تقدم تكنولوجي في مجال الأطراف الصناعية .. عظام صناعية من مواد مدهشة واعدة
يتكون الهيكل العظمي للإنسان من عدد كبير من العظام والمفاصل، وتمتاز العظام بالكثير من الخصائص والميزات الفريدة والمعجزة، مثل الصلابة والقوة والمتانة والخفة والمرونة، كما أنها مجوفة في تركيبها وذات ثقوب كثيرة متشعبة ومرتبطة مع بعضها البعض، تجعلها صلبة وخفيفة في الوقت نفسه، ولكل عظمة من هذه العظام شكل وسمك وبعد خاص، وتساعد هذه الخصائص على تحمل وزن الجسم وحمايته، كما تساعد الشخص على تحريك أطرافه في جميع الاتجاهات، وفي أداء الحركات والأنشطة المختلفة بكل سهولة ويسر، فتبارك الله أحسن الخالقين، القائل في كتابه الكريم: «وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ» (سورة الذاريات: آية 21).
ولكن قد تتعرض العظام إلى حالات كسور أو تلف، الأمر الذي يتطلب إيجاد بدائل صناعية لها، ولهذا يقوم الباحثون حاليا في الكثير من المختبرات والمراكز العلمية العالمية بتصميم وتطوير عظام صناعية من مواد مدهشة، يمكن أن تجد طريقها قريبا إلى غرف العمليات الجراحية في المستشفيات، لتعويض أو ترميم العظام المكسورة أو المفقودة أو التالفة، التي يكون هناك صعوبة في إصلاحها، أو التي تصاب بالهشاشة والوهن مع التقدم في العمر، ولتكون بديلا للدعامات أو المعادن أو السيراميك، أو استخدام أجزاء من عظام مناطق أخرى في الجسم، التي قد يرفضها الجسم.
فوفقا للموقع الإلكتروني لمجلة «وايرد» الأميركية، عدد شهر يونيو (حزيران) الحالي، تجرى البحوث حاليا على مواد مدهشة واعدة، سوف تعمل كعظام صناعية في السنوات القليلة المقبلة، وسوف تفتح آفاق فروع جديدة في العلوم الطبية. ومن بين هذه المواد، خشب الراتان، والرغوة المعدنية، والجليد البحري.
ففي أوائل العام الماضي، أعلن باحثون في معهد علوم وتكنولوجيا السيراميك في فلورنسا بإيطاليا، عن تمكنهم من إنتاج عظام صناعية من أشجار خشب الراتان، تشبه إلى حد كبير خصائص العظام البشرية، وتمت تجربتها على قطيع من الأغنام، وأظهرت أنه لا يوجد أي علامات على رفض الجسم لها، فقد تبين أن أجزاء العظام الطبيعية الحقيقية للأغنام قد التحمت مع العظام الصناعية من خشب الراتان، وكونت عظاما طويلة أخذت في النمو، وعن عملية إنتاج هذه العظام الصناعية، تقول الدكتورة آنا تامبيري، قائدة الفريق البحثي، إنها تستغرق نحو 10 أيام، وتتم من خلال تسخين خشب الراتان عدة مرات، ومعالجته تحت ضغط عال، وتغيير تركيبه الكيميائي بإضافة الكربون والكالسيوم والفوسفات إليه، حتى يصبح مادة قوية شديدة التحمل، تماثل خصائص عظام الإنسان الطبيعية.
وسوف تسمح الثقوب والفتحات التي يتم تشكيلها في العظم الصناعي، بمرور الدم والأعصاب، من العظام الطبيعية إلى العظام الصناعية البديلة، التي تتميز بخلوها من المواد الصناعية، وقدرتها على تحمل وزن الجسم، وعدم الحاجة إلى التغيير. ويدخل برنامج «العظام من الخشب» ضمن مشروع يتم تمويله من الاتحاد الأوروبي، ويتوقع الباحثون أن تتم زراعة هذه العظام الصناعية في البشر بحلول عام 2015.
ويذكر أن شجر الراتان (الراتان مشتقة من كلمة روتان بالماليزية) هو أحد أنواع أشجار النخيل، ويعد خشب الراتان من المواد المتينة للغاية والمقاومة للانشقاق، وخفيف ويسهل تشكيله إلى حد ما، ويستخدم في صناعة الأثاث والسلال، وفي صناعة العصي التي تستخدم في فنون الدفاع عن النفس.
