الصين تنسخ كل شئ .. حتي المدن المدرجة على لائحة اليونيسكو

بحماس لم يخلُ من مغالاة، شدد المرشد السياحي على ضرورة إلقاء نظرة ولو سريعة على «بيت العظام» الذي يضم 610 جماجم وكمية من العظام البشرية يعود بعضها للقرن الثاني عشر الميلادي. 
ولمزيد من الإقناع والدعاية قال إن بيت العظام من البقع النادرة التي لم يتمكن الصينيون من استنساخها ضمن ما قاموا به من نسخ وتقليد لمدينة «هال شتات» النمساوية التي بنوا نسخة صينية مشابهة لها بمنطقة هويتشو بإقليم جوانجو ونج جنوب الصين تم افتتاحها رسميا في الثاني من يونيو (حزيران) الماضي. 
هال شتات تعرف بكونها أقدم المدن النمساوية وأجملها وتقع بمنطقة سالزكامرقوت بإقليم النمسا العليا. عرفت المدينة قديما كمنجم للملح الذي كانت قيمته تعادل (وقد تفوق) قيمة الذهب في يومنا هذا، فيما تعود أهميتها حاليا لمداخيلها السياحية وجمالها الطبيعي؛ إذ تحدها سلسلة جبال داخشتاين المنشقة عن جبال الألب النمساوية وتواجهها بحيرة هال اشتتر، مما أكسبها مناظر خلابة ومعمارا مميزا وأزقة ومتعرجات وتضاريس وهدوءا ورونقا لا يضاهى، على الرغم من صغر مساحتها وقلة عدد سكانها الذين لا يتجاوز عددهم 946 نسمة. 
وهؤلاء يقومون على تسويقها وتسويق تاريخها أحسن تسويق، مما عاد عليها بشهرة عالمية دفعت منظمة الأمم المتحدة للثقافة والفنون (اليونيسكو) لإدراجها عام 1997 ضمن قائمتها للتراث العالمي. 
بالمقابل، وفي سابقة غير منظورة دفع جمال هال شتات وروعة مناظرها ونجاحها شركة صينية عملاقة «ليس لإعلان توأمة بينها ومدينة بالصين»، وإنما لنسخ صورة طبق الأصل منها وتشييدها في منطقة هويتشو بإقليم جوانجو ونج جنوب الصين معلنين افتتاحها يونيو الماضي. 
وبالطبع أثار السلوك الصيني جدلا وغضبا عارما منذ أن تكشف منتصف يونيو 2011 من أن الشركة مارست ما يوصف بـ«التجسس السياحي» مقدمة على سرقة صور لهال شتات وبيانات طيلة ثلاث سنوات كاملة دون استئذان عمدتها أو سكانها ممن تم نقل واجهات مساكنهم ومواقع محالهم نقلا حرفيا بواسطة فرق صينية مدربة ومؤهلة كانت تتجول في المدينة تصور وتدون وكأنهم مجرد سياح عاديين. 
في سياق آخر لم يجد بعض سكان هال شتات بدا من اعتبار التقليد مفخرة ودلالة على تميز مدينتهم محاولين خلال الأشهر الثلاثة الماضية التأكيد على أن هال شتات المقلدة سوف تشجع على زيارة هال شتات الأصلية للاستمتاع بالأصل وليس الصورة، مولين اهتماما لما فشل الصينيون في نسخه. 
وفي هذا السياق جاء إصرار المرشد السياحي على زيارة بيت العظام مضيفا لأهميته التاريخية أهمية جديدة تتمثل في أنه نجا من التقليد الصيني وليس له مثيل تدمغه عبارة «صنع في الصين». 
يعود تاريخ بيت العظام للفترة من 1720 وحتى 1995 يوم دخلته آخر جمجمة لسيدة توفيت عام 1983 وهو ليس مقبرة بالمعنى المفهوم وإن بني خصيصا لتوفير مكان موقر لحفظ رفات من يوصون بذلك من أهل المدينة والمناطق المحيطة بها ممن لا يرغبون في إعادة تدوير استخدام مقابرهم بسبب صغر مقبرة البلدة، فاتبعوا أسلوبا يقضي بإخراج الجماجم والعظام بعد مرور عقد من الزمان أو أطول قليلا على دفنها وعرضها تحت أشعة الشمس وضوء القمر بعد تنظيفها حتى تصبح رخامية عاجية المظهر، ومن ثم تجميعها وتنظيم رصها داخل بيت العظام أفقيا بسبب ضيق المساحة التي كانوا يؤجرونها كل 25 سنة، ومن ثم يتعين على شخص من العائلة تجديدها تماما كما يتم تجديد أي عقد للإيجار. 
يتم التمييز بين جمجمة وأخرى بما تحمله من معلومات أساسية كتبت عليها وفقا لوصية صاحبها، خاصة تاريخ ميلاده وتاريخ وفاته ووظيفته بالإضافة لتزيينها وزخرفتها، في الأغلب برسومات ذات معنى. 
ومن ذلك تم التزيين بأوراق الغار للنصر، وأوراق البلوط للشهرة، وأوراق اللبلاب للحياة، والورود للحب، وعلى الرغم من تفاوت ثراء ومكانة من وضعت جماجمهم بهذا الموضع، فإنه نجح في المساواة بينهم لوجودهم متراصين داخل ما يشبه متحفا تظلله أجواء روحانية دينية تنجح بدورها في صرف الذهن قليلا عما يعتريه عادة عند رؤية جماجم ضحايا الحروب وما يتكشف من مقابر جماعية بسبب عنف الحكام والطغاة. 
الوصول لبيت العظام يمر عبر طريق دراجي غير ملحوظ يقود للأبرشية القوطية الرومانية الكاثوليكية المنصوبة على الدرج بساحة السوق بمصلى القديس مايكل. وعلى الرغم من أن الموقع «محشور أو خفي» شيئا ما، فإن ذلك لم يقلل من شهرته الواسعة التي هي في طريقها للازدياد، سيما بعد أن تعذر على الصينيين تقليده، فنجا من براثنهم. 
لكن لم ينجُ مبنى الأبرشية ورموزها الدينية من النسخ الصيني، مما أثار نزاعا دينيا تجاهلته الصين ماضية في خططها فرحة بمدينتها الجديدة وكما تقول الأخبار فإن أثرياء غفلة قد تدفقوا لامتلاك منازلها ونمطها الأوروبي.