رضية سلطانة .. أول حاكمة مسلمة في جنوب آسيا

رضية سلطانة .. الإمبراطورة التي حكمت دلهي وفي الصورة قبر السلطانة رضية
رضية سلطانة .. الإمبراطورة التي حكمت دلهي وفي الصورة قبر السلطانة رضية

قبر في دلهي القديمة، ليست له قبة ولا يوجد حوله زحام.. هذا ليس مكانا لملكة.. هنا ترقد «رضية سلطانة»، الإمبراطورة الرابعة من سلالة الرقيق التي حكمت دلهي في الفترة ما بين عامي 1210 و1526 ميلادية.
كانت رضية، وهي من سلالة المسلمين ذوي الأصول التركية الذين غزوا الهند في القرن الحادي عشر، هي المرأة الوحيدة في التاريخ التي تم تتويجها بسلطنة دلهي وأول حاكمة مسلمة أيضا في جنوب آسيا.
حكمت رضية قرابة ثلاثة أعوام ونصف (1236 - 1240). وعلى الرغم من أنها قامت بإصلاحات مهمة في الحكومة، فإنها لم تستطع في النهاية التوفيق بين كونها امرأة مسلمة وطبيعتها بصفتها حاكمة. تعد رضية أيضا من أكثر الشخصيات الرومانسية في تاريخ دلهي نظرا لعلاقتها مع عبد حبشي.
وبصفتها حاكمة، رفضت أن يطلق عليها لقب «سلطانة»، لأن الكلمة تعني «زوجة أو شريكة السلطان»، وأصرت أن يطلق عليها لقب «سلطان».
يقع قبر رضية البسيط بين الأزقة الضيقة في مدينة دلهي القديمة شمالي الهند. من الواضح أن القبر قد عانى من ويلات الزمن، حيث إنه متهدم ومغطى بالغبار والأوساخ.
تحيط مجموعة من المباني السكنية غير الجذابة بالقبر من جميع الجهات. وضع بعض الأشخاص، الذين تعدوا على المكان، قطعا بلاستيكية حول القبر وبدأوا يعيشون فيه، محولين القبر إلى حي حضري.
كان موقع القبر في القرن الثالث عشر عبارة عن غابة، ولا يعلم أحد كيف انتهى جثمان رضية إلى حيث ترقد اليوم. وعلى الرغم من أن هناك قبرا آخر بجوار قبر رضية، فإنه لا يعرف أحد هوية صاحب هذا القبر. قام بعض السكان المحليين بتحويل هذا القبر إلى مكان للعبادة، تقام فيه الصلوات الخمس كل يوم. 
كانت رضية سلطانة موهوبة وحكيمة وشجاعة ومديرة ممتازة ومحاربة عظيمة تم تدريبها على قيادة الجيوش وإدارة الممالك إذا اقتضت الضرورة. ولدت في عام 1205 لشمس الدين التمش، سلطان دلهي.
شعر الأب بسعادة غامرة لمولد ابنته وأمر بإقامة احتفالات كبيرة بمولدها، لأنها أولى بناته بعد أن رزق بالعديد من الأولاد. اشترك الأب في تعليم وتدريب ابنته بنفسه وعندما بلغت رضية عامها الثالث عشر، أصبحت رامية وفارسة بارعة وصاحبت أبيها في ما بعد مرات عديدة في حملاته العسكرية.
استمر التمش في الحكم 26 عاما، عزز فيها السيطرة التركية على شمال الهند وأدخل إصلاحات مهمة في سلطنة دلهي، بما في ذلك النظام الملكي والطبقة الحاكمة والعملة، وخلف وراءه إرثا كبيرا باعتباره راعيا للفنون. 
كان التمش كثيرا ما يردد: «ابنتي أفضل من العديد من الأبناء». وعندما كان منشغلا بحصار حصن غواليور، عهد التمش لرضية برئاسة الحكومة في دلهي. وعند عودته، انبهر بأدائها لدرجة أنه قرر تعيينها خليفة له. 
