الشفة الأرنبية .. أسبابها وعوامل وراثية وبيئية مترابطة
سادت في القدم نظرة جاهلة، حيث كان الناس يعتقدون بأن المرأة الحامل إذا رأت أرنباً فإن طفلها سوف يولد بشفة أرنبية! ومازال البعض يعتقد ذلك.
وقد أثبتت الدراسات أن هذا التشوه يعتبر من تشوهات الوجه الشائعة جدا وتنحصر أسبابها بين عوامل وراثية وبيئية مترابطة في بعض الأحيان، وليس له علاقة بالأرنب أو غيره من الحيوانات.
ويسمى من لديه هذا المرض بالأشرم اذا كان الانشقاق في الشفة ويسمى بالأخنف اذا كان صوته مخنفا لوجود انشقاق حنكي.
وما يثير الشفقة هو قلة الاهتمام بهذا المرض العضال في عالمنا العربي لدرجة عدم وجود أي مادة اعلامية باللغة العربية لتثقيف العامة من الناس وخاصة من لديهم مصابا بداء الشفة الأرنبية في العائلة، ولا توجد أيضا مراكز كافية أو جمعيات أو منظمات علمية أو خيرية ذات بصمات واضحه لرعاية مرضى هذا التشوه.
ان المرضى المصابين بهذا التشوه الخلقي يحتاجون لكثير من الرعاية الطبية والمعنوية حتي تتم تنشئتهم النشأة الطبيعيه والتي تؤهلهم ليكونوا أعضاء صالحين في المجتمع.
ولذلك سنقوم هنا بإلقاء الضوء عليه ومسبباته وطرق التعامل معه ومسؤوليات الجهات الصحية تجاهه.
الشفة الأرنبية
هي عبارة عن انشقاق أو تشوه خلقي يحدث في الشفة وعادة ما يكون مصاحباً بشق الحنك أو اللهاة، وهو ناتج عن عدم التحام الأجزاء المكونة للأعضاء المكونه لسقف الفم (الحنك) والشفة العليا، أثناء مراحل نموها، فعادة ما تتكون أجزاء الشفة العليا والحنك اليمنى واليسرى بشكل منفصل في الثلاثة الشهور الأولى من فترة الحمل ومن ثم تلتحم بعد ذلك مكونة سقف الفم والشفة العليا.
واذا كان هناك أي خلل وراثي في الجينات المسؤولة عن عملية الالتحام أو خلل ناتج عن عامل بيئي فان النتيجة المتوقعه هي عدم الالتحام وولادة طفل يعاني من الشفة الأرنبيه.
وتدل الاحصائية المعروفة عالميا على ولادة حالة مصابه لكل سبعمائة مولود سنويا في الولايات المتحده الأميركية، و1.4 لكل 1000 طفل في المملكة المتحدة.
وفي عالمنا العربي لاتوجد احصائيات دقيقه تدل على نسبة الأطفال المصابيين بالشفة الأرنبيه. ولكن هناك بعض الدراسات غير الدقيقه تدل على وجود نسبة أعلى من النسب العالميه فمثلا في منطقة القصيم في السعوديه تبلغ النسبه ولادة حالتين مصابتين لكل ألف مولود.
اعراض واسباب
من أهم الأعراض المصاحبه للانشقاق، هي قصور الفك العلوي وتشوهات الأسنان ومشاكل في الوظائف الفميه من مضغ وبلع.
كما ان هناك مشاكل في النطق والسمع والتغذية. هذا بالاضافة الى المشاكل النفسيه والتي تحدث لدى الطفل واهله. ماهي الأسباب التي تؤدي الى الأصابه بالشفة الأرنبيه؟
ان السبب الرئيسي لهذا التشوه الخلقي غير معروف، ومازال الباحثون يجدون لمعرفة الأسباب الأكيدة له ولكن المعروف ان الوراثة تلعب دورا في ذلك وتزداد نسبة المرض في العائلات التي يكثر فيها زواج الأقارب.
كما ان هناك مجموعة من العوامل البيئية، والتي اذا حدثت خلال الثلاثة شهور الأولى من فترة الحمل فانها قد تتسبب في عدم التحام أجزاء الشفة العليا والحنك مسببة الشفة الأرنبيه أو الشق الحنكي. ومن هذه العوامل الأتي:
- تدخين الأم الحامل أو شربها للكحول خلال المرحلة الأولى من الحمل.
- تناول بعض الأدوية خلال فترة الحمل، ومن بين هذه الأدوية أدوية علاج حب الشباب، أدوية الصرع و بعض أدوية القلب ومنها أيضا الكورتيزون و الأسبرين وتناول فيتامين "ايه" بكميات كبيره - بعض الأمراض الإلتهابية التي تصيب الأم الحامل.
