بطاقات طبية ذكية تقلل الأخطاء الطبية وتسرع العلاج
12:00 م - الثلاثاء 7 فبراير 2012
سوف ترتكز الثورة الطبية في السنوات القليلة المقبلة، في أحد جوانبها، على كيفية الاستفادة من نظم الاتصالات وتقنية المعلومات الحديثة، لتوفير أنماط رعاية طبية جديدة تستند في معاييرها على الجودة والدقة والسرعة. وتعد جودة خدمات الرعاية الصحية، من أحد المعايير المهمة لتقدم الدول والمجتمعات، وتعتبر السجلات الطبية، من العناصر المهمة لتحسين الجودة الطبية للمستفيدين، إذ تعد الوثيقة الأساسية للمريض والطبيب معا.
وقد تتسبب الأخطاء الطبية في معلومات سجلات المرضى أو عدم وضوح وكفاية البيانات، أو ضياع الملفات أو تكرارها لنفس المريض، وبخاصة في السجلات الورقية، في قلة كفاءة النظام الطبي والهدر المتزايد، وتأخير حصول المرضى على العلاج المناسب، أو قد تودي بحياة المريض.
ولهذا بدأت العديد من الدول في الاستفادة من التقدم الحالي والمتسارع في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، للتوجه نحو استخدام السجلات الطبية الإلكترونية، لتحسين جودة الخدمات الصحية، وخفض تكاليفها.
ومن بين نظم وبرامج الصحة الإلكترونية الواعدة، نظام البطاقة الطبية الذكية (Medical Smart Card)، التي تتوافق مع المعايير العالمية للمعلومات الطبية الإلكترونية، ويمكن تحديثها أو قراءتها من أي برنامج أو نظام طبي يتوافق مع هذه المعايير.
فبمجرد تمرير هذه البطاقة على الجهاز المخصص لذلك، يحصل الطبيب المختص أو المستشفى وبسهولة على التاريخ الطبي الكامل للمريض، الذي يتضمن جميع البيانات والمعلومات الطبية لتطور مشكلاته الصحية مثل العمليات الجراحية التي أجريت له، أو إذا كان يعاني من حساسية ضد أدوية أو مواد معينة، والتشخيصات والملاحظات والعلاجات الطبية ونتائج الاختبارات والتحاليل السابقة التي تعد مهمة، وبخاصة في حالات الطوارئ، الأمر الذي يسرع في إنقاذ المرضى والتدخل سريعا وعلاجهم.
ومؤخرا، ووفقا لما أعلنته جامعة مدينة لندن طور باحثون في الجامعة، وجامعة كوفنتري البريطانية (وسط إنجلترا)، وبتمويل من مجلس أبحاث العلوم الفيزيائية والهندسية البريطاني، بطاقة طبية ذكية تحت اسم «رعايتي» (My Care)، يمكن أن يخزن عليها التاريخ الطبي الكامل للفرد، ويمكن الحصول عليه في دقائق معدودة، لتنقذ حياة الشخص وبخاصة في حالات الطوارئ والحوادث.
والبطاقة تقريبا في حجم وشكل بطاقة الائتمان، ذات برنامج «سوفت وير مفتوح المصدر» (Open source software) (أي قابل للتعديل والتطوير فيه)، تم تطويره في جامعة كوفنتري.
ويشير مصطلح برنامج «مفتوح المصدر» إلى شفرات البرامج (الأكواد) التي تتيح للمستخدمين الحرية الكاملة في الاطلاع على مصادر برمجة البرامج وتعديلها وإضافة خصائص جديدة إليها، كما أن برمجيات المصدر المفتوح توفر أيضا الحماية الزائدة. وتعمل برمجيات البطاقة مباشرة من البطاقة نفسها، كما أن البطاقة يمكن تمريرها بسهولة عبر مجموعة متنوعة من أجهزة الكومبيوتر وأنظمة التشغيل، بدلا من تثبيتها على جهاز كومبيوتر معين.
ويقول البروفسور بانيكوس كيرياكو، رئيس المشروع في جامعة مدينة لندن: «تم تصميم هذه البطاقة لتكون سهلة الاستخدام، وبخاصة عند التعامل مع حالات الطوارئ الطبية، فقد يكون المرضى فاقدين للوعي أو غير قادرين على التواصل بسهولة مع المسعفين لأسباب أخرى. لهذا فمن المحتمل أن تنقذ هذه البطاقة حياة الشخص، من خلال سهولة الوصول لبياناته الطبية المخزنة عليها، على سبيل المثال هي حيوية لمعرفة ما إذا كان لدى المريض حساسية من مواد معينة، مثل مادة اللاتكس (Latex) المطاطية، وذلك إذا استخدم المسعفون القفازات المطاطية».
وتعد مسألة الأمن من القضايا الكبرى التي تحيط ببطاقات الهوية الطبية، التي تقوم بتخزين جميع المعلومات الخاصة والحساسة للأفراد، فهم يخشون من احتمال فقدانهم لتاريخهم الطبي بأكمله وبسهولة، وذلك عند فقدانهم للمحفظة الشخصية التي تحتويها.
