المطبخ الهندي .. أطباق شهيه يجهلها الهنود
12:00 م - الأربعاء 20 يوليو 2011
ربما لم يسمع الكثيرون من أبناء دلهي قط عن مكان يدعى «ساراي جولينا»، وعندما عثرت عليه بالصدفة داخل فندق «مالبار هوتيل»، تعرفت من خلال هذا الفندق الصغير على مطبخ موبلاه المنتمي لولاية كيرالا الواقعة جنوب الهند، والتي يطلق عليها الهنود اسم «أرض الله».
ويتولى إدارة المطعم علي وميرسي، وهما من أبناء كيرالا وينتميان إلى مجموعة تعرف باسم موبلاه. وقبل الخوض في تفاصيل مطبخ موبلاه الذي يعكس تأثيرا عربيا واضحا، دعونا في البداية نتعرف على مجتمع موبلاه وسر تسمية هذا التوجه في الطهي بمطبخ موبلاه.
استقي هذا الاسم من لفظ «مابيلاي» ويعني العريس أو زوج الابنة (بلغتي التاميل ومالايالام). وتعود تسمية هذا الأسلوب في الطهي بموبلاه إلى أنه يرمي لإسعاد زوج الابنة الذي يتزوج من الأسرة وينتقل إلى منزل العروس بعد الزواج.
وعليه، تحرص نساء المنزل كل صباح على إرضاء زوج الابنة عبر ما يقدمنه من طعام. إلا أن موبلاه اليوم يستخدم كلفظ عام يشير إلى المسلمين في كيرالا. وتعود جذور مسلمي الولاية إلى العرب واليمنيين الذين قدموا لكيرالا بهدف التجارة. وتشتهر الولاية بالفلفل والتوابل، إضافة إلى جوز الهند ومنتجاته الفرعية التي تدخل في شتى المأكولات.
الملاحظ أن حركة النشاط التجاري داخل الولاية قائمة منذ أمد بعيد، قبل مولد النبي محمد وظهور الإسلام بفترة كبيرة. ورحبت القيادات المحلية داخل الولاية المتمركزين على امتداد سواحلها الطويلة بالتجار القادمين من وراء البحار، وسارع السكان إلى الترحيب بحرارة بالوافدين الجدد.
وخلال فترات هبوب الرياح الموسمية، اضطر كثير من البحارة للبقاء، وكان من الطبيعي أن يتزوجوا من نساء المنطقة. وبمرور الوقت، بدأ دخول بعض السكان في الإسلام، خاصة أن بعض الهندوس المحليين وجدوا في الإسلام فرصة لنيل الحرية من قيود النظام الطبقي الذي كان قائما في كيرالا آنذاك.
وعليه، كان الأمر مجرد مسألة وقت قبل أن ينتشر النفوذ العربي عبر المطابخ المحلية ليخلق مطبخ موبلاه الذي يمثل مزجا من أساليب الطهي العربية والفارسية والمغولية، بجانب تلك المميزة لمنطقة مالابار (شمال كيرالا). واستمر موبلاه في الحديث بلغتهم الأصلية، مالايالام، ولم يهتموا بتعلم العربية بدقة.
ونجحوا في تنمية هوية ثقافية مميزة لهم، على الرغم من تمسكهم بالعادات المحلية، بما في ذلك النظام الأسري القائم على القرابة عبر الأم والمتبع في أجزاء عديدة من كيرالا.
وعلى خلاف الحال مع باقي أرجاء الهند، ينتقل العريس للإقامة مع أهل الفتاة، بدلا من العكس. تناولت خبيرة الطهي أومي عبد الله هذا المطبخ بقولها: «يحمل مطبخ موبلاه لمحة يمنية مميزة.
إنه مطبخ يحمل طابعا مسلما، لكنه يختلف عن مطابخ مغلاي (نسبة إلى المغول) المنتشر في حيدر آباد ولوكنو وكشمير، بل ودلهي، حيث يتميز هذا المطبخ باعتماد أكبر على الزيوت ومرق اللحم الثقيل والدسم، بينما لا يعد مطبخ موبلاه دسما ويعتمد على مجموعة متنوعة من التوابل مثل القرفة والثوم، ومزيج من الزبدة والزيت في الطهي.
وعلى خلاف الأنواع الأخرى من طعام مغلاي، لا يشعر المرء بامتلاء شديد في البطن لدى فراغه من تناول طعام موبلاه. تتولى أعمال الطهي في مطبخ موبلاه بصورة عامة طاهيات تقليديات يطلق عليهن «إثاثاس»، ويغطين رؤوسهن بأوشحة بيضاء طويلة وتزدان آذانهن بأقراط. ويفضل مطبخ موبلاه الأرز المسلوق قليلا على الآخر النيئ.
