مواقع الإنترنت ترسم حدودا قانونية جديدة لقضايا التشهير

مصممة أزياء تقيم دعوى ضد مطربة أمام القضاء الأميركي في أول قضية من نوعها
مصممة أزياء تقيم دعوى ضد مطربة أمام القضاء الأميركي في أول قضية من نوعها

«الإعلام الاجتماعي غير عملنا كليا» .. هذا ما قالته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أمام الكونغرس الأميركي هذا الأسبوع، مؤكدة مرة أخرى الدور الريادي الذي تلعبه مواقع إلكترونية مثل «تويتر» و«فيس بوك» وغيرها من وسائل الإعلام الجديدة في التطورات حول العالم، من خلال نشر المعلومات والأخبار.


وبينما سرعة تناقل الأنباء وفتح المجال لكل من يريد أن يفتح حوارا أو يساهم في نقاشات ونقل المعلومة من فوائد الإعلام الجديد، إلا أن هناك ثغرات فيه أيضا أبرزها عدم قدرة تنظيم تلك المعلومات أو محاسبة واضعها مما يحدث في المؤسسات الإعلامية التقليدية وبناء على ضوابطها الدالية. إذ بإمكان أي شخص أن يؤسس صفحة على موقع «تويتر» أو موقع «فيس بوك» من دون تكلفة مالية أو التزام حتى بإعلان أسمائهم أو موقع عملهم أو إقامتهم.

وبينما استطاع بعض المستخدمين العاديين للموقعين أن يصبحوا من أهم مصادر المعلومات خلال الثورتين المصرية والتونسية وقبلها خلال المظاهرات الكبيرة في إيران عقب الانتخابات الرئاسية عام 2009، هناك أسئلة حول جهات أخرى تبث المعلومات من دون معرفة مصدرها. وبشكل أخص، هناك أسئلة تثار حول المسؤولية القانونية للمدونين في حال تقدم طرف بشكوى متعلقة بالذم أو التشهير.

وقد وضع موقعا «فيس بوك» و«تويتر» إطارا قانونيا يحمي الشركتين وموقعيهما الإلكترونيين من التورط في تلك القضايا من خلال جعل مستخدم الموقع المسؤول كليا عن مضمون صفحته الخاصة.

إلا أن الأطر القانونية لمقاضاة طرف عن مضمون في مواقع الإعلام الاجتماعي ما زالت غير محددة، بينما ينتظر المحامون والمراقبون قضايا محددة يقيمها القضاء لتصبح سوابق يعتمد عليها. وتنتقل حدود القضاء من مقاضاة وسيلة نشر معلومة قد تعتبر أنها تساهم في تشهير أو ذم، إلى مقاضاة الشخص المسؤول عن نشر المعلومة.

ودلالة على أهمية هذه المسألة، أعلنت جامعة سانتا كلارا تعاونا مع كلية نيويورك للقانون لبحث التداعيات القانونية لقانون الإنترنت، حيث أقيم الملتقى الأول والسنوي للمعهدين التعليميين هذا الأسبوع في سانتا كلارا، وهي المقاطعة في ولاية كاليفورنيا التي حددها موقع «فيس بوك» لتكون مركز الولاية القانونية له.

وتحدثت «الشرق الأوسط» إلى عدد من الخبراء في قضايا الذم والقدح والتشهير حول تداعيات مثل تلك القضايا، لتكون هناك آراء عدة، على رأسها أن القانون يختلف بحسب موقع القضية المعينة.

وفي الولايات المتحدة يضع التعديل الأول للدستور الأميركي حول حرية التعبير أساس التعامل مع تلك القضايا، بغض النظر عن طريقة نشر المعلومة التي تؤدي إلى قضية ذم أو قدح أو تشهير. وتبقى الشكوى الأساسية هي إذا كانت تصريحات تشهير أو ذم تتسبب في ضرر نفسي أو مادي للمعتدى عليه.

