هل يؤثر نوم الأطفال والمراهقين على قدرات التعلم والذاكرة؟
12:00 م - الأحد 18 سبتمبر 2011
لدي سؤال مهم، وأسئلة كثيرة وثيقة الصلة به، في واقع الأمر، أرغب في طرحه على جميع آباء الأطفال في سن المدرسة: هل تعرفون كم ساعة ينامها أطفالكم؟ وهل تعلمون كم ساعة نوم يحتاجونها بالفعل؟
وهل تعلمون ما تخبرهم به ساعاتهم البيولوجية بشأن الوقت الذي يجب أن يخلدوا فيه إلى للنوم والوقت الذي يجب أن يستيقظوا فيه؟
على الرغم من أن الأطفال الصغار عادة ما يوقظون آباءهم من نومهم كل صباح، دون أدنى اعتبار لحاجتهم لنيل قسط من الراحة في عطلات نهاية الأسبوع، فإنه بعد سن البلوغ، يحدث العكس تماما، فعادة ما أسمع شكوى من آباء لمراهقين من أنهم يجاهدون كل يوم من أجل إيقاظ أطفالهم وذهابهم للمدرسة في الموعد المحدد.
رصد أوقات النوم
كثير من الأطفال ومعظم المراهقين لا يحصلون على القسط الكافي من النوم، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى عواقب وخيمة، أبرزها صعوبة التعلم وسوء الأداء الدراسي، بل وحتى التعرض لخطر الاكتئاب وغيره من الاضطرابات المزاجية الأخرى.
ولمساعدتك أنت وأطفالك في إدراك احتياجاتهم من ساعات النوم بصورة أفضل، أود أن أقترح عليك إجراء اختبار بسيط. فلمدة أسبوع أو أسبوعين قبل انتهاء فترة الدراسة ومجددا أثناء إجازة الصيف، احتفظ بمذكرة خاصة بأنماط نوم أطفالك مؤلفة من ثلاثة أعمدة. أو اطلب منهم أن يعدوها بأنفسهم، إن كانوا قادرين ومستعدين لذلك.
في عمود من الأعمدة، سجل وقت إطفاء الأنوار استعدادا للنوم أثناء أسبوع الدراسة وأيام العطلات الأسبوعية أو الإجازات. وفي عمود ثان، سجل وقت انتظار النوم، أي الوقت الذي يحتاجونه كي يستغرقوا في النوم. وفي العمود الثالث، سجل وقت الاستيقاظ، مع الإشارة لما إذا كانوا يستيقظون في ساعات محددة بشكل طبيعي أو من باستخدام منبه (أو رشهم بالماء البارد!).
احتياجات النوم
ومع أن احتياجات النوم تختلف من شخص لآخر، فإن هناك بعض ملامح الإرشادات شديدة العقلانية المعتمدة على أدلة علمية التي يمكن أن تساعدك في تحديد ما إذا كان الأطفال يحصلون على القدر الذي يحتاجونه من النوم للتمتع بأقصى مستوى نشاط في المدرسة وأثناء اللعب وللتعايش مع أصدقائهم وأقاربهم.
وإذا كنت أبا لمراهقين، ربما تتوصل لفهم أفضل للسبب الذي يجعلهم يواجهون صعوبة كبيرة في الاستيقاظ صباح أيام المدرسة في الوقت المحدد للاغتسال وارتداء ملابسهم وتناول الإفطار وركوب الحافلة أو حضور أول حصة دراسية في الموعد المحدد.
في السنوات الماضية، انصب اللوم كله على التلفزيون باعتباره السبب في تقليل ساعات نوم الشباب. والآن، تسببت الأجهزة الحديثة التي كان الهدف منها أن تعزز التواصل فيما بيننا وتوفر علينا قدرا كبيرا من الوقت في تقليل ساعات النوم بدرجة هائلة.
فلم تعد هناك ساعة «مقدسة» لا يمكن للطفل بعدها الاتصال بشخص ما أو البحث عن المعلومات أو تصفح مواقع الإنترنت. وبالنسبة لكثيرين من الشباب، بات النوم عائقا يحول دون بقائهم على اتصال، سواء عبر الهاتف الجوال أو البريد الإلكتروني أو الرسائل الفورية أو النصية أو برنامج «سكايب».