وفي المرحلة الحالية، يتم تطوير رقم التعريف الشخصي (الكود أو الرقم السري) للبطاقة الصحية، ليصبح على درجة ما من التشفير، لحماية البيانات الموجودة عليها. يقول البروفسور كيرياكو: «سيتم تنفيذ تشفير أكثر أمنا في عملية تطوير البطاقات، بحيث يمكن الوصول إلى المعلومات المخزنة عليها عند ضياعها، فسوف يعطي التشفير للمرضى والأطباء مستويات مختلفة للوصول إلى المعلومات، حيث يمكن للمرضى تحديث المعلومات الشخصية، مثل معلومات الاتصال والأقرباء. إلا أن البرنامج يسمح فقط للمتخصصين مثل الأطباء بتحرير الروشتات الطبية».
وقد نجحت التجارب الأولية لاستخدام البطاقة، ويأمل فريق التطوير الآن بالعمل مع المنظمات العاملة في قطاع الرعاية الصحية، لتنفيذ برنامج تجريبي واسع النطاق، وإذا اكتمل هذا البرنامج بنجاح، فسوف يكون نظام البطاقة الطبية الذكية متاحا للاستخدام للمرضى في غضون من 3 - 4 سنوات.
وتعد تكنولوجيا البطاقة الطبية الذكية، مناسبة للرعاية الصحية في الدول التي لديها نظم صحية موحدة، أو تكون البنية التحتية غير كافية لتقاسم السجلات الطبية بطرق أخرى. فهناك مشروع يعرف بالرعاية الذكية نفذ لأول مرة في زامبيا، وفي الآونة الأخيرة تم استخدامه بتوسع في إثيوبيا وجنوب أفريقيا.
وفي المملكة المتحدة، حيث تتولى الحكومة الإنفاق على تكاليف الرعاية الصحية، لهذا فإن نظم السجلات الطبية موحدة تقريبا، عما هي عليه في الولايات المتحدة، لذلك فقد يكون من السهل إنشاء نظام سجل طبي إلكتروني عالمي.
يذكر أن هناك حاليا مبادرات عالمية لزيادة مستوى الوعي المعلوماتي في قطاعات الخدمات الطبية، وكذلك يوجد إنفاق عالمي متزايد للاستفادة من تقنية المعلومات والاتصالات، في نظم وخدمات الرعاية الطبية، على سبيل المثال، اعتمدت إدارة الخدمات الصحية الوطنية (NHS) في المملكة المتحدة، خطة لرفع الوعي المعلوماتي لدى موظفيها، لضمان نجاح خططها نحو إدخال نظم تكنولوجيا المعلومات الحديثة في الخدمات الصحية المقدمة، فوفقا لتقرير الحكومة البريطانية في 18 مايوالماضي، أنفقت المملكة المتحدة 2.7 مليار جنيه إسترليني على برنامج تكنولوجيا معلومات الخدمات الصحية الوطنية، وفي الولايات المتحدة، قدم الكونغرس الأميركي حوافز نقدية ضخمة لتكنولوجيا المعلومات الصحية في عام 2009، في إطار خطة التحفيز للاهتمام بإدخال نظم وتقنية المعلومات في الخدمات الصحية، كما تقدم ملايين الدولارات للمستشفيات التي تثبت كفاءة في استخدامات ذات مغزى للسجلات الطبية الإلكترونية.
وجدير بالذكر، أن الدول العربية بدأت حديثا وتدريجيا، ورغم المعوقات، في التوجه نحو الأخذ بخدمات الصحة الإلكترونية، ومن بينها الملفات الطبية الإلكترونية التي تسهم في الإسراع في علاج المرضى.
وتعد المملكة العربية السعودية في طليعة الدول العربية، التي بدأت خطوات فعلية واعدة نحو استخدام أنظمة الصحة الإلكترونية، ضمن استراتيجية وطنية للصحة الإلكترونية، التي من بينها التوجه نحو الاستبدال بالملفات الطبية الورقية أنظمة إلكترونية حديثة، وتوظيف تقنية طب الاتصالات والتعاملات الصحية الإلكترونية في العمليات الجراحية المعقدة التي تم إنجازها، كما يظهر اهتمامها بذلك من تنظيمها سنويا لمؤتمرات الصحة الإلكترونية، واستفادتها من التجارب والخبرات والتوجهات العالمية الرائدة في مجال التقنيات المعلوماتية والخدمات الصحية الإلكترونية.
يبقى التأكيد على أهمية وضرورة تطوير البنية التحتية، وتدريب وتأهيل العاملين بقطاعات خدمات الرعاية الصحية على مهارات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتطبيقات التكنولوجية الطبية، وتحسين أدائهم الوظيفي والخدمي باستمرار، للارتقاء بنظم الرعاية الطبية للوصول بها إلى معايير الأنظمة الطبية العالمية، الأمر الذي سينعكس إيجابيا على جودة وتحسين مستوى خدمات الرعاية الطبية المقدمة للأفراد.