الدليل الكامل لأسباب وعواقب الاضطراب المزاجي الخفيف ما بعد الولادة
12:00 ص - الأحد 4 مارس 2012
تمر معظم الأمهات بأعراض «اضطراب مزاجي خفيف ما بعد الولادة» (Baby blues) خلال الأسابيع القليلة الأولى ما بعد الولادة. وفي المعتاد تزداد حدة أعراض مثل القلق وتهيج الأعصاب والبكاء في اليوم الرابع أو الخامس بعد الولادة، ثم لا تلبث أن تخبو من تلقاء نفسها خلال أسبوعين.
إلا أن بعض الأمهات من صاحبات الحظ العثر يصبن بـ«ذهان ما بعد الولادة» (Postpartum psychosis)، ويعتبر هذا نوعا من الاضطرابات النادرة وشديدة الخطورة في الوقت نفسه، الذي يتطلب علاجا فوريا (انظر: إطار «ذهان ما بعد الولادة»).
اكتئاب ما بعد الولادة
يقع اكتئاب ما بعد الولادة (depression Postpartum) في موقع وسط بين هاتين الحالتين المرضيتين. وتصاب بهذا الاضطراب المرضي نسبة تتراوح ما بين 10 في المائة إلى 15 في المائة من الأمهات، اللائي تتحول حالة «الاضطراب المزاجي الخفيف ما بعد الولادة» لديهن إلى حالة مرضية تدوم لفترة أطول.
ربما تنتاب الأم المصابة باكتئاب ما بعد الولادة مشاعر الحزن أو الدونية أو الذنب، وربما لا تستطيع التركيز أو توجيه الاهتمام لأي نشاط، حتى الاهتمام بطفلها الرضيع (انظر: إطار «أعراض اكتئاب ما بعد الولادة»).
ويصيب اكتئاب ما بعد الولادة الرجال بالمثل، فقد أشار تحليل تم إجراؤه إلى أن نسبة 10 في المائة من الرجال يصابون بأعراض اكتئاب ما بعد الولادة خلال العام الأول من بعد ولادة أطفالهم.
وعلى الرغم من أن اكتئاب ما بعد الولادة شائع بدرجة كبيرة، فإن المصابات به ربما يصبن بالحرج من الشعور بالاكتئاب في فترة يفترض أنها واحدة من أسعد فترات حياتهن. نتيجة لذلك، ترفض الكثيرات طلب المساعدة. وتسعى نسبة تقل عن نصف النساء المصابات باكتئاب ما بعد الولادة إلى العلاج. وربما لا يؤثر عدم علاج اكتئاب ما بعد الولادة على الصحة النفسية للأم فقط، وإنما أيضا على نمو الطفل.
وفي بعض الحالات، يعاني أبناء الآباء المصابين بأي نوع من الاكتئاب الذي لم يتم علاجه من تأخر في النمو المعرفي ويحتاجون وقتا أطول للنضج العاطفي أو قد يصابون بالاكتئاب. لحسن الحظ، ثمة أنواع عديدة من العلاج لاكتئاب ما بعد الولادة.
الأسباب وعوامل الخطر
يعتبر اكتئاب ما بعد الولادة نوعا من أنواع الاكتئاب الرئيسي. وينشأ هذا النوع من الاكتئاب بسبب مزيج من العوامل البيولوجية والنفسية وضغوط الحياة.
وأثناء تقييم الحالة المرضية، من المهم بالنسبة للطبيب استبعاد المشكلات الطبية الأخرى التي يمكن أن تسبب أعراضا مماثلة لأعراض اكتئاب ما بعد الولادة، وتتمثل إحدى المشكلات الصحية المحتملة في الإصابة بالأنيميا، من المضاعفات الشائعة التي تحدث بعد الولادة نتيجة النقص في كريات الدم الحمراء الحاملة للأكسجين.
وربما تؤدي الأنيميا إلى الإصابة بالإجهاد والاكتئاب، ولكن من السهل علاجها بإدخال تغييرات على النظام الغذائي أو اللجوء إلى مكملات الحديد.
وفي عدد أقل من المرات، ربما تكون الإصابة بقصور الدرقية هي السبب في حدوث أعراض ما بعد الولادة. وأحيانا تؤدي الولادة إلى جعل الغدة الدرقية لا تعمل بكامل طاقتها، مما يترتب عليه تدهور الحالة المزاجية وانخفاض مستويات الطاقة. وعادة ما يشمل العلاج أخذ مكمل هرموني يومي لإعادة مستويات الطاقة إلى وضعها الطبيعي.