- نقص في التغذية أثناء فترة الحمل لكثير من العناصر المهمة كالفيتامينات والأملاح الضرورية مثل حامض الفوليك (Folic Acid)
- اضطرابات في الغدد الصماء أنواع أنشقاق الشفة والحنك
شق الشفة (الشفة الأرنبيه)
يحدث عادة في الشفة العليا ، وقد يكون بسيطاً بحيث يحدث في أحد جانبي الشفة ، أو مزدوجاً بحيث يكون كل شق مقابل فتحة من فتحات الأنف.
شق الحنك
يحدث هذا التشوه في سقف الحلق، وقد يحدث هذا الانشقاق في الحنك الصلب أو الحنك الرخو أو كلاهما.
والطفل المصاب هو طفل سليم في معظم الأحيان ولكنه أكثر عرضة من غيره لالتهابات الأذن الوسطى التي قد تسبب ضعف في حاسية السمع، ومن الممكن أن تؤدي إلتهابات الأذن الحادة إلى فقدان حاسة السمع إذا تركت دون علاج. كما ان بعض المرضى يعانيون من الانشقاق كجزء من مرض متعدد الأعراض -متلازمة(Syndrome ) ويكون مصاحبا بأعراض أخرى خطيره.
العلاج
إن علاج التشوهات الولادية للشفة والحنك يحتاج الى عمل جماعي يقوم به فريق عمل طبي يتكون من مجموعة من الاستشاريين المتخصصين في مجالات عدة، مثل طبيب أطفال، وطبيب أسنان وتقويم اسنان للاطفال، وجراح تجميل، واخصائي انف وأذن وحنجرة، وطبيب نفسي، واخصائي نطق وتخاطب، واخصائي سمعيات، وطبيب في امراض الوراثة.
ويجب على أباء المصابين بالبحث عن مراكز متخصصه تقوم بمثل ذلك العمل الجماعي. ويتم في البدايه فحص المريض فحصا دقيقا وحصر المشاكل التي يعاني منها ومن ثم البدء في علاحها.
وهناك طرق علاج وبروتوكولات معروفة عالميه ويتم اتباعها في المراكز العلاجيه الخاصة بالشفة الأرنبية.
وهذا أحد هذه البروتوكولات الحديثه والأكثر شيوعا ومراحله كالتالي:
خلال فترة الثلاثة الشهور الأولى يتم التركيز على مساعدة الطفل على الرضاعة وذلك لعدم وجود الشفة السليمة والتي تستطيع القيام بالرضاعة الطبيعية، ويتم القيام بالتالي:
- استعمال رضاعات مصممة لمساعدة الأطفال المصابين توصل الحليب إلى الحنجرة مباشرة.
- قد يحتاج بعض الأطفال المصابين بتشوه الحنك إلى الاستعاضة بحنك صناعي لمساعدتهم في تناول الطعام.
- في معظم الأحيان يتم قفل الشفة الأرنبية جراحيا وذلك عن طريق توصيل أجزاء العضلة المحيطة بالفم ببعضها البعض، كما يتم تعديل فتحة الأنف في بعض الأحيان ويجب التنبيه الى تأثير هذه الجراحة على نمو الطفل في المراحل القادمة.
فيجب ان تكون العملية تجميلية بحتة من دون ندب واضح، وبخياطة تجميلية دقيقة لا تؤثر على النمو الطبيعي للشفة. - في بعض الأحيان يتم عمل جهاز تقويم عظمي (Infant Orthopedics) خاصة في حالات الشق المزدوج وذلك لاصلاح البروز الحاصل للجزء الأمامي من سقف الفم قبل اجراء عملية قفل الشفة جراحيا .
في المرحلة الثانيه والتي تمتد من عمر الثلاثة شهور الى السنة تقريبا يتم التركيز على وظيفة النطق ولذلك يجب اصلاح الحنك الرخو ومن ثم الحنك الصلب ويتم ذلك جراحيا حيث يتم استخدام رقعة من اللثة المحيطة من دون استخدام رقعة عظمية ويتم بعد ذلك الاهتمام بالنطق ومخارج الحروف وذلك بالتنسيق مع اخصائي النطق.
بعد ذلك في الفترة من عمر السنة الى السبع أو ثمان سنوات تتم مراجعة طبيب الأسنان لمتابعة صحة الفم والأسنان وبزوغ الأسنان اللبنيه وسلامتها ومن ثم بداية بزوغ الأسنان الدائمة.
وفي معظم الأحيان يصاحب الشفة الأرنبية نقص في عدد الأسنان وخاصة الأمامية منها والواقعه في منطقة الشق. هذا بالاضافة لعدم وجود عظم في تلك المنطقه.
