تداعيات واسعة في أميركا لأبحاث متلازمة التعب الارتجاعية

لغط ومشكلات وصلت إلى حد السجن وفي الصورة مبنى المركز الطبي التابع لجامعة ولاية نيويورك ود. جودي ميكوفيتس العالمة السابقة في معهد الأبحاث الوطني
لغط ومشكلات وصلت إلى حد السجن وفي الصورة مبنى المركز الطبي التابع لجامعة ولاية نيويورك ود. جودي ميكوفيتس العالمة السابقة في معهد الأبحاث الوطني

عندما ذكر العلماء في عام 2009 أن فيروسا ارتجاعيا في الفئران غير معروف موجود في عدد كبير من الأشخاص المصابين بمتلازمة التعب المزمن، مما يثير احتمالية كونه السبب في هذه الحالة، تصدرت هذه الأنباء عناوين الصحف على مستوى العالم.
وبدت هذه النتائج، الصادرة عن مركز أبحاث غير معروف، معهد ويتمور بيترسون لأمراض الأعصاب والمناعة في رينو، بولاية نيفادا، بالنسبة للكثير من المرضى اليائسين في الحصول على إجابات، هدية من السماء.
ومن هؤلاء هايدي باور (42 سنة)، وهي أم لثلاثة توائم في هنتنغتون بولاية ماريلاند، تعاني من متلازمة التعب المزمن منذ العشرين من عمرها، وحول هذا الموضوع قالت معلقة: «أذكر أنني عندما قرأت الخبر، ابتهجت كثيرا، واعتقدت أن ذلك يعني العلاج، وأنني سأتمكن من اللعب مع أطفالي، وأن أكون هذا النوع من هذه الأمهات التي أردت أن أكون». 
يومذاك أمطر المرضى الثناء على الباحث الأساسي، الدكتورة جودي ميكوفيتس، العالمة السابقة في معهد الأبحاث الوطني. وأرسلوا تبرعات ضخمة وصغيرة إلى المعهد، الذي أسسه هارفي وآنيت ويتمور، الزوجان الثريان وذوي النفوذ السياسي في نيفادا، أملا في مساعدة ابنتهما، التي أصيبت بالمرض.
وبدافع الأمل في علاج مرضهم، بدأ بعض المرضى تعاطي الأدوية المضادة للفيروسات المستخدمة في علاج مرض نقص المناعة المكتسب (إيدز)، والفيروسات الارتجاعية المرتبطة بفيروسات ابيضاض الدم الفأري، موضع الاتهام في حدوث ملازمة التعب المزمن. 
بيد أن آمال هؤلاء المرضى عانت في الآونة الأخيرة من انتكاسة غير عادية. ففي تحول علمي، يحمل ذات الدرامية والغرابة، كما هو الحال في البحث الأخير، جرى تكذيب النتائج بشكل رسمي، إذ تعذر في أعقاب سلسلة الدراسات التي أجريت بعد ذلك تأكيد ما توصلت إليه دراسة ميكوفيتس.
وعزا معظم العلماء النتائج الأولية إلى تلوّث في المختبر. وفي أواخر ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه، سحبت الدراسة الأصلية، التي نشرت في دورية «ساينس جورنال»، ودراسة أخرى تدعمها، بعد أيام من نشرهما. 
ومع نشر الأدلة على تداعي هذه الافتراضات، اندلعت ميلودراما قانونية قوية، وشعر المرضى والكثير من أفراد المجتمع العلمي بالفزع، وطغت عليهم حالة من الإحباط، حتى إن الدكتورة ميكوفيتس تعرضت للسجن لفترة قصيرة في ولاية كاليفورنيا، على خلفية اتهامات بالسرقة من قبل المعهد.
وأعرب فرد فريدبيرغ، الأستاذ في المركز الطبي التابع لجامعة ولاية نيويورك - ستوني بروك ورئيس الاتحاد العالمي لمتلازمة التعب المزمن، وهي مؤسسة علمية، عن دهشته لوصول الأمور إلى هذه النقطة. وتابع «إنه لكشف محزن حقا عن شيء ربما كان سيولد اتجاها كاملا في هذا المرض». 
