المحكمة تحجز القضية للحكم النهائي في أول متقدمة لوظيفة مأذون بمصر

قالت أمل سليمان أول سيدة تتقدم لوظيفة مأذون في مصر إن "الحيض" ليس عائقا عن قيامها بعقد القران، وفي حالة حصولها على الوظيفة بحكم قضائي، فإنها يمكن أن تعقد الزواج داخل المنزل بديلا عن المسجد إذا تصادف ذلك مع أيام "دورتها الشهرية".


وقررت محكمة الأسرة بمركز الزقازيق (55 كم شمال شرق العاصمة المصرية) في جلستها أمس الثلاثاء 112-2- 2008 برئاسة المستشار خالد الشلقامي حجز قضية أمل التي ترغب في العمل كمأذونة للحكم في 25 فبراير/ شباط القادم.

وعرفت هذه القضية إعلاميا بقضية " المأذونة" والتي يؤكد المراقبون أن الحكم فيها سيكون مرحل انتقالية، فإذا تم الحكم بأحقيتها في العمل كمأذون شرعي ستكون نقلة للأمام تشبه مرحلة عمل المرأة في المحاماة أول مرة وعملها في القضاة.

وفي تصريحات خاصة أكدت أمل سليمان على إصرارها على الفوز بالعمل كمأذون شرعي مهما حدث، وإذا رفضت محكمة الأسرة اعتمادها ستلجأ إلي المحكمة الدستورية العليا "لأنها لا تخالف شرع الله، بل تريد أن تعمل في وظيفة محترمة لا ينتج عنها أي ضرر أو أي خطأ أو أي اختلاط مع رجال أغراب خاصة أثناء العمل".

وأضافت أن عقد القران سيكون في حضور رجال ونساء كثيرين، وبالتالي لا يعتبر اختلاطا وهو ما دعمته فتوى مفتي الديار المصرية د.علي جمعة بعدم وجود مانع شرعي لتولي المرأة مهنة المأذون.

وقالت أمل سليمان البالغة من العمر 33 عام وتنتمي لمدينة القنايات التابعة لمحافظة الشرقية –شمال شرق القاهرة– لـ"العربية.نت" أنها حاصلة علي ليسانس الحقوق من جامعة الزقازيق، وأنهت مؤخرا الماجستير ومن وقتها وهي تبحث عن عمل مناسب لها ولحياتها الزوجية، خاصة وأنها لا تريد الدخول في مجال حيل المحامين ودهاليز المحاكم التي تراها لا تتفق مع شخصيتها وطبيعتها.

فترة الحيض ليست عائقا
وعن العوائق التي تواجهها تقول "العائق الوحيد في هذه المهنة هي فترة الحيض، ولكني شخصيا لا أراه عائقا حيث يمكن عقد القران في المنزل مثلا وليس بالضرورة في المسجد".

وأضافت "إن عقد القران في المسجد هو أمر مستحب حيث يتبارك به الناس، لكنه ليس بالضروري، فيمكن أن يتم في المنزل أو في مكتبي، أي إن الأمور ستسير في الاتجاه الصحيح ولا يوجد ما يخالف الشرع وشيئا فشيء سيتعود الناس على هذا الأمر، ويعتادون وجود سيدة في منصب المأذون مثلما اعتادوها أستاذ جامعة ومستشارا في محكمة ووكيل نيابة وضابط شرطة.

وأضافت "فكرت أكثر من مرة في العمل المناسب حتى خلا منصب المأذون الشرعي بوفاة عم زوجها، هنا فاتحت زوجها في الأمر، وتناقشا طويلا واتفقت علي تقديم أوراقها، وبالفعل ذهبت لتقديم أوراقها ضمن عشرة مرشحين، إلا أنها فوجئت بالموظف يصاب بالذهول من طلبها، وعندما تأكد من رغبتها ومن كونها لا تمزح رفض استلام الأوراق، فذهبت إلي رئيس المحكمة الذي قابلها وتفهم موقفها، لكن لم يحدث أي شيء، فكان الحل هو رفع دعوى قضائية لقبول الأوراق".