وفقا لـ«مؤسسة النوم الوطنية الأميركية»، يجب أن ينام المولودون حديثا لساعات تتراوح ما بين 12 و18 ساعة يوميا (تأمل كل أم حديثة في هذا)، ويقل عدد هذه الساعات تدريجيا ليتراوح ما بين 12 و14 ساعة للأطفال من سن سنة إلى 3 سنوات، ومن 11 إلى 13 ساعة للأطفال ما قبل المدرسة من سن 3 إلى 5 سنوات، و(بكل تأكيد) يصل إلى 10 إلى 11 ساعة للأطفال في مرحلة المدرسة من سن 5 إلى 10 سنوات.
وعلى الرغم من ذلك، فإنني أشك في أن عددا محدودا جدا من طلاب الصفين الرابع والخامس هم من ينعمون بنوم لمدة 10 ساعات ليلا. كان أحفادي، في سن العاشرة، محظوظين بالنوم من ثماني إلى تسع ساعات، حتى في العطلات الأسبوعية. وقد أشار الباحثون بجامعة ستانفورد إلى أن الأطفال في سن التاسعة والعاشرة يحتاجون إلى ثماني ساعات نوم فقط.
إلا أن الأمر يصبح صعبا بالفعل في سن البلوغ وخلال مرحلة المراهقة. فالمراهقون لا يكونون بحاجة إلى ساعات نوم أكثر من تلك التي يحتاجها البالغون (8 ساعات ونصف الساعة إلى 9 ساعات وربع الساعة)، وفقا لـ«مؤسسة النوم». ولكن الوقت الذي يشعرون فيه بالنعاس ويكون باستطاعتهم الاستيقاظ بشكل طبيعي والشعور بالراحة يتفاوت بطريقة لا تتماشى مع وقت بدء الحصص الدراسية في معظم المدارس.
نعاس المراهقين
لقد أظهرت دراسات النوم بشكل متكرر أن المراهق الطبيعي لا يستغرق في النوم قبل الساعة 11 مساء أو بعد ذلك. غير أن كثيرين منهم يتعين عليهم الاستيقاظ في الساعة السادسة صباحا أو قبل ذلك للذهاب إلى المدرسة وحضور حصة دراسية تبدأ في الساعة السابعة والنصف أو الثامنة صباحا.
وتكون النتيجة أن يغلب على عدد كبير منهم النعاس أثناء الحصة الأولى، وعادة الحصة الثانية أيضا. وحتى إن كانوا متيقظين، فإنهم لا يكونون في حالة تسمح لهم باكتساب قدر كبير من المعلومات في أي مادة.
في إحدى الدراسات، سجل أكثر من 90 في المائة من المراهقين ساعات نوم تقل عن تسع ساعات، وقال 10 في المائة منهم إنهم ينامون أقل من ست ساعات. وقد لاحظ جيمس بي ماس، عالم النفس بجامعة كورنيل والباحث الرائد في موضوع النوم، أن معظم المراهقين يبدون في حالة من الخمول الشديد لأنهم يحصلون على عدد ساعات نوم أقل بكثير مما يحتاجونه فعليا.
وحتى في 1998، قبل أن يكون من الممكن إلقاء اللوم على الهواتف الذكية وأجهزة «آي باد» فيما يتعلق بحرمان المراهقين من النوم، توصلت دراسة شملت 3000 مراهق، أجراها اثنان من اختصاصيي النوم، هما إيمي آر وولفسون، من جامعة هولي كروس، وماري إيه كارسكادون، من جامعة براون، إلى أن طلاب المرحلة الثانوية الذين حصلوا على درجات ضعيفة كانوا هم من ينامون لفترة تقل 25 دقيقة في المتوسط أو يخلدون إلى الفراش في وقت متأخر بمقدار 40 دقيقة عن هؤلاء الذين حصلوا على درجتي A وB.