ولكن على الرغم من الجدل، تشرف الدكتورة ميكوفيتس الآن على بعض الأعمال المخبرية كجزء من دراسة كبيرة ممولة من قبل الحكومة، ويقودها الدكتور إيان ليبكين، أستاذ الفيروسات في جامعة كولومبيا بنيويورك.
ولقد أجريت الدراسة قبل سحب الدراستين لدراسة الرابط المتوقع بين متلازمة التعب المزمن والفيروس الارتجاعي للفئران. ولا يزال الأمل يحدو الدكتورة ميكوفيتس في أن تكرّر نتائجها الأولية، في حين ما زال كثرة من المرضى يؤمنون بشدة بافتراضاتها، ويتوقع أن تظهر نتائج الدراسة في بداية العام الحالي. لكنها لم تستجب لطلبات التعليق. 
اليوم هناك ما يقرب من مليون شخص في الولايات المتحدة يعانون من متلازمة التعب المزمن، التي تتمثل أعراضها في الإرهاق الشديد، وتضخم الغدد الليمفاوية، والتهاب الحلق، أو اختلال الوظائف المعرفية وأعراض أخرى.
ويعتقد الخبراء الآن بشكل عام أن واحدا أو أكثر من العوامل المعدية، أو ربما التعرض للسموم، يطلق استجابة مناعية نشطة ومستمرة، وهو السبب المتوقع لكثير من الأعراض. 
وعلى الرغم من دراسة «مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية» للمرض في منتصف الثمانينات، لم تتمكن الوكالة من العثور على السبب، أو تحديد المؤشرات الحيوية أو الاختبارات التشخيصية، أو تطوير علاجات فعالة.
مع الإشارة إلى أن المرضى قد دأبوا على توجيه الاتهامات إلى المجتمع الطبي والعلمي بالإهمال والتخاذل، بل إن كثيرين منهم قالوا إن «مركز السيطرة على الأمراض» تعامل بشكل كبير مع مرضهم كحالة نفسية أو حالة مرتبطة بالإجهاد. 
وفي عام 2010، على سبيل المثال أثار بحث من الوكالة غضب المرضى بنتائجه بأنهم يعانون بشكل غير متناسب من الفصام وجنون العظمة، والانطوائية، واضطرابات الشخصية والوسواس القهري والاكتئاب.
وبدا أن بحث الدكتورة ميكوفيتس، الذي أجري بالتعاون مع مؤسسة مشهود لها بالكفاءة مثل معهد السرطان الوطني ومستشفى كليفلاند، سيبرر مخاوف الكثير من المصابين بهذه الحالة.
وقال العلماء إنهم عثروا على أن 67 في المائة من المرضى الذين تم جمعهم كعينة أصيبوا بفيروس الفأر، الذي يسمى «إكس إم آر في»، مقارنة بأربعة في المائة من المجموعة الضابطة. 
واسترعى نشر بحث الدكتورة ميكوفيتس الانتباه في الحال، مع أن الكثير من هذا الانتباه غير سار. وسرعان ما نشرت دراسات من قبل علماء يشككون في هذه النتائج وأصدرت مجلة «ساينس» في البداية بيانا عن مخاوفها، ثم قامت بسحب جزئي للدراسة الأصلية.
ولكن، وعلى الرغم من النقاش العلني لعملها، فإن الدكتورة ميكوفيتس الصريحة والمشاكسة أثارت الاندهاش بين علماء آخرين عندما قالت في مؤتمر إن فيروسات لوكيميا الفئران ربما تكون مسؤولة عن الإصابة بمرض التوحد. 
وربما كان الأمر الأكثر إثارة للقلق شروع المختبر التجاري المرتبط بمعهد ويتمور بيترسون، في تسويق اختبارات فيروس «إكس إم آر في»، الذي هو السبب المفترض لمتلازمة التعب المزمن، بتكلفة مئات الدولارات.
