في موسم الـ«هوت كوتير» لربيع وصيف 2012 .. فرنسا لا تعترف بالتقشف وضعف اليورو

فرساتشي .. عودة ميمونة بعد غياب .. وديور منتشية بنجاحها ولا ترى داعيا للتسرع في تعيين مصمم جديد
فرساتشي .. عودة ميمونة بعد غياب .. وديور منتشية بنجاحها ولا ترى داعيا للتسرع في تعيين مصمم جديد

انطلق أسبوع الـ«هوت كوتير» الباريسي لربيع وصيف 2012، ومعه إحساس بأن فرنسا تعتبره سلاحها للثأر لكرامتها. سلاح ناعم يعتمد على الأزياء والمجوهرات الرفيعة ذات الأسعار الصاروخية التي لا تعترف بالأزمة الاقتصادية العالمية ولا بأزمة منطقة اليورو، فالعارف للشخصية الفرنسية يعرف أنها منذ أن خفضت وكالة «ستاندرد آند بورز» الاقتصادية تصنيفها الائتماني، مؤخرا، وما نتج عنه من تبعات على رأسها انخفاض قيمة اليورو، تعيش حالة من الغليان والغضب، فالأمر كان بمثابة صفعة قوية لكبريائها، وطبعا هذا ما تحاول مداواته على مدى أربعة أيام هي مدة أسبوعها هذا.


وبالفعل انطلق الأسبوع أمس الاثنين وكل ما فيه يتحدى الأزمة الاقتصادية، وكأن قرار الوكالة الاقتصادية كان مجرد مزحة ثقيلة، لأن كلمة التقشف التي تتكرر كثيرا في نشرات الأخبار، لم يكن لها اعتبار في قاموس المصممين، وإن كان الأمر ليس جديدا بحكم أن هذا الموسم أساسا لا يعترف بالأزمات، كونه يخاطب شرائح قليلة تقتني فساتينها بالطريقة نفسها التي يقتني بها هواة الفن أعمال أكبر الرسامين أو النحاتين.

فدار «فرساتشي» التي غابت عن باريس لأكثر من سبع سنوات، عادت هذا الموسم إلى البرنامج الرسمي، في رغبة منها ألا تبقى خارج اللعبة، وأن تحصل بدورها على حصة من الكعكة المبهرة التي يقوم عليها الأسبوع، فالكل يعرف أن هذا الموسم هو المناسبة لكي تصنع بيوت الأزياء «برستيجها» الذي يساعدها على تسويق منتجاتها الأخرى، من أزياء جاهزة إلى إكسسوارات ومستحضرات تجميل وعطور. لهذا ليس غريبا أن تحاول حتى بيوت الأزياء التي لم تخض غمار الـ«هوت كوتير» من قبل أن تدخله من باب أو آخر.

دار «غوتشي» الإيطالية، مثلا، أطلقت أول مجموعة لها في هذا المجال، مؤكدة أنها ستوفر هذا الخط على مواقعها الإلكترونية الخاصة فقط وعبر علاقاتها الشخصية، مشيرة إلى أن فكرته ولدت من رغبة النجمات في أزياء فخمة لحضور مناسبات السجاد الأحمر. الإيطالي جيامباتيستا فالي أيضا دخل غمار هذا الموسم، حيث قدم أول عرض له في شهر يوليو (تموز) الماضي كضيف على البرنامج، لكنه هذا الموسم يشارك كعضو رسمي فيه بعد أن برهن على قدراته وأنه لا يقل فنية وقدرة عن الكبار.

«فرساتشي» في المقابل، ليست دخيلة أو جديدة على الموسم، فقبل عام 2004 كان لها خط «فرساتشي أتولييه» الخاص بالأزياء الراقية، الذي شهد قمته في الثمانينات والتسعينات، أيام المؤسس الراحل جياني فرساتشي، المصمم الذي أطلق مدرسة جديدة ومختلفة آنذاك تعتمد على الأزياء البالغة الأنوثة التي تصرخ بالألوان وتضج بالنقوشات، التي إما تعشقها أو تكرهها، لكنها في كل الأحوال قوية ولا يمكن تجاهلها، فليس هناك من لا يعرف أسلوبه من النظرة الأولى، سواء تعلق الأمر بفستان سهرة طويل بفتحة عالية تكاد تصل إلى الخصر، أو بنظارات شمسية مرصعة، أو قطعة أثاث يتوسطها رأس «ميدوزا» علامة الدار.