وفي دراسة مختبرية أجريت على 40 طالبا بالمرحلة الثانوية، كشفت كارسكادون وزملاؤها عن أن نحو نصف الطلاب الذين يبدأون الفصول الدراسية الساعة 7:20 صباحا كانوا في حالة من النعاس في الساعة 8:30 صباحا.
وقالت، مشيرة إلى تلك الأوقات المبكرة لبدء الدراسة بـ«الضارة»: «ربما يستيقظ هؤلاء الأطفال ويكونون في المدرسة الساعة 8:30 صباحا، ولكني مقتنعة بأن عقولهم تكون على الوسادة في المنزل».
ويؤدي مثل هذا الحرمان من النوم إلى «ثلاث عقبات تحول دون التعلم»، مثلما أشارت كارسكادون في مقابلة أجريت معها.
النوم والتعلم
وأشارت الباحثة إلى أن «الطلاب لا يكونون يقظين بالدرجة الكافية لتلقي المعلومات المفترض أن يتعلموها، ويجدون صعوبة في اكتساب المعلومات، كما تقل قدرتهم على استرجاع المعلومات». وأضافت: «ما نتعلمه خلال اليوم يترسخ في الذهن أثناء النوم».
وبعد خمس ليال من ساعات النوم القليلة جدا، يحاول مراهقون كثيرون تعويض ما افتقدوه من ساعات النوم في عطلات نهاية الأسبوع، بالنوم حتى الساعة الحادية عشرة صباحا أو حتى الظهر، إن لم يكن لبعد ذلك. غير أن هذا الحل، كما تقول كارسكادون، يمكن أن يأتي بعكس النتائج المرجوة لأنه يزيد من اختلال ساعاتهم البيولوجية، كما يمكن أن يزيد من صعوبة استيقاظهم في الوقت المحدد أثناء أسبوع الدراسة.
وتشمل تبعات الحرمان من النوم لدى الشباب «القضاء على السعادة، بزيادة خطر الإصابة بالاكتئاب وغيره من الاضطرابات المزاجية الأخرى» لدى هؤلاء المعرضين لخطر الإصابة بمثل هذه الاضطرابات.
وقد سجلت المقاطعات التي أخرت المدارس فيها مواعيد بدء الدراسة بها لطلاب المرحلة الثانوية تحسنا في درجات هؤلاء الطلاب وهبوطا في معدلات التسرب الدراسي وانخفاضا في معدل حوادث الطرق. وباقتطاع خمس دقائق من الفترة الفاصلة بين الحصص الدراسية، تجنبت إحدى المقاطعات الحاجة إلى مد اليوم الدراسي، الأمر الذي يحتمل أن يؤدي لحدوث تعارض مع برامج ممارسة الرياضة والأعمال الأخرى التي يزاولها الطلاب.
وإذا ما احتفظت بمذكرة خاصة بساعات نوم أطفالك، فحاول أن تبحث عن أوجه التناقض بين احتياجاتهم من ساعات النوم في أيام الإجازات وبينها في أيام الدراسة.
نصائح عامة
وقدم كارسكادون، الذي وصف سن المراهقة والنوم بـ«العاصفة المثالية»، تلك النصائح التي يمكن أن تحقق توافقا أفضل بين جداول النوم الخاصة بالمراهقين ومتطلبات المدرسة:
يجب أن تبدأ المدارس في المقاطعات يوم الدراسة في موعد متأخر للمراهقين.
يجب أن تكون الأنشطة الليلية التي ترعاها المدارس محدودة.
يجب أن يتضمن المنهج الدراسي معلومات عن النوم والإيقاع البيولوجي لتشجيع الطلاب على انتقاء خيارات واعية فيما يتعلق بجدول ساعات نومهم.
على الرغم من ذلك، يجب أن يتعرف الآباء على «وقت النوم المناسب» ويحددوه.
وللمساعدة في تحديد دورة نمو استيقاظ مقبولة، يجب أن يتجنب المراهقون الضوء الساطع والأنشطة المحفزة في فترة الليل وأن يتعرضوا للضوء في فترة الصباح.
يجب أن تتبع الأسر مع أبنائها طقوسا معينة مهدئة للأعصاب قبل النوم، مثل سرد قصص تذكرهم بطفولتهم المبكرة.