عندما تصيب الألوان وقطع الأثاث مصمم الديكور بالحساسية
12:00 ص - الأحد 11 مارس 2012
سبب حساسية بعض المصممين من المقاعد والأرائك أنها برجوازية بالنسبة لهم ولا يرون داعيا لها و عندما سافر تاركا شقته لصديق فنان، فوجئ بأن هذا الأخير جلب أريكته وطاولة سفرة ومقاعد وقام بطلاء كل شيء باللون الأبيض بالكامل حتى مشغل الـ «دي في دي» وصندوق الكابلات و كلاوس بيسنباخ، مدير «بي إس1» في شقته بنيويورك.
تبدو شقة ووتر بيري مرتبة بشكل مثالي لا غبار عليه على كل الأصعدة، والأمر لا يقتصر على ترتيب الكتب ذات الأغلفة السوداء أو الرمادية أو البيضاء في صفوف أفقية منظمة، أغلبها لفنانين مهتمين بالترتيب وعمل الشبكات والخرائط أو مهووسين بتنظيم الزمان والمكان، بل يصل إلى كون كل قطعة أثاث سواء كانت الأريكة أو المقاعد إما سوداء وإما رمادية وإما بيضاء، بما في ذلك اللوحات المعلقة على الجدران ذات اللون الرمادي والحواف البيضاء. أكثر تلك الأعمال الفنية، مثل لوحة بيتر فاغنر، أقرب صديق لووتر بيري، عليها كتابة باللون الأسود على خلفية بيضاء تعود إلى فترة الأربعينات.
كذلك هناك مستوى أعمق من «المثالية» في هذه الشقة التي تتكون من غرفة نوم كبيرة بالقرب من سنترال بارك ساوث، وهو متمثل في النظام الذي يجبر ووتر بيري على ترتيب مقاعد السفرة في صفوف منظمة على أحد جانبي لوحة الخط لفاغنر، لا حول المائدة حتى تتناسب مع الكلمات.
قال ووتر بيري وهو يصطحب أحد زائريه إلى ما يسميه الجزء اللطيف من شقته، وهي بمثابة نقطة مراقبة تقع وسط الكتب واللوحات والمقاعد المصفوفة والإطار الخشبي الرقيق للوحة أخرى من لوحات فاغنر: «إذا وقفت هنا، يمكنك رؤية الإطار الخشبي للوحات وتشعر بالصلة التي تربطه بمقاعد السفرة. أحب ذلك كثيرا».
بات من الواضح الآن مدى تطلع ووتر بيري، المدير الإبداعي في وكالة «ويدين كيندي» للإعلانات منذ 16 عاما، قبل أن يبدأ عمله الخاص منذ عامين، للكمال.
إنه مصمم يتطلع للكمال ونوع فريد من البشر يسعى لأن يكون منزله أنيقا ومرتبا لا يتبع الموضة والنمط السائد. وتعد تلك القواعد أقرب إلى مدرسة التصميم التي تفضل عددا قليلا من الأثاث وإن لم يكن هذا بشكل ثابت.
وهو ليس وحده من يعانق هذا الاتجاه، فهناك غيره ممن يحب عدم وجود أي قطع أثاث لحساسيتهم تجاه «الصخب المرئي للأشياء» بوجه خاص مثل كالوس بيسنباخ، مدير «بي إس 1»، المعادل لمتحف الفن الحديث في لونغ أيلاند بكوينز.
عاش بيسنباخ خلال السنوات الخمس الماضية في شقة شبه فارغة من الأثاث في سيوارد بارك، المجمع التعاوني السابق في لوير إيست سايد. ولم يكن هناك سوى كنبة وجهاز تلفزيون. بعد أن نشرت مجلة «دبليو» مقالا عن ديكور شقته منذ ثلاث سنوات، عانى من مداهنات الأصدقاء الذين ظلوا يحاولون شراء الأثاث له.
وعندما استضافته قناة «سي بي سي» في برنامج إخباري صباحي بعد ذلك بفترة قصيرة، وصل مراسل بباقة زهور أملا في استفزاز بيسنباخ بهذه اللفتة، وبالفعل نجح في ذلك.