واستطردت: لو حكمت المحكمة برفضها فسيكون لها اتجاه آخر بالذهاب إلي المحكمة الدستورية للتأكيد على أحقيتها في العمل كمأذون ليصبح الأمر متاحا لكل امرأة تفكر في الأمر.

امل و عائلتها
لا أسعى للشهرة

وحول الاتهام الموجه إليها بأنها تسعى إلي الشهرة من خلال عملها كأول سيدة تعمل في مهنة المأذون قالت أمل " لا أحب الشهرة ولا أسعى إليها، والإعلام هو الذي يسعى ورائي. والصحافة والتليفزيون ووسائل الإعلام أمر بعيد تماما عن أحلامي. كل ما فكرت فيه هو وظيفة محترمة تساعد زوجي على أعباء الحياة".

وتابعت: سيكون لي دور في مساعدة الفتيات والسيدات اللاتي يعانين من مشاكل أثناء عقد القران أو الطلاق، فكثيرا ما تكون الفتاة –خاصة في الأرياف التي نعيش فيها– لا توافق على الزواج في هذه الحالة أنا باعتباري سيدة أستطيع سؤالها بنفسي والتأكد من الموافقة لتحقيق شرع الله، وكذلك الأمر في حالة الطلاق؛ حيث يمكن لي باعتباري سيدة أن أتحدث على انفراد مع الزوجة وأستمع منها بدون خجل للسبب الحقيقي لطلب الطلاق، وأساهم في إزالة ذلك السبب وأقدم الحل وهو ما يقلل من نسبة الطلاق.

وفي تطور جديد اعتبر شيخ الأزهر محمد طنطاوي أنه لا مانع شرعياً من تولي المرأة المناصب القيادية، ومنها القيام بوظيفة المأذون.

وقال طنطاوي في ندوة "الدين وقضايا المرأة"، التي نظمتها جامعة الزقازيق المصرية، إن الإسلام أكد المساواة الكاملة وغير المنقوصة بين الرجال والنساء.

وأكد –حسب صحيفة الأهرام- أنه "لا يوجد مانع شرعي لتولي مثل هذه الوظائف باعتبارها عملا شريفا ولا تتعارض مع ما أحل الله‏,‏ وهناك من الأعمال ما يتناسب أكثر مع طبيعة المرأة‏.‏ وأخرى تتفق وطبيعة الرجل‏، ‏طبقا لقول الله تعالى ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض‏".
 
لجنة الفتوى ترفض
وكان الأزهر رفض هذا الترشيح من خلال الفتوى التي أطلقها الشيخ عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى بالأزهرية والتي حرم تولى المرأة وظيفة المأذون الشرعي على اعتبار أن المأذون يعد وليا والولاية لا تجوز للمرأة، بعكس الفتوى التي أطلقها د.على جمعة مفتى الديار المصرية الذي أصدر فتوى تخالف فتوى الأزهر وتحمل رقم 137 وقال: ذهب الفقهاء على أن الحاكم له أن يزوج بدلا من الولي عند فقده أو غيابه حتى قالوا الحاكم ولى من لا ولى له، ومعلوم أن المأذون إنما قد أذن من الحاكم ولى الأمر أو القاضي، فهو يقوم مقامه وبذلك لا يقتصر عمل المأذون على التوثيق فقط، بل يمتد في بعض الأحيان على بعض أعمال الولاية.

وأضافت الفتوى: فضلا عن أن المرأة الرشيدة يجوز لها أن تزوج نفسها وأن تزوج غيرها وأن توكل في النكاح لأن التزويج خالص حقها لقوله تعالى (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) وفى قوله تعالى (فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ) وقوله (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) وفى قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- (الأيم أحق بنفسها من وليها) وكذلك ما أخرجه البخاري أن خنساء بنت خدام أنكحها أبوها وهي كارهة فرد النبي صلى الله وعليه وسلم، وما روى أن عائشة رضي الله عنها زوجت بنت أخيها عبد الرحمن من المنذر بن الزبير.