تهمة «فرساتشي» آنذاك أنها دار تعتمد على الإثارة الجسدية من خلال كشف المفاتن بأسلوب واضح وصريح، الأمر الذي لم يحاول المؤسس جياني، ودوناتيلا فرساتشي من بعد، ترويضه أو تغييره. ولم التغيير إذا كانت أي امرأة تبدو في زي بتوقيع الدار لافتة ومثيرة؟ أكبر دليل على هذا، النجمة أنجلينا جولي ظهرت مؤخرا في حفل الـ«غولدن غلوبز» في فستان بتوقيع الدار بلون بيج خفيف وياقة حمراء، بدت فيه في قمة الجمال والأنوثة. ما يحسب للمؤسس أيضا أنه المسؤول عن ولادة مفهوم العارضات السوبر في الثمانينات وبداية التسعينات. أما سبب غياب الدار عن باريس كل هذه السنوات، فيعود إلى أنها، بعد مصرع جياني، تغيرت أولوياتها وتطلب وضعها وقفة لترتيب أوراقها، وبالتالي كان آخر عرض قدمته من خط «فرساتشي أتولييه» في شهر يناير (كانون الثاني) من عام 2004.

ما رأيناه أمس أكد أن الوقفة آتت ثمارها، إذ أعاد إلى الذهن بريق الدار في الثمانينات، من خلال الألوان والبريق والإثارة الأنثوية، لكن بأسلوب يتماشى مع إيقاع العصر. مسرح العرض كان قاعة كبيرة يتوسطها ما يشبه السلالم الضخمة مغطاة بلون الذهب بالكامل، مما أعطى فكرة مسبقة أن الدار ستعيد أمجاد الثمانينات بكل بريقها وبذخها. وبالفعل مع أول إطلالة تهادت العارضات في ألوان الفضي الرصاصي والذهبي والأصفر المتوهج والبرتقالي والأخضر الفستقي، في تصاميم تلعب على السميك والشفاف، من خلال الأقمشة والقصات، بعضها كان طويلا للمناسبات الكبيرة، والبعض الآخر كان قصيرا لحفلات الكوكتيل، لكن في كل الحالات كانت الأنوثة هي القاسم المشترك بينها، كما تتطلب الكثير من الرشاقة بالنظر إلى أنها جاءت محددة على الجسم في الغالب تعانقه بحميمية كبيرة.

بعد عرض «فرساتشي أتولييه» كان الموعد مع المصممة المغربية الأصل، بشرى جرار، التي قدمت عرضا هادئا أكدت فيه على حرفيتها العالية في التفصيل وفهمها لمتطلبات المرأة العصرية والعاملة في المقام الأول.

نعم تميزت تصاميمها بالرشاقة والعملية، التي تجعلك تشعر بالراحة، لكن على الرغم من جمالية ما قدمته، جاء العرض مفتقدا إلى عنصر الإبهار الذي يرتبط عموما بهذا الأسبوع. وطبعا ليس هناك من يفهم معنى الإبهار أكثر من دار «ديور» التي تجسد هذا المفهوم وتشفي الغليل، وإن تغير الوضع في الآونة الأخيرة بعد غياب جون غاليانو، ومع ذلك فإن الدار لا تزال تتمتع بتلك المكانة في القلب، وبقدرتها على إثارة الإعجاب، فحتى من دون مصمم فني رسمي استطاعت أن تسجل ارتفاعا في مبيعاتها، في جانب الـ«هوت كوتير» هذا العام، فقد أعلنت أنها حققت في الشطر الأول من العام الماضي أرباحا تقدر بـ870 مليون دولار أميركي، لهذا لن نستغرب قرارها أن تأخذ وقتها لتعيين مصمم جديد يخلف جون غاليانو، على الرغم من أن الأسماء المرشحة لهذا الدور كثيرة، آخرها كان راف سيمونز، الذي لا تزال الشائعات ترجح كفته بعد أن فشلت المفاوضات مع مارك جايكوبس من قبله.