مراحل تالية
وعند بداية تكون الأنياب العليا في سن 8-9 سنوات تبدأ المرحله الجراحية التالية والهدف منها زرع عظم في منطقة الشق وذلك للسماح للأنياب بالتكون والبزوغ في اماكنها الصحيحه.
ولكن قبل ذلك يجب أن يقوم أخصائي التقويم بتوسيع الفك الى وضعه الطبيعي وتحضير منطقة الشق الى استقبال الرقعة العظمية.
وعادة يتم أخذ الرقعة العظمية من حوض الطفل أو ساقه بعملية بسيطة لا تؤثر على نمو الطفل ويقوم بهذه العمليه جراح الوجه والفكين.
بعد ذلك تبدأ المرحلة الثانيه من علاج التقويم والتي تهدف الى مطابقة الأسنان وتعديلها . وأحيانا يحتاج بعض الأطفال المصابين الى تعديل علاقة الفكين ببعضهما والذي يحتاج الى علاج وظيفي أو جراحي مصاحب لعلاج التقويم.
وبعد اتمام علاج التقويم تتم استعاضة الأسنان المفقودة بجسور ثابتة وأحيانا بزراعة الأسنان. وأخيرا يقوم طبيب التجميل بعمل اللمسات التجميلية الأخيرة، وذلك بهدف اعادة تجميل الشفة وتعديل الأنف وأحيانا يتم ذلك على مراحل متعددة.
مشاكل السمع
واذا كان الطفل يعاني من مشاكل سمعية فيجب الأهتمام بقدراته السمعية ابتداء من الشهور الأولى وخلال رحلة العلاج والتي تمتد أحيانا الى سن العشرين.
فمشكلة الأذن تكمن في اختلال ما يسمى بقناة أوستاكي والموصلة بين الأذن الوسطى والبلعوم والتي تساعد على موازنة الضغط داخل الأذن الوسطى لضمان عملية السمع.
واختلال هذه القناة في الأطفال المصابين بشق الحنك يعود الى اختلال العضلات المحيطه بالقناة مما يؤدي الى التهاب الأذن الوسطى المزمن وأحيانا الى نقص السمع تدريجيا.
كما ان نسبة التهاب اللوزتين واللحمية تزداد في هذه الشريحه من المرضى. وأحيانا وفي سن متأخرة يتم وضع أنبوبة تهويه توصل الأذن الوسطى بالأذن الخارجيه لضمان اخراج السوائل المتراكمة في الأذن الوسطى مما يساعد على تقليل الالتهاب وتحسن السمع.
ولا أنسى ان انوه بأهمية الطبيب النفسي في هذا العلاج نظرا للصدمة النفسية الأليمة التي تصيب الآباء عند الولادة وكذلك الطفل المصاب وخاصة عند بدء مواجهته للناس في المدرسه ولكثرة تعليق زملائه عليه.
سبل الوقاية
اهم السبل هي تثقيف الأباء والأمهات بواجباتهم تجاه الحمل وأهمية متابعة الطبيب المختص وعدم تناول اي نوع من الأدوية الا باستشارة الطبيب والاهتمام بالتغذية السليمة، وكذلك امتناع الأم الحامل عن التدخين أو شرب الكحول نهائيا.
وعلى من أراد الزواج من أحد أقاربه، استشارة الطبيب واجراء الفحوصات اللازمه وخاصة اختبار الكروموسومات للتأكد من سلامة جينات الزوجين. مراكز متخصصة
هناك مراكز عالميه متخصصه وخاصة في الولايات المتحده الأميركيه والدول الأوروبيه وبعض الدول العربيه.
فعلى سبيل المثال توجد عدة مراكز في المملكة العربيه السعوديه في مستشفى الملك فيصل التخصصى والمستشفيات الجامعيه مثل جامعة الملك عبد العزيز وجامعة الملك سعود. ويمكنك للقارئ البحث عن مراكز مماثله في بلدك أو البلدان المجاوره ان أمكن.
وأخيرا فان على من لديه طفلا مصاب بهذا التشوه الخلقي ان يحرص على العلاج النفسي للطفل وعائلته وان يبحث عن مركز متخصص لعلاج الشفة الأرنبية ويجب على الأهل التحلي بالصبر فان النتائج بعد فترة العلاج الطويلة مفرحة جدا اذا تم العلاج في المكان والوقت المناسبين.
ويجب على الأمهات ان لا يلقوا باللوم على أنفسهن لأنهم ليس لهم يد فيما حدث، وان يوجهوا مجهودهم لعلاج ابنائهم بصدور رحبة ورضى كامل.