وقد أغضب هذا العمل الكثير من المرضى ما إن أدركوا أن النتائج ربما تكون بلا قيمة. ووسط هذا القلق المتصاعد، تركت الدكتورة ميكوفيتس موقعها كمديرة للأبحاث في المعهد في نزاع حول ممارسة الإدارة والسيطرة على مواد البحث.
وقاضى المعهد ميكوفيتس متهما إياها بسرقة حاسبات محمولة وممتلكات. مع العلم أن الدكتورة ميكوفيتس سجنت في جنوب كاليفورنيا، حيث تعيش، وتعرضت للحبس لعدة أيام، واتهمت بأنها هاربة من العدالة. 
غير أن الدكتورة ميكوفيتس، بعد انفصالها عن المعهد، أنكرت الحصول على المواد المعملية المفقودة، بينما جاء في أقوال موظف المختبر ماكس بيفوست، أنه أخذ أغراضا بناء على طلبها وأنه أخفى الحاسبات في مرأب والدته في سباركس بولاية نيفادا، قبل التحول إلى ميكوفيتس. 
وفي إحدى المراحل أشار بيفوست في إفادته: «أخبرتني ميكوفيتس أنها كانت تختفي على قارب حتى تتجنب تسلم أوراق الدعوى من معهد ووستر البوليتكنيكي (الجامعي في ماساتشوستس). وكانت بعض أغراض المعهد قد أعيدت بعد ذلك». 
وفي ديسمبر (كانون الأول) حكم القاضي ضدها في القضية المدنية، ولا تزال القضية الجنائية معلقة. وستعقد جلسة استماع أخرى في القضية المدنية في أواخر فبراير (شباط)، لكن في أواخر يناير (كانون الثاني)، اتهمت عائلة ويتمور نفسها باختلاس ملايين الدولارات في القضية التي رفعها شركات ويتمور في شركة العقارات.
وتصر عائلة ويتمور، الذين رفعوا دعوى مضادة، على براءتهم من تهم الاختلاس، وأوضحت آنيت ويتمور في رسالة بريد إلكتروني أن أبحاث المعهد ستتواصل. 
ربما يكون للأحداث التي وقعت خلال العامين الماضيين، على الرغم من الإحباط الذي أصاب مرضى متلازمة التعب المزمن، جانب مشرق، فالبحث الذي أجري على المرض، والذي جرى تمويل الجزء الأكبر منه عبر تبرعات شخصية، ما زال مستمرا. 
فقد أنشئ مركز أبحاث وعلاج في مستشفى ماونت سيناي في نيويورك. واستثمرت مؤسسة عائلة هوتشينز 10 ملايين دولار في الدراسات الخاصة بمتلازمة التعب المزمن، في محاولة للعثور على الأسباب والعلاجات، حتى إنها استقدمت باحثين كبارا من جامعات كولومبيا وهارفارد وديوك المرموقة والمؤسسات البحثية الأخرى.
ويقول جون كوفين، أستاذ البيولوجيا الجزيئية في جامعة تفتس، بضواحي بوسطن: «لقد ظل المرض متواريا عن الأنظار في المعهد الوطني للصحة، ومركز مكافحة الأمراض ولم يلق له علماء آخرون بالا.. لكن هذه الدراسة هي التي أعادته إلى الأذهان».
وأشار الدكتور كوفين، الذي دعم في بادئ الأمر نظرية الفيروس الارتجاعي لكنه نقضها فيما بعد، إلى أن المرض يبدو أن له سمات تشير إلى أصول معدية. 
وعلى الرغم من المعوقات الشخصية والمهنية التي واجهت الدكتورة ميكوفيتس، فإن كثرة من المرضى مثل السيدة سولومون، لا تزال تعتقد أن الفيروسات الارتجاعية هي السبب في مرضهم.
وتقول سولومون: «لكن حتى وإن لم تثبت صحة أبحاثها الخاصة بالفيروس الارتجاعي، فإن عملها والدعاية التي وجهتها نحو مرضنا، غيرا المشهد إلى الأبد».