تشكيلة أمس كانت بتوقيع بيل غايتون، الذي كان مساعد جون غاليانو لعدة سنواته وذراعه اليمنى قبل أن تناط به مسؤولية تصميم كل تشكيلات الدار إلى حين تعيين مصمم جديد. بيل غايتون إلى حد الآن قدم تشكيلات مضمونة لم يحاول أن يخرج فيها عن جينات الدار، خصوصا بعد الانتقادات الجارحة التي وجهت إليه بعد أول تشكيلة قدمها للدار في العام الماضي، وبالتالي لن نتوقع منه هذا الموسم تصاميم ثورية. فاختيار المقر الرئيسي للدار في أفينيو مونتين، كمسرح للعرض، يعطي فكرة سلفا أنه سيعود مرة أخرى إلى جينات الدار ليستلهم منها تشكيلته لربيع وصيف 2012.

لهذا كان من السهل توقع رشات من الفوشيا والأحمر والرمادي، ألوان السيد ديور المفضلة، وكذلك سخاء في استعمال الأقمشة وطيات الأوريغامي والخصر المحدد الذي يفسح المجال لاتساع التنورات، وغيرها من التفاصيل التي ورثها عن سابقيه. بعبارة أخرى، قد لا يكون السيد كريستيان ديور وجون غاليانو حاضرين بجسديهما معنا في «أفينيو مونتين»، لكن أسلوبهما لا بد أن يطل علينا بشكل أو بآخر، والسبب أنهما معا نجحا في خلق صورة قوية لـ«ديور» يصعب على أي أحد أن يغيرها.

فما لا يختلف عليه اثنان أنه على الرغم من سقوط غاليانو وغضب الدار عليه إلى حد القول إنه لن يعود إليها أبدا، فإنه كان يشبه المؤسس السيد كريستيان ديور في الكثير من الأمور، مثل الرومانسية والابتكار والجنوح إلى تكسير القيود.

بيد أن تحقيق الدار أرباحها هذا العام لا يعود فقط إلى دوره في تلميع صورتها وترسيخها في الأذهان عالميا، فالفضل يعود أيضا إلى حكمتها في التعامل مع الأزمة التي سببها لها، وذكائها في اختيار سفيراتها للجمال والأناقة من مثيلات تشارليز ثيرون، ناتالي بورتمان، ماريون كوتيار ومؤخرا ميلا كونيس، فكل واحدة منهن لها تأثير خاص وتخاطب شريحة معينة من الأذواق والنساء، لهذا يمكن القول إن النجاح التجاري الذي تترجمه أرقام المبيعات، بما في ذلك الـ«هوت كوتير» يمنح الدار ترف الوقت، بمعنى أنه بإمكانها أن تأخذ وقتها في البحث عن المصمم المناسب.

وليس ببعيد أن تمنحها هذه الاستراحة فرصة لكي تغير اتجاهها وتتبنى أسلوبا جديدا يناسب استراتيجيتها وإيقاع العصر، لا سيما أن الخريطة الشرائية تغيرت، كذلك الأذواق. فالجيل الذي يقبل على الـ«هوت كوتير» الآن مثلا، لا يقتصر بالضرورة على جيل الأمهات والجدات، بل يضم شابات إما ورثن حب التميز عن أمهاتهن وأصبحت الرغبة في التفرد تجري في عروقهن، وإما شابات يتطلعن للانضمام إلى هذا النادي الراقي والخاص جدا مهما كان الثمن، وفي كلتا الحالتين فهن يحتجن إلى أسلوب يخاطبهن ويلبي احتياجاتهن.