ولأنه كثير الأسفار سمح في الصيف الماضي لصديق فنان بالإقامة في شقته بسبب انهيار سقف المرسم الذي كان يقيم فيه في شهر يوليو (تموز) بسبب الأمطار الشديدة.
وعندما عاد بيسنباخ وجد منزله مختلفا تماما، فقد جلب الفنان أريكته وطاولة السفرة والمقاعد وقام بطلاء كل شيء باللون الأبيض بالكامل حتى مشغل «الدي في دي» وصندوق الكابلات.
رد فعل بيسنباخ المتوقع أن يشعر بالغضب، لكنه على العكس من ذلك أصيب بالذهول، لكنه أيضا «شعرت بحاجتي إلى الاسترخاء قليلا»، حسب قوله.
صحيح أن مشغل الـ «دي في دي» والميكرويف وماكينة عمل القهوة الإسبريسو توقفوا عن العمل، لكن هذا لم يزعج بيسنباخ بقدر ما أثارت الأريكة حفيظته. في اليوم التالي أخذ يحوم حولها كقط يتعرف على كلب صيد يسيل لعابه.
وقال: «أشعر بأنني في حال جيدة، يمكنني تخيل شراء أريكة بنفسي. إنها بيضاء مما يجعلها غير مرئية إلى حد ما، فهي مثل الدب القطبي وسط مشهد يغلب عليه اللون الأبيض.
ولهذه الأريكة قصة هي الأخرى، فهي أكثر من مجرد قطعة أثاث... وهذه القصة تشجع على التخلص منها لأن لكل قصة نهاية. سوف أتخلص منها ذات يوم، وقد أجلب الأريكة التي أريدها». هناك معماري آخر مناهض للأرائك هو جون باوسون الذي أرغم على اقتناء أريكة من فترة ليست بالقصيرة.
ويقدم باوسون، الذي صمم مساحات شاسعة من الفراغ لكالفين كلاين، ورهبان من بوهيميا، وأخيرا متحف التصميم في لندن، كما أنه مؤلف «طراز قطع الأثاث القليلة» الذي يعد بمثابة دليل للباحثين عن الكمال.
يذكر في كتابه الصفات السامية للغرفة الفارغة، وتظهر في صور فوتوغرافية التقطت لمنزله في «نوتينغ هيل» غرفة معيشة ليس بها سوى مقعد دنماركي وأريكة من الحجر. ويجعلك هذا تشعر بالقلق على زوجته وأطفاله.
ومثل الكثير من أمثاله، وقع باوسون في غرام إنسانة لا تشبهه إطلاقا وهي كاثرين، مصممة الديكور الداخلي مولعة بكثرة قطع الأثاث، كانت تعمل لدى شركة «كوليفاكس أند فاولر» الإنجليزية للتصميم، التي تشتهر بالبهرجة والزخرفة.
تعلق: «لقد كان الحديث عن حياة مشتركة تجمعنا بمثابة دعابة، لكن أعتقد أنه من المستحيل أن يعيش اثنان باحثان عن الكمال معا، لكن هذا لا يمنع أن على أحدنا تقديم بعض التنازلات، وهو أمر سهل بالنسبة إلي، وصعب بالنسبة إلى جون».
ووصفت حياتها في منزل باوسون قائلة: «لا يوجد شيء كامل أبدا، فهذا يؤدي إلى تجمد الموقف ويجعل الحياة غير مثالية إطلاقا». بعد الانتهاء من العمل في منزلهما تذكرت سؤالها لزوجها عن صنابير الحمام، فأخبرها أنه يصممها بنفسه، وهو ما جعلها تشعر بالإحباط لعلمها أن هذا قد يستغرق عاما كاملا.
وقالت إنه ينتهج السلوك نفسه في الملابس، حيث لا يبدو أي شيء مثاليا بالنسبة إليه، لذا يظل يرتدي نفس المعاطف رغم قدمها. وتضيف: «عندما نسافر يكون علينا تغيير غرف الفنادق ثلاث مرات لأن زاوية الرؤية لا تكون مناسبة.
