الهروب من البيت .. لغة صامتة ينسجها الرجل والمرأة
الهروب من البيت له أسبابه ومبرراته ودوافعه السيكولوجية أيضا، وإن كان البعض يراه سلوكا طبيعيا بالنسبة للرجل المولع دوما بالفضاء الخارجي، على عكس المرأة، التي تتسم بطبيعة «بيتوتية» تميل إلى الترتيب ولملمة الأشياء والتفاصيل.
ومن الشكاوى التي تتكرر على لسان العديد من الزوجات هروب أزواجهن من المنزل، وتفضيلهم صحبة الاصدقاء والجلوس في المقهى.
لكن هذه المشكلة لا تمس المرأة فقط، لأن هناك من الرجال من يعاني ايضا من هروب زوجاتهم من البيت تحت اي حجة، وإن كانت نسبتهن اقل.
تشتكي إحدى الصديقات من أنها حين تحتاج الى زوجها في أوقات الأزمات، تبحث عنه خارج المنزل، وإذا حدث وجلس فترة في البيت، فإنه يفضل الاختلاء بنفسه، وفي حال سولت لها نفسها أن تجالسه - لتذيب كتلة الجليد - وتسأله عما به، وماذا ينفره منها ومن البيت، يغضب ويخرج كعادته.
الكاتب السيناريست أسامة أنور عكاشة يعلق بإيجاز على هذا المشهد، قائلا إن السبب هو عدم ضبط نفس الموجة بين الرجل والمرأة.
فإذا لم يتم هذا الضبط قد يقل التفاهم بينهما بمرور السنوات. فالتفاهم أساس كل شيء، وقد لا يحرص أحد الأطراف على وجود جسر للتفاهم، وقد يكون الاختيار غير الموفق منذ البداية سببا للهروب من البيت، لكن - والكلام لا يزال لعكاشة «يجب التفرقة بين عدم التفاهم وبين مرور الزواج ببعض الأوقات الحرجة مثل السنة السابعة من الزواج والمسماة «هرشة السنة السابعة» والتي تكثر بها الخلافات، حسبما تشيع الأعراف والتقاليد».
أما الدكتور أحمد عبد الله مدرس الطب النفسي بجامعة الزقازيق، فيرى أن الرجل يقضي وقته في المنزل إما للراحة أو للترفيه أو لاستكمال عمله، كالمحامين مثلا، وإن لم يتحقق هدفه هذا فسيهرب حتما من البيت، بخاصة إذا كان ضيقا وبه الكثير من الأطفال والضوضاء.
كما هناك حالات اخرى تنفره منه مثل اهتمام المرأة بالأطفال أكثر منه، أو إهمالها لمظهرها وتنمية ثقافتها وعدم إنصاتها له ولاحتياجاته.
لكن السؤال هو هل تعطي هذه الأسباب الرجل الحق في ان يتنصل من مسؤولياته وواجباته ومن دوره من ان يجعل المياه تجري بشكل هادئ؟
يقول عبد الله إن الرجل الذي ينفق كثيرا من أجل إقامة منزل يأوي إليه، أو عانى كثيرا في سبيل تأسيس أسرة لن ينفر من البيت إلا إذا كانت هناك أسباب مهمة.
ويضيف: يجب ان نفرق بين الرجل الذي يصعب إصلاحه وبين الرجل العادي الذي تشوب علاقته بزوجته بعض المشاكل.
هذا الأخير، يمكن للزوجة أن تكسبه لصالحها بسهولة إذا ما تعلمت بعض الأشياء، كأن تطلب منه ما تريد في الوقت المناسب، ومن هنا تتسلل لقلبه وعقله ليس بالشكوى بل بالليونة.
وأكبر خطأ يمكن ان تقوم به أي زوجة هو استفزاز ذكورة الرجل، إذ عليها ان تتجنب تنصيب نفسها معلمة عليه، أو حتى تعطيه الانطباع بذلك. لكن إذا كان هذا عن الرجل، فما سبب نفور المرأة من البيت ورغبتها في الهروب منه رغم انه مملكتها التي تتفنن في الاعتناء به، ورغم طبيعتها «البيتوتية»؟.
يجيب دكتور عبد الله بأن هناك عدة أسباب لذلك منها أن «هناك سيدات لم يتعودن المكوث في البيت، أو قد تكون لديهن كثير من الأعمال والأنشطة الخيرية التي تتطلب وجودهن خارج البيت، وهذا لا يعيبهن إطلاقا، بل هذا نمط عملهن وأسلوب حياتهن، ويجب أن يعرف الأزواج هذا الأمر عنهن منذ البداية ويحترمونه.
كما قد تكون الأسباب هي نفس أسباب نفور الرجل من البيت. فالمرأة أيضا قد تضجر من زوجها حين يكثر من توجيه الأوامر والانتقادات، او حين تشعر بتجاهله لها.
فالكلمة الحلوة لها مفعول السحر بالنسبة للمرأة، وعندما تحرم من الكلام اللطيف والتقدير، تشعر بعدم إحساسه بأهمية دورها، مما يجعلها تبحث عنه في مكان آخر، قد يكون مع الصديقات أو مع الأهل أو بانغماسها في العمل.
المرأة بطبيعتها تحتاج دائما إلى من ينصت إليها ويشعرها بأنه يحبها ويتفهمها. وعندما تتكلم المرأة وتشتكي لزوجها، فإن كل ما تريده منه أن يسمعها ويشعر بما تعانيه، لكن عندما تكون ردة فعله قوية، وعوض ان يسمعها كلمة طيبة يصرخ في وجهها متذمرا: «ماذا تريدين أن أفعل لك؟» فإنها تشعر بعاصفة من البرد تحتويها وتزعزع كيانها واستقرارها.
لهذا من الضروري أن يشعر الزوج زوجته بأنها كل شيء في حياته، فإن لم يحدث تقدير منه لها، خاصة مع تغير دورها في عصرنا الحالي، ومعاناتها اليومية بعد أن اصبحت تتحمل مسؤوليات كثيرة داخل البيت وخارجه إذا كانت عاملة، فإنها تنفر منه ومن البيت ككل.
ومما لا شك فيه ان خروجها للعمل منحها نوعا من الاستقلالية المادية مما يؤدي أحيانا إلى تهميش دور الرجل بحياتها إذا لم يكن يقدرها وفشل في احتوائها واحتواء مشاعرها.
ويشير الدكتور عبد الله إلى نقطة اخرى، وهي عندما تعيش المرأة مع أم وأهل الزوج، وتعاني من إلقائهم كل الأعباء عليها، وتوجيه انتقادات دائمة، فإنها حتما ستفضل قضاء وقتها خارج المنزل في أي نشاط يجعلها مكرمة ومع أي أشخاص يشعرونها بمحبتهم لها.
أيضا ربما تفتقد المرأة جو الترفيه داخل المنزل، مما يدفعها إلى الخروج للتسوق لسبب او لغير سبب، أو ممارسة الرياضة، أو مجالسة الصديقات.
فالملل عامل لا يصيب الرجل وحده، بل المرأة ايضا. ويخلص الدكتور عبد الله: «هناك شيء مهم يجب أن أختم به، هو أن المرأة التي تتحمل عبئا كبيرا من الأعمال المنزلية والاهتمام بالاسرة، إلى جانب عملها خارج البيت، يكون خروجها من البيت وهروبها منه للراحة رفاهية لا تقدر عليه ولا يسمح بها وقتها، فيأخذ هروبها اشكالا اخرى مثل النوم كلما سنحت الفرصة. فالهروب يأخذ اشكالا كثيرة».