وشرح البروفسور في كلية الإعلام والعلاقات العامة في جامعة جورج واشنطن، مارك فيلدستاين أن «الوضع العام في الولايات المتحدة هو أن الطريقة الوحيدة لتصويب تصريح معين هو إما من خلال تصريح ينفي التصريح الأول وإما من خلال رفع قضية في المحاكم».

وأضاف فيلدستاين، وهو صحافي سابق ومهتم بقوانين الإعلام، أن «الحكومة لا تضع أي حواجز قانونية على التعبير .. في عالم الإعلام الجديد يمكن لأي شخص أن يكتب أو ينشر أي شيء يريده، إذا كان صحيحا أم لا، وعادة ما يكون الاعتماد على التنظيم الذاتي»، موضحا أنه في حال فشلت الضوابط الداخلية لمنع التشهير أو «التحريض»، حينها يتم اللجوء إلى القضاء.

وهناك فرق بين الإعلام التقليدي والإعلام الجديد في أن المتهم في قضية تشهير في الإعلام الجديد يكون من يكتب عبارة أو تصريحا معينا، بدلا من وسيلة الإعلام التي تنشرها. وقد اتخذ موقع «تويتر» تدابير قضائية مسبقا كي لا تتحمل على عاتقها المسؤولية القضائية حول ما ينشر على موقعها.

وتحمي شركة «تويتر» نفسها من مقاضاتها مباشرة في حال تم استخدام الموقع لنشر معلومات خاطئة أو مغلوطة عن شخصية أو جهة معينة. وبموجب «شروط الخدمة» التي يوقعها كل من يفتح صفحة خاصة على موقع «تويتر»، يحدد الموقع مسؤولية مضمون الصفحة على صاحبها.

وقد أنشأ القائمون على «تويتر» نظام «تعريف» لمواقع المشاهير والشخصيات العامة على «تويتر»، ليعتبر أن «الحساب تم التحقق منه». ويمنح موقع «تويتر» علاقة خاصة زرقاء لكل حساب «تم التحقق منه» ليعلم القراء أن الموقع يمثل حقا الاسم المتعارف عليه.

ويقول البند الأول من شروط الخدمة: «إنك مسؤول عن استخدامك لهذه الخدمة وعن المضمون الذي تضعه على هذه الخدمة وأية نتائج بعدها».

ويضيف البند الثاني: «تنبيه، ما تقوله على (تويتر) سيتم رؤيته فورا»، مؤكدا أن «كل القوانين المحلية والإقليمية والوطنية والدولية تتبع بموجب هذه الشروط». وبذلك تخلي شركة «تويتر» نفسها من تحمل مسؤولية تبعات ما يتم نشره على موقعها.

وأكد ناطق باسم الموقع أن «كل المحتوى، إذا تم بثه بشكل علني أو خاص، هو مسؤولية الشخص الذي بث هذا المحتوى. نحن لا نراقب أو نسيطر على المحتوى المعروض عبر هذه الخدمة ولا نأخذ مسؤولية عنه»، محذرا: «أي اعتماد على المحتوى أو المواد المبعوثة عبر الخدمة هي مسؤوليتك الخاصة».

والأمر مماثل لموقع «فيس بوك» الإلكتروني، الذي يحدد عبر «المبادئ الأساسية» العشرة التي تحدد بنود الخصوصية التي تحمي مستخدمي الموقع، والتي يصادق كل مستخدم عليها قبل حصوله على صفحة خاصة.

وينص «المبدأ» الثاني، وهي الكلمة التي يفضلها القائمون على الموقع عن المصطلح التقليدي «شروط الخدمة» في تحديد علاقته مع المستخدمين، على أن «يجب أن يملك الناس معلوماتهم، يجب أن يكون لديهم حرية تقاسمها مع أي شخص وأخذها معهم أينما يريدون بما فيها إزالتها من خدمة (فيس بوك)».

أما «شروط الخدمة» التي تنظم علاقة الموقع بمستخدميه، فتنص على «احترام حقوق الآخرين»، بما في ذلك «عدم وضع أي معلومات على (فيس بوك) تنتهك حقوق طرف آخر أو تنتهك القضاء»، مضيفا أن الموقع يحتفظ بحق إزالة محتوى يعارض ذلك.