وبعيدا عن المشكلات الطبية الأخرى، فربما تسهم العوامل التالية في الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة:
- التقلبات الهرمونية: أثناء الولادة، ترتفع مستويات هرموني الأستروجين والبروجسترون بدرجة هائلة. ويساعد هذان الهرمونان في تمدد الرحم والحفاظ على غشائه، كما يساعدان أيضا في الاحتفاظ بالمشيمة (العضو الذي يزود الجنين بالمغذيات).
وعلى الرغم من ذلك، فإنه في خلال 48 ساعة من بعد الولادة، تنخفض مستويات الأستروجين والبروجسترون. ونظرا لأن هذه الهرمونات التناسلية تتفاعل مع أنظمة ناقلات عصبية تؤثر على الحالة المزاجية، فإن الخلل الهرموني ما بعد الولادة يمكن أن يسبب حالة عدم استقرار عاطفي لدى السيدات اللائي يجعلهن تركيبهن البيولوجي أكثر عرضة لهذه التغيرات.
إضافة إلى ذلك، فإن تنظيم هرمونات الضغط ربما يتعطل أثناء الولادة وفي فترة ما بعد الولادة، مما يزيد من المحنة التي تعاني منها النساء.
- حالات الاكتئاب السابقة: يكون النساء والرجال الذين قد عانوا من قبل من أي نوع من الاكتئاب أكثر عرضة لاكتئاب ما بعد الولادة من غيرهم.
على سبيل المثال، تصاب نسبة 10 في المائة من النساء اللائي لم يصبن باكتئاب من قبل مطلقا باكتئاب ما بعد الولادة، مقارنة بنسبة 25 في المائة من النساء اللائي قد أصبن باكتئاب من قبل. وتعاني نسبة 50 في المائة على الأقل من النساء اللائي يتعافين من أحد أعراض اكتئاب ما بعد الولادة من انتكاس للأعراض بعد ولادة أخرى.
إن الحمل والولادة والأمومة جميعها خبرات أليمة يمكن، في حد ذاتها، أن تعجل بالإصابة باكتئاب ما بعد الولادة. وربما يكون الوالدان اللذان في انتظار حادث سعيد أو الآباء الجدد الذين يعانون من ضغوط حياتية أخرى - مثل فقد وظيفة أو عقبة مالية أو وفاة شخص عزيز - أكثر عرضة للإصابة بهذا الاضطراب.
- الإجهاد: ينام آباء الأطفال حديثي الولادة ساعات أقل من المعتاد، لكن ربما يكون من يصابون باكتئاب ما بعد الولادة هم الأكثر حرمانا من النوم. من الصعب تحديد ما إذا كانت أعراض اكتئاب ما بعد الولادة ناتجة عن عدم النوم أم الاكتئاب أم أنها مزيج من الاثنين معا.
بعبارة وردت في أحد الأبحاث حول الموضوع: «هل النساء كسولات أم كثيرات البكاء؟»، وربما تكون الإجابة ممثلة في الأمرين معا. وكشفت دراسة عن أن اضطراب النوم وحده - حتى بعد السيطرة على عوامل خطر أخرى - يزيد احتمالات إصابة النساء باكتئاب ما بعد الولادة.
- فقدان الدعم: تزيد الخلافات الزوجية والعزلة الاجتماعية من احتمالات إصابة الأبوين باكتئاب ما بعد الولادة. كذلك، يكون الآباء الذين ليست لديهم حلقة من الأصدقاء وأفراد الأسرة لدعمهم عاطفيا - أو مساعدتهن في رعاية الطفل - عرضة لاكتئاب ما بعد الولادة.
الوقاية
يمكن تقليل فرص الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة. وتتمثل إحدى أولى الخطوات الجيدة لتحقيق ذلك الهدف بالنسبة للآباء الذين هم بانتظار ولادة طفل في اللجوء إلى الأصدقاء أو الأسرة أو غير ذلك من شبكات الدعم الأخرى (مثل المؤسسات الدينية أو قنوات التواصل الاجتماعي) قبل موعد الولادة. وبتلك الطريقة، بمجرد ولادة الطفل، سيتعين على الوالدين طلب المساعدة العملية أو الدعم في ما يتعلق برعاية الطفل.