كما يجري إعداد أرز محمر يطلق عليه «نيشرو» في مناسبات خاصة. الآن، كثيرا ما يتحول هذا الطبق إلى بيرياني والذي قدم إلى الهند من سمرقند على أيدي المغول، وهاجر عبر حكم نواب أركوت في كيرالا.
أحد الأطباق المميزة التي تعكس جذور عربية قوية «أليسا»، وهو عبارة عن عصيدة دسمة من الحنطة ولحم الماعز أو الدجاج، يجري تزيينها بزبد وتؤكل عادة بالسكر. أحيانا يتسم الطبق بدسامة شديدة ويقدم في حفلات الزواج كطبق ثانوي في قائمة الطعام، يقدم قبل الأرز.
وجرت العادة من قبل على ضرورة تقديمه للعريس. أيضا، يجري تناول هذا الطبق في رمضان أثناء السحور، ذلك أن الحنطة والسكر يوفران قدرا كبيرا من الطاقة ويمدان الشخص بشعور بالشبع.
ويتميز مطبخ موبلاه عن غيره من مطابخ جنوب الهند بأن مذاقه يحمل نكهة حارة أقل ويعتمد بدرجة أقل على التوابل، ويتألف في معظمه من مكونات غير نباتية تتواءم مع الذوق العربي.
أيضا، يتميز هذا المطبخ بكونه صحيا، نظرا لأن معظم أطباقه يجري طهيها على البخار. كما تستخدم الزيوت فيه باعتدال، وعادة ما تكون المكونات جافة عبر الشواء أو التحمير.
ويستخدم الزبد في إعداد أطباق المأكولات البحرية، بينما يستخدم زيت جوز الهند في إعداد لحم الضأن. بصورة عامة، يعتمد مطبخ موبلاه على عناصر غير نباتية، ويمثل اللحم البقري النوع المفضل من اللحوم. ويحرص المعنيين بذبح الحيوانات على قطع الوريد الوداجي لاستنزاف الدماء منها.
أما الأسماك، فتعد من العناصر المفضلة في قائمة مأكولات موبلاه، ويجري إعدادها بطرق متنوعة. والملاحظ أن مطبخ موبلاه يستخدم في كثير من أطباقه سمك الأربيان. إلا أن ذلك لا يعني أن الخضراوات من المحاذير في مطبخ موبلاه، بل على العكس، تشكل الخضراوات عنصرا ثابتا في جميع الأطباق تقريبا.
ومن بين الخضراوات المفضلة البطاطا، ويستغل اليقطين في أطباق اللحوم. من العناصر المهمة أيضا في مطبخ موبلاه البيض، حيث يدخل في الكثير من الأطباق الشهيرة مثل «موتا مالا»، الذي يعني اسمه «إكليل البيض»، ويعد من الجزء الأصفر من البيض ويطهى في شراب السكر من دون أي زيوت أو دهون.
وتملك كل أسرة قشرة جوز الهند التي تستخدم في إعداد هذا المزيج. وتتوارث الأسر هذه القشرة من جيل لآخر. ولإعداد «موتا مالا»، يجري فصل صفار البيض عن الجزء الأبيض منه، ثم يجري تقليبه ومزجه، ثم يوضع في قشرة الجوز على شراب سكر ساخن لخلق حلوى محمرة وذات قوام هش.
ويتطلب إعداد هذه الحلوى التي تشبه في شكلها المعكرونة يتطلب خبرة كبيرة، خاصة أن إعداده يعتمد على قشرة جوز الهند، بينما يجري التقليب بملعقة مصنوعة من خشب الخيزران.
ويجري نشر شرائط رفيعة من صفار البيض على أطباق من البروسلين وتحطيها بودنغ حلوة بيضاء بلون الكريمة مثل الأجزاء البيضاء من البيض، وذلك لضمان عدم إهدار سوى قشر البيض فقط.
ويشتهر هذا الطبق في منطقة مالابار فقط، ولا يوجد في جنوب كيرالا. من جهتها، احتلت عبيدة رشيد، الطاهية المتخصصة في مطبخ موبلاه، دورا بارزا في مهرجاني مأكولات موبلاه السنويين في دلهي وبنغالور، حيث يحتل طبق «أليسا» مكانة متميزة بين الأطباق المعروضة. وحاولت عبيدة الترويج لمطبخ موبلاه باعتباره جزءا من ثقافة شمال كيرالا.
أما مجتمع موبلاه نفسه فيبدو أبناؤه كعرب هنود، حيث يتميز الرجال بضخامة أجسادهم وقوتها، مع لون داكن للبشرة، وعادة ما يرتدون ملابس بيضاء. أما النساء فيرتدين أوشحة على رؤوسهن. ويتسمون جميعا بالتدين الشديد والاعتزاز القوي بأصولهم المسلمة.