واستطردت: ما دامت المرأة لها الولاية على نفسها وعلى غيرها، فيجوز أن يأذن لها القاضي بإنشاء عقد النكاح، إذا احتاج إليها كولي، ومن باب أولى أن يأذن لها بتوثيقه لأن التوثيق يرجع إلى العدالة والمعرفة وهما يتوافران في المرأة العدل العارفة.

واتفق مع إباحة المفتى الشيخ محمود عاشور عضو مجمع البحوث الإسلامية الذي أكد أن شيخ الأزهر يقوم يوميا بعقد العديد من الزيجات في مشيخة الأزهر ولكن لا يوثقها لأن التوثيق من خلال أحد المأذونين في الأزهر، وهذا يمكن أن يتم على الإباحة للمرأة في التوثيق فلماذا التحريم، خاصة أنه لا ما نع شرعا من تولى المرأة وظيفة المأذون وأن عدم خوضها لتلك الوظيفة هو من باب العرف والموروثات في المجتمع.

وقال: هذا يدفعنا إلى مراجعة تلك القضايا التي أثارت اللبس في العقول بين الحرام والحلال والعرف ومنها عضوية المرأة في مجمع البحوث الإسلامية، وهو عرف أيضا يجب أن يتم مراجعته، وعلى هذا لم يكن أمام الدكتور سيد طنطاوي شيخ الأزهر إلا إحالة قضية تعيين المرأة في وظيفة المأذون إلى مجمع البحوث الإسلامية لحسم الخلاف الواقع بين لجنة الفتوى بالأزهر ودار الإفتاء.

تجربة سابقة فاشلة
قبل أن تقرر أمل سليمان التقدم لوظيفة مأذون شرعي، كانت هناك تجربة فاشلة قبل 8 سنوات عندما أبدت آمال عبد الغني من مدينة أوسيم التابعة لمحافظة الجيزة (القاهرة الكبرى) رغبتها في العمل كمأذون.

كان عمر آمال وقت ذاك 32 عاما، وقالت وفقا لمجلة المصور المصرية التي أجرت حوارا معها "المأذونية كوظيفة تجري في دمي منذ وقت بعيد، ولكنى تشجعت هذه الأيام بعد أن استطاعت المرأة اقتحام مجالات مثل عمدة القرية، ورئاسة النيابة الإدارية".

وقالت: حصلت على ترشيحات 12 رجلا من القرى في أوسيم على طلبي للمأذونية، ولو طلبت أكثر من ذلك لحصلت عليه، حيث إن شروط المأذونية بالنسبة للرجال تغيرت فلم يَعُدْ المأذون كما كان في الماضي يرتدي جبة وقفطان (الزي الأزهري للشيوخ).

وتابعت أن "المأذون ينظر إلى المهنة من الناحية المادية في حين أن جَدِّي الشيخ عبد الغنى كان ينظر لها من الناحية المعنوية، وكان يخطب وُدَّ الناس، وكان يَعْمَل على ألا يخرب بيت إنسان ويبذل في ذلك جهدًا كبيرًا؛ ولذلك كانت المهنة إحدى دعائم والدي التي أهَّلَت نجاحه في عضوية مجلس الشعب".

وكشفت عن أنها "لم تواجه اعتراضًا من زوجها، وإنما طالبها فقط أن تحافظ على كونها ربة أسرة، وأن أحد أشقائها اعترض من باب الخوف عليها والإشفاق، لأنها امرأة والقرآن يجعلها بنصف رجل في الشهادة فكيف بها تُزَوِّج الرجال، فضلاً عن أن المأذون يطبق شرع الله، ولا يمكن أن تمثل المرأة الشَّرْع".

وقالت إن من الاعتراضات عليها أيضا أن "أغلب العقود تتم حاليًا في المساجد خاصة في الأرياف، فهل يقبل فلاح القرية أن تدخل سيدة إلى المسجد وسط الرجال في صحن القبلة؛ لتمسك بيدها يد وكيلي العروس والعريس وتطلب منهما ترديد الصيغة الشرعية لعقد القران على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان".

واختفت آمال من وقتها ربما لأنها لم تحتمل النقد، وظهرت أمل التي تصر على الاستمرار في المشوار إلى آخره.