وبينما كان يتم إعداد مرسوم بتسمية رضية ولية للعهد، عبر العديد من النبلاء عن تحفظهم على تلك الخطوة. وتجاهل التمش كل تلك الاعتراضات قائلا: «إن أبنائي منغمسون في متع الشباب ولا يمتلك أي منهم القدرة على إدارة شؤون البلد. سيدرك الناس بعد موتي أنه لم يكن أي من أولادي صالحا لخلافتي أكثر من ابنتي رضية».
وبعد موت التمش، تجاهل النبلاء وعلية القوم في المملكة وصيته وقاموا بتنصيب ابنه ركن الدين فيروز شاه على عرش دلهي. وعلى الرغم من ذلك، فإن الملك الشاب، بعد أن تولى مقاليد الحكم، هجره ساعيا وراء الملذات الحسية والأهواء الماجنة. ثار غضب المواطنين عندما رأوه يركب فيلا عبر الأسواق ملقيا بالعملات الذهبية التي قام المارة بالتقاطها في صخب.
وفي كتابه «طبقات الناصري»، قال المؤلف منهاج سراج: «أصبح الملك عبدا للمجون والفجور». مهد هذا الموقف الطريق أمام تدخل تركان شاه، أم الملك، التي كانت امرأة شديدة الغيرة والاستبداد، حيث بدأت في تنفيذ مخطط للقضاء على جميع المنافسين المحتملين على العرش. 
كان الضحية الأولى هو الأمير الصغير قطب الدين، الذي أعدم بطريقة وحشية، وتبع هذا محاولة فاشلة لقتل رضية. قررت بعدها رضية توجيه ضربة مضادة.
وفي يوم جمعة، ارتدت رضية ثوبا أحمر، وهو تقليد يتبعه كل مظلوم، وذهبت إلى المسجد وناشدت المصلين المجتمعين في المسجد باسم أبيها أن يساعدوها ضد المخططات الشريرة التي تحيكها لها زوجة أبيها. 
كتب ابن بطوطة أن خطبتها قد أثارت مشاعر الناس بشدة لدرجة أنهم قاموا باحتلال القصر الملكي وخلع الملك وتنصيب رضية لتكون الإمبراطورة الجديدة كما أراد أبوها.
لكن الطريقة التي وصلت بها إلى السلطة أثارت حنق النبلاء الأتراك بشكل كبير، واعتبر هؤلاء النبلاء أنفسهم صانعي الملوك، ولكن في حالة رضية، قام عامة الشعب بتنصيبها على العرش.
واستشعارا للمزاج العام، أدى بعض منهم قسم الولاء لرضية، بينما تمرد الآخرون عليها وفرضوا حصارا على مدينة دلهي. لم يستمر حكم رضية طويلا، حيث فقدت حياتها في النهاية ضحية لمؤامرة حيكت ضدها. 
وكانت رضية على علاقة هامشية بالنساء، لذا لم تتعلم تقاليد سلوك النساء في المجتمع الإسلامي الذي ولدت فيه. وحتى قبل أن تصبح سلطانة، كانت دائما مشغولة بشؤون الولاية في عهد أبيها.
وبصفتها سلطانة، كانت رضية تفضل ارتداء الأردية الطويلة وأغطية الرأس الخاصة بالرجال. وخلافا للتقاليد، قامت رضية في ما بعد بإظهار وجهها عندما امتطيت فيلا على رأس جيشها خلال إحدى المعارك. 
أثبتت رضية بكل المقاييس صواب إيمان أبيها بها. فقد كانت شديدة الدهاء، ومع كل جمالها الأنثوي، كانت حاكمة مستبدة أبقت النبلاء في أماكنهم. كان الجيش والشعب في دلهي موحدين خلف الملكة.