وربما يبدو التمتع بنوم جيد أثناء الليل حلما مستحيلا بالنسبة للآباء الذين يرعون طفلا حديث الولادة، من المهم اتخاذ أي خطوة من أجل زيادة فرص تمتعهم بالقسط الكافي من النوم، وتتمثل واحدة من الاستراتيجيات العملية في سير الأم كل صباح مع جر الطفل في عربة الأطفال، بحيث تتعرض الأم والطفل للضوء الطبيعي، الذي يمكن أن يساعد في ضبط إيقاع الاستيقاظ والنوم اليومي. ويجب أن تحاول الأمهات أيضا النوم بعض الفترات أثناء النهار، كلما أمكن، لتعويض حرمانهن من النوم ليلا بسبب اضطرارهن للاستيقاظ لإرضاع الطفل.
وربما يرغب الأشخاص المعرضون بدرجة كبيرة لخطر الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة - مثل هؤلاء الذين قد أصيبوا باكتئاب ما بعد الولادة في الماضي - في اتخاذ خطوات إضافية لوقاية أنفسهم من الإصابة به مرة أخرى. وتشمل خيارات الوقاية العلاج النفسي والدوائي، باستخدام الوسائل العلاجية نفسها التي استخدمت في علاج أي اكتئاب، مثلما ذكر آنفا.
العلاج
تعتمد خيارات علاج اكتئاب ما بعد الولادة على مدى حدة الأعراض وأيضا على التفضيل الشخصي.
- العلاج النفسي
حينما تكون أعراض اكتئاب ما بعد الولادة خفيفة، ربما يساعد العلاج النفسي وحده في تحسين المزاج. وربما يساعد العلاج السلوكي المعرفي في تعلم كيفية تغيير الطريقة التي يفكرون بها في تجربة ما بعد الولادة - ربما بتغيير توقعاتهم - بهدف التقليل من الضغوط وتحسين المزاج.
ويركز العلاج النفسي الديناميكي (Psychodynamic therapy) والعلاج الموجه نحو الاستبصار (therapy Insight-oriented) والعلاج بين الشخصي (Interpersonal therapy) بدرجة أكبر على نوعية العلاقات ويساعد المرضى في تسوية خلافاتهم وإدراك مدى تأثير الخبرات الماضية في الإصابة بالأعراض، ويمكن أن يجدي علاج الأزواج (Couples therapy) نفعا عندما تكون المشكلات الزوجية هي التي تمنع الآباء من علاج الخلافات أو تلبية احتياجات الطفل.
- مضادات الاكتئاب
تساعد مجموعة من مضادات الاكتئاب في تخفيف أعراض اكتئاب ما بعد الولادة الخفيف إلى الحاد. وبالنسبة للرجال أو النساء اللائي لا يرضعن أطفالهن رضاعة طبيعية، يعتمد اختيار الأدوية على الأعراض والتفضيل الشخصي والآثار الجانبية.
على سبيل المثال، ليس من المحتمل أن تؤدي مثبطات امتصاص السيروتونين (Serotonin reuptake inhibitors – SSRIs)، مثل السيرترالين (زولوفت) أو الفينلافاكسين (إفيكسور) إلى حالة خمول (ضرورة إضافية بالنسبة للآباء الذين يجدون صعوبة في الاستيقاظ أثناء النهار بسبب حرمانهم من النوم ليلا)، غير أنها يمكن أن تسبب مشكلات جنسية، مثل فقدان الشهوة الجنسية أو صعوبة في الوصول إلى ذروة اللذة الجنسية أثناء العلاقة الحميمة.
وتسبب مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات مثل الإميبرامين (توفرانيل) أو النورتريبتيلين (باميلور) النعاس، ولكن هذا ربما يكون أمرا مرغوبا فيه بالنسبة لمن يعانون من الأرق كعرض من أعراض اكتئاب ما بعد الولادة.
غير أنه يتمثل خيار آخر في البوبروبيون (ويلبوترين)، نوع جديد من أنواع مضادات الاكتئاب يعمل بطريقة مختلفة عن أنواع مضادات الاكتئاب الأخرى وربما يجدي نفعا إن لم تفد الأدوية الأخرى.
وبإمكان السيدات اللاتي يرغبن في إرضاع أطفالهن أخذ مضادات الاكتئاب أثناء فترة ما بعد الاكتئاب. وعلى الرغم من أن جميع العلاجات النفسية تترسب في لبن الأم، فإن بعضها لا ينتقل إلى الطفل الرضيع، أو ينتقل بمستويات منخفضة يعتبرها الأطباء آمنة نسبيا.
وتشير الأبحاث إلى أن أكثر الخيارات أمانا بالنسبة للأمهات اللاتي ترضعن أطفالهن رضاعة طبيعية هو السيرتالين المثبط لامتصاص السيروتونين ومضاد الاكتئاب ثلاثي الحلقات، النورتريبتيلين.