ويحدث هذا في الطائرات أيضا». عن أسلوبها تقول: «أحب الأثاث وأحب أن يكون المنزل ممتلئا بالأشياء، لكن في النهاية لم أحظ سوى بأريكة واحدة بعد عشرين عاما من الزواج». مع ذلك تمتع ابناهما بأوقات سعيدة خلال فترة نشأتهما، فالغرف الفارغة رائعة للعب بألواح التزلج.
لماذا تثير الأريكة غضب هؤلاء؟ يجيب باوسون على هذا السؤال قائلا: «المقاعد والأرائك برجوازية ولا أرى سببا لاقتنائها، فإذا كنت تريد أن تستلقي لِم لا تذهب إلى السرير؟».
تقول كاثرين: «بالطبع أجيد استخدام أرائك الآخرين، فحماتي لديها أريكة مذهلة. وأصبح لدينا أريكة نحن الآخرين من تصميم بيير جينريت بلون الحجر بالضبط. إذا سألتني إن كانت سعادتي الزوجية أهم من اقتناء الأريكة أم لا، سأخبرك أن سعادتي الزوجية هي الأهم».
مع ذلك قد يكون باوسون شخصية مرحة، حيث يصف كتابه الجديد، وهو مجموعة من الصور التي التقطها لأشياء كانت مصدر إلهام له، بأنه «تأمل لما هو داخل هذا المخ الذي يتسم بالفوضى».
وسيصدر كتاب «المخزون المرئي» في مارس (آذار) عن دار نشر «فايدون» ولا يحتوي على أي صور لأرائك، لكن يوجد به الكثير من سلال المهملات. وقال: «لقد قال لي الرهبان إن الكمال لله وحده».
ويرى راندي فروست، أستاذ الطب النفسي في سميث كوليدج ومؤلف مشارك لكتاب «أشياء: إدمان تكديس الأشياء ومعناها»، أن هذا السلوك يجمع بين عدم القدرة على حسم الأمور والمثالية التي تتمثل في «الحساسية الإدراكية المفرطة تجاه التفاصيل المرئية». يرى محبو تكديس الأشياء معاني في تلك الأشياء، وهو ما يمنحهم الشعور بالمتعة مما يجعلهم أسرى لهذا النمط السلوكي.
يتم النظر إلى التطلع إلى الكمال من الناحية الطبية على أنه أمر سلبي، كما يوضح جيف سيزمانسكي، المدير التنفيذي لمؤسسة «أو سي دي» الدولية في بوسطن ومؤلف «دليل المتطلعين للكمال: خاطر وتلقَّ النقد وتعلم من أخطائك».
ويضيف: «أوضح في هذا الكتاب أن كل سلوك له جوانب سلبية وإيجابية، وأن من تعريفات المثالية وضع وتحقيق معاييرك الشخصية، وهو أمر محمود». وأوضح أن هدفه هو جعل القارئ «مثاليا على نحو أفضل»، محاولا أن يخرج الكثير من الخيوط من سلوك يراه معقدا ومثيرا للانتباه.
واستخدم سيزمانسكي مثاليته بحكمة، حيث يصنع 23 لوحة بيضاء في مكتبه مصطفة مثل جنود على أحد الرفوف، لكن يستطيع أن يرى ما وراءها ويخبرك ماذا يوجد في كل منها.
إنه ناجح في مهنته وحصل على الكثير من الشهادات وتقلد الكثير من المناصب الهامة، وكذلك لديه منزل مرتب به عدد محدود من قطع الأثاث التي تعود إلى طراز منتصف القرن، انتقاها لأنها تنتمي إلى النمط المحافظ ومرتبة بشكل يتسم بالتماثل. مع ذلك لا يزال أصدقاؤه يستفزونه.
في النهاية، يبدو التطلع إلى الكمال، على الأقل بالنسبة إلى البعض، أمرا إيجابيا يحض على التطور ومرحلة ينبغي أن يمر المرء بها في مرحلة من حياته.