والدي عمره أكثر من 80 عاما، ومصاب بارتفاع ضغط الدم وشرايين القلب ولديه ضعف في الذاكرة، ووزنه يزيد، وأواجه صعوبة في الاهتمام بتغذيته.. كيف أطمئن إلى أنني أقدم له التغذية اللازمة؟
علينا الاتفاق على أن التغذية الجيدة عنصر مهم في تكوين المستوى الصحي العام للإنسان ولشعوره بالعافية والنشاط، وعلى وجه الخصوص لدى كبار السن. السؤال الذي طرحته مهم لصحة والدك وعموم كبار السن من الجنسين، ومهم لأن هناك أحد الأفراد من كبار السن في غالبية البيوت.
سوء التغذية لا يعني تلقائيا نقص وزن الجسم والهزال، بل إن هناك سوء تغذية ذا تأثيرات مهمة على وزن جسم الإنسان حتى حينما يكون وزن الجسم طبيعيا أو في زيادة. ولذا قد يصاب البدناء أو ذوو الوزن الزائد بسوء التغذية. وسوء التغذية مصطلح يُقصد به تغذية لا تؤدي إلى تزويد الجسم بالعناصر اللازمة لعمله بكفاءة، كما يشمل هذا تغذية تؤدي إلى اضطرابات في الجسم.
ويحتاج الجسم الغذاء كي يحصل على العناصر التي لا يستطيع الجسم إنتاجها، أي المعادن والفيتامينات، والعناصر التي يحتاجها لإنتاج الطاقة والنمو، أي البروتينات والسكريات والدهون. ولذا يجب أن يتوفر عنصران في الغذاء: الأول، تزويد الجسم بالكميات اليومية اللازمة من المعادن والفيتامينات والبروتينات والسكريات والدهون. والثاني، أن يتم تزويده بهذه العناصر بالكميات اللازمة له دون زيادة واضحة لا لزوم لها.
وقد يُؤدي سوء التغذية لدى كبار السن إلى ضعف مناعة الجسم وسهولة الإصابة بالأمراض الميكروبية والتهاباتها، في الجلد أو الجهاز التنفسي أو البولي أو الهضمي أو غيرها. كما قد يُؤدي إلى ضعف قدرة التئام الجروح أو إصابات الجلد. وقد يُؤدي إلى ضعف شهية الأكل والكسل وكثرة النوم والخمول. وكذلك يُؤدي إلى ضعف العضلات، بكل تبعات ذلك على قدرة النشاط البدني وحماية المرء لنفسه من السقوط أو التعثر والإصابات وكسور العظام. وإضافة إلى كل هذا قد يُؤدي سوء التغذية إلى اضطرابات مرضية تبعا لنقص أحد الفيتامينات أو المعادن أو الأملاح.
ولاحظي معي أن سوء التغذية قد يبدأ بشكل واضح، أي أن الشخص الكبير لا يأكل بشكل كاف أو يتناول طعاما لا يحتوي على العناصر الغذائية المتنوعة، كتعود بعض كبار السن على الاعتماد على شرب الشاي أو الشاي والحليب مع تناول البسكويت أو شرائح خبز التوست أو «الشابورة». ولكن لو دققنا النظر لوجدنا أن لجوء الشخص الكبير إلى تناول أطعمة غير كافية أو غير صحية، له أسباب متعددة، نفسية واجتماعية وبدنية.
وكثير من كبار السن لديهم اضطرابات مرضية بالأصل تُؤدي إلى تدني الشهية أو إلى اضطرابات في عمل الجهاز الهضمي، أو يتناولون أدوية تُؤدي إلى إعاقة امتصاص الأمعاء لبعض العناصر الغذائية أو إلى صعوبات في البلع أو غيره. كما أن بعضهم قد تكون لديه مشاكل في الأسنان، ما يمنعهم من القدرة على مضغ الطعام أو تناول اللحوم أو المكسرات أو حتى السلطة. كما يجب ألا ننسى أن بعض كبار السن قد يُعانون من تدني قدرات التذوق أو الشم، ما يحرمه من الاستمتاع بتنويع الأطعمة أو تذوق أنواع مختلفة منها أو ضعف شهية الرغبة في الأكل.
وإضافة إلى هذا، هناك تدني التفاعل الاجتماعي، وقلة التواصل مع الأقارب، ما يجعل كبير السن يتناول طعامه منفردا أو برفقة زوجته الكبيرة في السن أيضا والتي قد تُعد بمفردها وجبة الطعام له، وهذا لا يُوفر ظروفا تُساعد على تنويع الأطعمة أو إعداد أصناف متعددة منها. أضيفي إلى هذا كله الشعور بالوحدة أو الشعور بالوهن البدني وغيرها الكثير من العوامل السلبية التي تجعل من السهل نشوء مشكلة سوء التغذية.
والذي أحاول توصيله لك بهذا كله، ضرورة التنبه إلى أن ثمة عوامل متعددة تُضعف شهية الأكل لدى كبير السن وتُضعف قدرته على تنويع الأطعمة وتُضعف توفير الظروف الصحية لتناول أكل صحي. وعليه تتطلب الحلول تفكيرا متأنيا وعمليا بمشاركة أفراد الأسرة، في تحسين مستوى الحالة النفسية والاجتماعية والبدنية والنوم وغيره لدى كبير السن، إضافة إلى الاهتمام بكيفية توفير الطعام الصحي له وتوفير الظروف التي تُساعده على تناوله وأخذ حاجة جسمه منه. أي برنامج واضح للعناية اليومية به وتنشيطه والاهتمام باحتياجاته، والتي أحدها تناول الطعام الصحي وإبعاد شبح سوء التغذية عنه.