مدينة أميركية تجري استطلاعاً للسعادة لتحديد احتياجات المواطنين
حينما كانوا يملأون استمارات التعداد السكاني في المدينة هذا الربيع، وجد سكان سومرفيل سؤالا جديدا. فعلى مقياس من 1 إلى 10، جاء السؤال التالي: «إلى أي مدى تشعر بالسعادة اليوم؟».
أراد مسؤولو المدينة أن تكون هذه الضاحية من بوسطن أولى المدن في الولايات المتحدة التي ترصد مستوى سعادة سكانها بشكل منهجي. ومثل القادة في بريطانيا وفرنسا وبعض الدول الأخرى، أرادوا تجاوز المقاييس التقليدية للنجاح - مثل النمو الاقتصادي - لتعزيز سياسات تحقق ما هو أكثر من الرفاهية المادية.
وقد أيد فكرة رصد درجة سعادة المواطنين أطباء نفس واقتصاديون بارزون، ولكن لم يخلُ الأمر من بعض الجدل حول كيفية القيام بهذا الإجراء وما إذا كانت السعادة هي الشيء المناسب الذي يجب أن يدعمه الساسة.
ربما يكون السعي لتحقيق السعادة حقا لا يمكن التخلي عنه، ولكنه ليس أمرا مماثلا لرصد مشاعر السعادة في استبيان. وكتب أحد سكان سومرفيل في استمارة التعداد: «هل يهم ما إذا كنت مكتئبا نوعا ما الآن؟» (يبدو أنه ليس كذلك. فقد أعطى نفسه درجة 10 في سؤال السعادة).
حتى الآن، أرسل نحو 7500 شخص استمارات التعداد. وبدا من الواضح أن بعضا منهم لم يقصر إجاباته على شؤون محلية. وكرد على سؤال: «إلى أي مدى أنت راضٍ عن حياتك بشكل عام؟» أعطى رجل واحد لنفسه درجة 6، مفسرا ذلك بقوله: «أرغب في أن أكون أطول بمقدار ثلاث بوصات وأن أتحدث لغة الكيشوا (لغة شعب الأنكا) بطلاقة».
من بعض الأوجه، تعتبر سومرفيل بمثابة أنبوبة اختبار مثالية لمثل تلك التجربة. وتعتبر المدينة، الواقعة بين جامعتي هارفارد وتافتس، معقلا لطبقة الحرفيين، مع زيادة مطردة من المهنيين والأكاديميين الشباب.
وهي مدينة أقل جمالا من جارتها كامبريدج ذات مستوى المعيشة الأعلى (ولكن تنخفض فيها قيمة الإيجارات). وقد اشتهرت مدينة سومرفيل بالجريمة، كما عرفت بكنية «سلامرفيل»، (تعني كلمة SLUM بالإنجليزية الأحياء السكنية الفقيرة) غير أنه بدأت تتغير سمعتها وأولوياتها مع تحسن مستواها.
قال جوزيف كرتاتون، عمدة المدينة، الذي تم الترحيب به في البيت الأبيض بسبب البرنامج الرائد الذي أطلقته المدينة لمكافحة البدانة: «نحتاج إلى تغيير طريقة تفكيرنا بشأن الطريقة التي نخدم بها الناس». وقد قال عن استبيان السعادة: «إنه شيء بسيط لا يحتاج لتفكير» والذي وافق عليه بمجرد أن تم اقتراحه.
وقال كرتاتون: «المدن تتابع بدقة أحوالها المالية، لكن تقييم سند ما لا يدلنا على شعور الناس أو سبب رغبتهم في تكوين أسرة أو نقل أعمالهم التجارية إلى هنا».
وفي كتابة أسئلة الاستبيان، استعانت سومرفيل بدانييل غيلبرت، أستاذ علم النفس بجامعة هارفارد الذي ألّف الكتاب الأكثر مبيعا عام 2006 وهو «العثور على السعادة».
وكرّس غيلبرت جلّ وقته أيضا لمساعدة المدينة في إجراء استبيان أكثر استفاضة عبر الهاتف، بالاستعانة بعينة عشوائية من سكان سومرفيل البالغ عددهم 76 ألف نسمة.
ويقول غيلبرت: «عادة ما تهدف السياسات الاجتماعية إلى تعزيز الشعور بالسعادة، لذا كيف يمكن أن يكون قياس الشيء الذي تحاول الوصول به إلى الحد الأقصى فكرة سيئة؟ هل ينبغي أن ننشأ المزيد من أماكن انتظار السيارات أم المزيد من الطرق السريعة؟ هل ينبغي أن يحصل العاملون على استراحة غداء أطول أم المزيد من الإجازات؟ ليس علينا أن نتكهن بإجابات هذه الأسئلة».
