.
وسجل العالم خلال تاريخه الحديث العديد من الضرائب التعسفية المضحكة، التي تمتد بين ضريبة الملح الأوروبية، ضريبة «الأرامل»، التي فرضها الراحل صدام حسين على أرامل الحرب العراقية الإيرانية اللاتي يرفضن الزواج مجددا، وضريبة «الشرشف»، التي يفرضها الايطاليون على السائح لقاء شرشف نظيف يفرشونه له على المنضدة في بلد أوروبي متحضر. والان يقترح بعض ممثلي الحكومة الألمانية فرض ضريبة الشحم على الناس بغية محاربة البدانة المفرطة بين الناس وبين الأطفال على وجه الخصوص.
ونقلت صحيفة «بيلد آم زونتاغ» الواسعة الانتشار، عن مصادر في وزارة المالية، أن مجموعة خبراء الحكومة لشؤون التغذية، يحركون وزير المالية بيير شتاينبروك باتجاه فرض ضريبة الشحم على الأغذية غير الصحية، الأغذية العالية الدسم، الشوكولاته والهمبرغر، بغية وقف التدهور الصحي الناجم عن ظاهرة البدانة المفرطة في ألمانيا.
واقترح الخبراء على الوزير اخراج الحلويات والشوكولاته والكوكا كولا من قائمة المواد الغذائية المدعومة من قبل الدولة وإدخالها ضمن قائمة الضرائب التي تشمل المواد الكمالية مثل العطور والكحول. وتبلغ الضريبة الحالية على الشوكولاته نحو 7%، في حين أنها ترتفع إلى 19% على غيرها.
وذكرت الصحيفة أن استفتاء أجرته يؤيد التوجهات الصحية للحكومة. وذكر 57% من قرائها انهم يؤيدون خطة الحكومة المعنونة «اللياقة لا الشحم»، بهدف تصحيح نهج التغذية وزيادة حركة المواطن.
وتشير إحصائية معهد روبرت كوخ، شبه الرسمي، إلى أن نصف الألمان يعانون من البدانة وأن 10% منهم بدناء جدا. وتنطبق هذه الحال على الأطفال، الذين ترتفع البدانة بينهم بنسبة 10% ويعتبر 8% منهم بدناء جدا.
ورغم أن معدلات البدانة وقلة الحركة في ألمانيا لا تقرن بمثيلاتها في الولايات المتحدة، إلا أن شركات التأمين الصحي تسعى قبل غيرها لفرض الرشاقة كواقع صحي في ألمانيا. إذ يشير معهد روبرت كوخ إلى أن تغطية عواقب البدانة، مثل جلطات القلب وداء السكري وضغط الدم العالي... الخ، تكلف شركات التأمين الصحي نحو 70 مليار يورو إضافيا كل عام.
وتسعى شركات التأمين الصحي إلى رفع الأقساط المفروضة على البدناء تعويضا عن خسائرها في ميدان مكافحة البدانة، إلا أن 74% من الشعب الألماني، حسب دراسة لمعهد التغذية الصحية، يقفون ضد رفع الضرائب على البدناء. رغم أن 70% من الذين شملهم الاستفتاء يحمّلون البدناء أنفسهم المسؤولية الأولى عن بدانتهم.
ولا يوافق سوى 23% على مخططات شركات التأمين الصحية الرامية لالغاء ثقل خسائرها على وزن البدناء، والظاهر انهم من الأقلية الرشيقة، التي تعمل وفق مبادئ التغذية الصحية والرياضة الدائمة.
وأدار البروفيسور هانز هاونر، خبير التغذية من جامعة ميونيخ، دفة النقاش إلى ناحية ثانية حينما لاحظ أن أسعار المواد الغذائية القليلة الدهن أغلى بكثير من أسعار المواد الغذائية الكاملة الدسم. ودعا هاونر إلى دعم اسعار المواد الغذائية الطبيعية والقليلة الدسم بدلا من رفع الضرائب على المواد السكرية والدهنية.
ولا تحظى الأغذية القليلة الدسم بشعبية كبيرة بين الناس، رغم محتوياتها الصحية، هذا لأن تقليل الدسم فيها يفقدها شيئا من مذاقها. ورغم أن منتجات اليوم القليلة الدسم تحافظ كثيرا على نفس المذاق، بفضل التقنيات الحديثة، إلا انها لا تشكل 50% من المواد السائدة في السوق، وبالتالي لا توجد في كافة المخازن.
وفي خضم النقاش الدائر حول علل المجتمع الألماني، الممتدة من قلة الزيجات وانخفاض المواليد، والبدانة، اقترحت وزيرة التعليم انا شافان ادخال «التغذية الصحية» كمادة إلزامية في المدارس الألمانية. وترمي الخطة إلى تثقيف الألمان في مرحلة الصغر بضرورات التغذية الصحية والابتعاد عن عوامل البدانة المعروفة. وذكرت الوزيرة انها تعول على العامل التدريسي في تقليل نسبة البدانة بين الأطفال خلال عشر سنوات.
ووقف وزراء التعليم في الولايات الألمانية ضد مقترح الوزيرة الاتحادية، لعدم قناعتهم بإمكانية معالجة موضوع البدانة من خلال إجراء واحد. وذكر زيغفريد شنايدر، وزير التعليم في بافاريا، ان موضوع معالجة البدانة لا يمكن أن يختصر في حصتين دراسيتين في الاسبوع.
ووصف هولجر روبريشت، وزير التعليم ببرلين، مقترح الوزيرة «بالسخف» محذرا من «موضة» اقتراح الدروس الإضافية في المدارس كلما اشتد الخلاف بين الساسة حول المواضيع الاجتماعية. وقال الوزير إن رفع عدد الحصص من 32 اسبوعيا إلى 40 كمعدل سيرهق التلاميذ بالدروس.
ووقفت نقابة المعلمين أيضا ضد المقترح واعتبرته إرهاقا للمعلمين والتلاميذ على حد سواء. وطالب هولجر غابرييل، استاذ الرياضة في جامعة ينا (شرق)، بزيادة عدد حصص الرياضة بدلا من إضافة حصص حول التغذية الصحية.
وقال غابرييل إن التلاميذ يعانون من قلة الحركة اكثر مما يعانون من الاكثار في الطعام وطالب بحصة رياضية يوميا في المدارس بدلا من الحصص الاسبوعية الثلاث الحالية.
يسجل التاريخ للمهاتما غاندي انه بدأ رحلة مشي طويلة أمدها 8 أيام يوم 12 مارس (اذار) 1930 احتجاجا على ضريبة الملح البريطانية واحتكار تجارة الملح من قبل المستعمرين. وكان غاندي يبغي الوصول إلى البحر للقيام بحملة استخراج الملح من البحر عوضا عن شرائه من الشركات البريطانية.
انتهت الرحلة بعد يوم واحد بعد أن استقبل الجنود الانجليز غاندي ورفاقه بالعصي واعتقلوا جواهر لال نهرو و300 من أتباعه. وربما يقع على الوزيرة الاتحادية شافان أن تقسر وزراء التعليم المحليين (42% بدناء) على قطع المسافة من برلين إلى جبال الألب على الأقدام أو البحث عن الملح في بحر الشمال كي يخفضوا أوزانهم.