وقد تمكن العلماء أيضا من تطوير رغوة معدنية، لصناعة عظام صناعية مرنة تعمل مثل العظام البشرية الحقيقية، ويتوقع أن يتم تصنيعها قريبا واستخدامها في زراعة العظام والتطبيقات الطبية الحيوية الأخرى. ففي شهر سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، أعلن علماء معهد فراونهوفر للصناعة والمواد المتقدمة في دريسدن بألمانيا، وضمن مشروع «رغوة التيتانيوم»، عن تمكنهم من تطوير رغوة التيتانيوم، لصنع عظام صناعية مرنة قادرة على تحمل الأوزان، وتماثل من الداخل العظام البشرية في تركيبها الهيكلي، ويمكن استخدامها أيضا في ترميم العظام واستبدال الفقرات التالفة. وتنتج رغوة التيتانيوم عن صب مسحوق من المواد المعدنية. وقال الدكتور بيتر كوادبيك، منسق المشروع: «إن الخواص الميكانيكية لرغاوي التيتانيوم المصنعة، قريبة الشبه إلى حد ما من العظام البشرية، من حيث التوازن بين المتانة والصلابة».
وفي سياق متصل أيضا، أعلن علماء جامعة ولاية نورث كارولينا الأميركية، في شهر فبراير (شباط) من العام الماضي، عن تمكنهم من تصنيع رغوة معدنية أخف من الألمنيوم، تشبه العظام البشرية، ولها نفس مرونتها، ويمكن استخدامها لتصنيع جيل جديد من المواد الحيوية القابلة للزراعة في الجسم البشري، التي تتجنب الرفض من العظام، وتم تصنيع هذه الرغوة المعدنية من الصلب بنسبة 100 في المائة، أو مزيج من الصلب والألمنيوم. تقول الدكتورة أفسان ربيعي، الأستاذ المشارك في قسم الهندسة الطبية بجامعة ولاية نورث كارولينا: «إن معامل المرونة يعد مهما للغاية في تصنيع المواد المزروعة بالجسم البشري، فمعامل المرونة للرغوة المعدنية، يشبه معامل المرونة للعظام البشرية، وإذا كان معامل المرونة للمادة المزروعة أكبر بكثير من معامل مرونة العظام، فإن المادة المزروعة سوف تتحمل معظم أعباء الحمل من العظام المحيطة بها، الأمر الذي يؤدي إلى موت العظام المحيطة وخروج المادة المزروعة».
وسوف يعتمد تصنيع الأجيال المقبلة أيضا من العظام الصناعية على كشف بعض الأسرار من البحار، إذ يقوم علماء وزارة الطاقة الأميركية، في مختبر لورنس بيركلي الوطني (مختبر بيركلي) باستخدام طريقة لتجميد مياه البحر، لتصنيع مواد على هيئة سقالات أو دعامات، أقوى 4 مرات من المواد المستخدمة حاليا في العظام الصناعية.
فوفقا لما نشر في 27 يناير (كانون الثاني) عام 2006، في مجلة «العلوم الأميركية»، يقول أنطوني تومسيا وزملاؤه من قسم علوم المواد في مختبر بيركلي، إنه عندما تتجمد مياه البحر تتشكل طبقات من بلورات كريستالية من الجليد النقي، بينما الشوائب مثل الأملاح والكائنات الدقيقة.. تطرد من تشكيل الجليد، وتحتجز في قنوات بين بلورات الجليد، والنتيجة هي مركب ذو طبقات يشبه تقريبا الصدف في بنائه الرقائقي.
ويعتقد فريق مختبر بيركلي أن عملية التجميد هذه يمكن استخدامها للحصول على مادة ذات طبقات دقيقة للغاية، تحاكي كثيرا الصدف في خفته وصلابته، فقد صمموا معلقا مائيا من «الهيدروكسيباتيت» (hydroxyapatite)، الذي هو عنصر معدني من مكونات العظام، ثم تم تجميده تماما مثل الشوائب في الجليد البحري، حيث يتركز «الهيدروكسيباتيت» في الفراغ بين بلورات الجليد، محدثا بذلك طبقات فوق طبقات من مادة تشبه الصدف، كما توصلوا إلى أنه بزيادة معدل عملية التجميد يقل حجم التركيب الطبقي، وفي النهاية حصلوا على تركيبة مجهرية تبلغ «ميكرونا» واحدا، أو واحدا على المليون من المتر، بالمقارنة بتركيبة الصدف التي تبلغ نصف ميكرون. يقول تومسيا: «نحن على بعد نصف ميكرون من محاكاة الطبيعة»، وأضاف: «نحن نريد الطبيعة أن ترشدنا في هذه العملية، فمياه البحر تتجمد مثل مادة ذات طبقات، فلم لا نستخدم هذه الخاصية لتصنيع سيراميك يحاكي الصدف؟».