حشدت رضية كل الدعم الذي تستطيع حشده لمواجهة انقلاب العديد من حكامها الأقوياء ضدها. وأثبتت رضية حكمتها الكبيرة خلال تعاملها مع هؤلاء الحكام. لقد لعبت معهم مباراة من الخداع السياسي التي أدت بعد وقت قصير إلى قيام هؤلاء المتمردين بمحاربة بعضهم بعضا.
وعلى الجبهة العسكرية، هزمت رضية أحد أهم قادة المتمردين وهو الوزير محمد جنيدي بطريقة جعلته يترك السياسة. كما استطاعت سريعا كسب معظم النبلاء الباقين إلى صفها. 
بيد أنه لم يكن هناك شيء يستطيع إيقاف السلطان رضية عن أن تصبح أحد أهم الحكام في تاريخ سلطنة دلهي، باستثناء الحب. فقد كان الأمر الوحيد الذي أساء إليها هو علاقتها بعبدها جلال الدين ياقوت.
وعلى الرغم من حدوث تلك العلاقة خلف العديد من الأحجبة والأبواب، فإنه لم تعد علاقتهما سرا في بلاط دلهي، حيث قامت رضية بتعيينه في وظيفة المشرف على الإسطبلات.
إن فكرة علاقة امرأة من أصل تركي خالص بعبد آشوري هددت احتكار طبقة النبلاء الأتراك للحكم. وفي نهاية المطاف، قام صديق طفولة رضية، مالك ألتونيا، حاكم بهاتيندا، بالانضمام إلى المتمردين من حكام الأقاليم الأخرى الذين رفضوا قبول سلطة رضية. 
نشبت معركة بين رضية وألتونيا، وتم قتل ياقوت وأسر رضية. ولإنقاذ حياتها، اتخذت رضية قرارا معقولا بالزواج من ألتونيا، وبمساعدته، حاولت مرة أخرى استعادة عرشها.
انهزمت رضية أمام النبلاء الأتراك واضطرت إلى الفرار بعيدا. وقام مزارع كان قد قدم لها الطعام والمأوى أثناء هروبها من أعدائها بقتلها وهي نائمة.. ماتت رضية عام 1240. 
ونالت فترة حكمها القصيرة الكثير من المديح من قبل مؤرخين مثل مينحاج وباراني وفيريشتا. وبعد إشادتهم بصفاتها العظيمة، اتفق المؤرخون على أن «الرجال الحكماء لا يجدون فيها عيبا سوى أنها امرأة».
من الصحيح أن رضية كانت ضحية للظلم المنتشر في هذا العصر، ولكنها أثبتت بشكل كبير أن لديها قدرات بصفتها حاكمة، أكثر بكثير من كل الرجال الذين خلفوها. 
ملصق فيلم أنتجته بوليوود حول السلطانة رضية    
ونظرا لكونها أول ملكة في سلطنة دلهي، كانت السلطانة رضية موضوعا للعديد من الأساطير. هناك رواية خيال تاريخي بعنوان «رضية ملكة الهند» وهي مأخوذة عن حياة السلطانة الحقيقة ألفها رفيق زكريا عام 2000. وظهرت رضية أيضا في مقاطع فكاهية على الإنترنت بعنوان «السلطان رضية» لحليمة فويليس.
 
وفي هذه الكوميديا، تظهر رضية على أنها سلطانة تتعامل مع النبلاء الأتراك الساخطين وتحاول كسب ود أخويها ركن الدين وميوز وأختها شازيا وحبيب طفولتها ألتونيا.
لدى السلطانة لقب خاص في سلسلة الكتب الكوميدية الهندية وهو «عمار شيترا كاثا». كذلك، كانت أيضا موضوعا لفيلم ناطق باللغة الأردية تم إنتاجه عام 1983 بعنوان «رضية سلطانة» من بطولة نجمة هوليوود الأولى في الماضي هيما ماليني في دور «رضية» والرجل الخارق دارمندرا في دور «جمال الدين ياقوت».