يقول مسؤولو سومرفيل إنهم يأملون أن يرووا كيف تؤثر أماكن انتظار السيارات والطرق المخصصة للدراجات على شعور الناس الذين يقطنون في الجوار بالسعادة أو كيف تتغير مشاعر الناس عندما تتحسن خدمات النقل.
خلال المسح الذي أرفق بتعداد السكان تم الطلب من الناس ذكر مزايا وعيوب المرافق والخدمات في المنطقة التي يسكنون بها سواء كان وضع الشرطة أو المدارس أو المساكن وكذلك «الجوانب الجمالية» في مدينة سومرفيل الصناعية التي تعجّ بالمساكن ذات الثلاثة طوابق. يريد مسؤولو المدينة أن يعرفوا: «مدى رضاك عن سومرفيل كمكان للسكن مع وضع كل الجوانب في الاعتبار».
كذلك تضمن المسح أسئلة صريحة يبدو أنها مقتبسة من اختبار للشخصية مثل عندما تتخذ قرار هل تطلب النصح أم تتخذ القرار بنفسك؟ وما مدى شبهك بمن تعرفهم؟.
تقدّر فانيسا لاغرمان، البالغة من العمر 28 عاما والتي تقطن في سومرفيل منذ ستة أعوام جهود المدينة. تقول فانيسا التي تخرجت في جامعة ماساشوستس ببوسطن: «منذ أن جئت للسكن هنا لاحظت أن مسؤولي المدينة يبذلون الكثير من الجهد مثل إنشاء حارات لسير الدراجات». أما فيما يتعلق بالمسح، فترى فانيسا أنه أمر جيد لأن السياسات يمكن أن تتغير لتجعل الناس أسعد حالا.
وقال سكان آخرون إن اهتمام المدينة بهم جعلهم يشعرون بالإطراء. وقال كونر بيرنان، صاحب حانة «بي جيه ريان» في ميدان تيلي: «أنا سعيد أنهم يحاولون استخدام وسائل القرن الحادي والعشرين ليعرفوا شعور الناس.
يعتمد أي مسح من هذا النوع على مزاج الشخص في تلك اللحظة. إذا شاركوا في المسح الشتاء الماضي، سيكون تقييمهم للأمور متدنيا». ويأمل مسؤولو سامرفيل أن يتوصلوا إلى مؤشر للسعادة يمكنهم الاستعانة به طوال الوقت وربما يقارنونه بنتائج مسح المدن المجاورة بافتراض أن المسح الذي تجريه تلك المدن قائم على المعايير نفسها.
ويقولون: «رغم عدم ذكر بيرنان أنه استلم الاستمارة أو ملأها، قدم تقييما عفويا لسعادته وسعادة أسرته وهو 8+». كذلك يقرّ المسؤولون بأن اكتشاف مدى تأثير السياسات التي يتبعونها على هذا المؤشر سوف يمثل تحديا.
تقول تارا أكار، مديرة برنامج «سامرسات» لتحليل البيانات: «نريد أن نعرف ما تشير إليه البيانات الأساسية ثم نتوسع بعد ذلك. هل هناك علاقة بين السعادة والأماكن المفتوحة أو الأماكن الخضراء؟ إذا وجدنا أن مستوى رضا السكان المتدني مرتبط بانخفاض مستوى الدخل، ربما سنسعى إلى المزيد من البرامج التي تستهدف السكان محدودي الدخل».
يقول مسؤولو المدينة إن مدّ خط مترو أنفاق «غرين لاين» على سبيل المثال إلى سامرفيل قد يمثل تجربة تجعلهم يرصدون بشكل عفوي مدى سعادة الذين يسكنون في الجوار.
وفي بريطانيا تم إجراء مسح مماثل عن السعادة خلال فصل الربيع الحالي بناء على طلب رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، الذي قدمت حكومته مقترحا بخفض الإنفاق مما أدى إلى اندلاع احتجاجات عنيفة في الشوارع.
وهناك تحليل لمعرفة مدى سعادة المواطنين في فرنسا التي شهدت أعمال شغب. ولحسن الحظ لم يكن هناك اضطرابات من هذا النوع في سومرفيل التي تفتخر بأنها المكان الذي شهد اختراع حلوى مارشميلو فلاف.
ويقول غيلبرت، بجامعة هارفارد: «قد لا توضح البيانات أي شيء ذي أهمية وقد تأتي بمفاجآت كبيرة، لا يمكن للمرء أن يعرف حتى يتم الانتهاء من جمعها. لكن نظرا لأن إضافة بعض أسئلة عن السعادة في تعداد السكان لا يشكل أي عناء إضافي، فلماذا لا نقوم بذلك؟».