وتتمثل استراتيجية يمكن أن تتبعها الأم المرضعة في بدء تناول أحد مضادات الاكتئاب بأقل جرعة ممكنة وزيادة الجرعة عند الضرورة، مع متابعة الرضيع للكشف عن أي إشارات دالة على ردود فعل عكسية - مثل الاهتياج والترنح وانعدام القدرة على اكتساب الوزن أو التغيرات في مواعيد الرضاعة، ويكون الأطفال الرضع الأكثر عرضة لتفاعلات الأدوية هم الأقل من 8 أشهر، هؤلاء الذين ولدوا قبل الأوان، وأيضا المصابون من مشكلات صحية أخرى.
الصدمات الكهربائية
العلاج بالصدمات الكهربائية. حينما تكون أعراض اكتئاب ما بعد الولادة حادة، وعند حدوث إصابة بذهان ما بعد الولادة أو حينما يكون هناك احتمال للانتحار، ربما يكون العلاج بالصدمات الكهربائية (ECT) اختيارا معقولا لأنه فعال وتأثيره أسرع من الأدوية.
بعد تنويمه، يتلقى المريض الذي يخضع للعلاج بالصدمات الكهربائية مخدرا سريع المفعول كي لا يعي بالإجراء الطبي المتبع ويقل شعوره بعدم الراحة، وبمجرد نوم المريض، يستخدم الطبيب النفسي جهازا خاصا لتوجيه نبضة كهربية تحفز المخ وتسبب نوبة صرع.
ولا توجد علامات خارجية واضحة لهذه النوبة، لكن بإمكان الطبيب مشاهدتها على شاشة (مماثلة لجهاز تخطيط الدماغ) تقيس النشاط الكهربي للمخ، ليست آلية تأثير العلاج بالصدمات الكهربائية مفهومة، ولكن يبدو أن نوبة الصرع تعيد للمخ قدرته على ضبط المزاج.
ولمزيد من المعلومات، فإن لدى مستشفى ولاية ماساتشوستس العام، التابع لكلية الطب بجامعة هارفارد، موقع إلكتروني ممتاز يقدم معلومات حول اكتئاب ما بعد الولادة وغيره من الحالات المرضية النفسية الأخرى التي تصيب النساء، ويضم الموقع تعليقات عن التجارب السريرية، كما يقدم إرشادات تتعلق بخيارات العلاج المتاحة. لمزيد من المعلومات، زوروا الموقع على العنوان التالي: www.womensmentalhealth.org.
أعراض اكتئاب ما بعد الولادة
يجب أن يستشير الآباء طبيبا بشأن اكتئاب ما بعد الولادة عندما يحدث أحد الأعراض التالية معظم الوقت تقريبا كل يوم ويستمر لمدة أسبوعين على الأقل إذا سيطرت عليك أفكار الانتحار، فابحث عن مساعدة على الفور:
- الإحباط والحزن.
- نوبات من البكاء.
- فقدان الاهتمام بالأنشطة اليومية.
- مشاعر الذنب أو الدونية.
- الإجهاد وفقدان الطاقة (على نحو ما يحدث في المعتاد عند رعاية طفل وليد).
- اضطرابات النوم.
- فقدان الشهية.
- عدم القدرة على التركيز.
- التفكير في الانتحار.
ذهان ما بعد الولادة
تصاب أم واحدة أو اثنتان من بين كل 1000 أم بذهان ما بعد الولادة. وقد تظهر أعراضه خلال أيام من الولادة وتشمل اهتياج الأعصاب والتقلب السريع في المزاج والتوهان والاضطراب السلوكي.
وربما تصاب الأم بأوهام متعلقة بالطفل الوليد أو تسمع أصواتا (هلاوس سمعية) توجهها إلى إيذاء نفسها أو طفلها، إن كثيرا من السيدات اللائي يصبن بذهان ما بعد الولادة يكن مصابات باضطراب المزاج ثنائي القطب، ويعتقد بعض الخبراء أن الذهان عادة ما يمثل دربا من الجنون. غير أن الذهان يمكن أن يحدث أيضا للنساء المصابات باكتئاب ما بعد الولادة.
ويعتبر ذهان ما بعد الولادة اضطرابا خطيرا يهدد حياة الأم، وعادة ما يتطلب علاجا. وغالبا ما يشمل العلاج مضادات الذهان وحدها، أو جنبا إلى جنب مع أنواع أخرى من الأدوية، مثل مضادات الاكتئاب أو مثبتات المزاج. ويعتبر العلاج بالصدمات الكهربائية خيارا آخر متاحا.