ويشدد موقع «فيس بوك» على «حماية الملكية الفكرية»، حيث يمنع إعادة نشر صورة أو معلومات تعتبر ملكا لطرف آخر، وفي حال ثبت ذلك يمتلك الموقع حق إزالة المحتوى. إلا أن في حال تمت مقاضاة الشخص الذي ينتهك الملكية الفكرية، يعفي الموقع نفسه من أي مسؤولية.

ويذكر أن موقعي «تويتر» و«فيس بوك» حددا قوانين ولاية كاليفورنيا الأميركية للحكم في أي قضايا ضدهما، حيث يوجد مقرا الشركتين.

وهناك نقاش قضائي حالي في الولايات المتحدة حول هذه المسألة، حيث تبحث محكمة أميركية قضية تشهير عبر «تويتر». وكانت المغنية الأميركية كورتني لوف محور أول قضية واسعة النطاق تتعلق بالتشهير بسبب رسائل أرسلت عبر «تويتر».

وقد قدمت مصممة الأزياء دون سيمورانغاكير قضية ضد لوف بسبب تصريحات أدلت بها المغنية عبر «تويتر» في مارس (آذار) 2009 حول المصممة، متهمتها بتعاطي المخدرات والكذب وغيرها من اتهامات لم تقدم لوف دليلا عليها.

وبعد أن تقدمت سيمورانغاكير بشكوى قضائية قبل ما يقارب 18 شهرا ضد لوف، بدأت محكمة أميركية في درس أولويات القضية بداية العام الحالي. إلا أنه تم تأجيل الجلسات مرات عدة على أمل أن يتوصل الطرفان إلى تسوية. وكانت القضية قد بدأت بعد أن اختلفت لوف مع المصممة حول بضعة آلاف دولار حول ملابس صممتها سيمورانغاكير لها.

وقالت لوف إن الرسائل التي بعثتها «بناء على ما قالته» سيمورانغاكير، بينما قال محامي لوف جيمس جانويتز: «لا نؤمن بأن هناك أي تشهير، وحتى إن كانت هناك تصريحات تعتبر أنها تشهير، لم تتسبب بضرر».

إلا أن محامين سيمورانغاكير يعتبرون أنها تعرضت لـ«اتهامات وأكاذيب خرافية وتهديدات بالضرر». وعند نشر هذا الموضوع لم تكن القضية قد حسمت، ولم تشهد جلسات مفتوحة كان ينتظرها المحامون ومراقبو قضية التشهير عبر الإنترنت حيث ستكون سابقة من نوعها.

ويذكر أن في مايو (أيار) 2009، قدمت سيمورانغاكير تعديلا لشكواها لتضيف «الضرر العاطفي» فيها. وهذه شكوى أساسية لمن يريد أن يتقدم بشكوى تشهير، حيث إنها تعتمد على تقييم الضرر الناتج من التشهير في حال تم إثباته. وشرح المحامي مات وود، الخبير في معهد «برنامج تواصل الإعلام»، مقره واشنطن، أن «هناك قضايا معروفة أقرتها المحكمة العليا الأميركية تنص على حماية حرية التعبير في الحديث عن شخصية عامة إلا إذا كان هناك إثبات بنيات خبيثة للضرر بتلك الشخصية، إما جسديا وإما ماليا وإما معنويا».

وأضاف: «المسألة ترتكز على النتائج بدلا من الحديث نفسه»، موضحا: «هناك تركيز أيضا على نيات الجاني أو المتهم في قضايا التشهير والحكم على نياته بالإضافة إلى النتائج التي تسبب بها».

وحذر وود من التسرع في الحكم على قضايا التشهير على مواقع الإعلام الاجتماعي، موضحا أنه ما زال مجالا جديدا نسبيا ولكن القواعد القضائية للتعامل معه، في الولايات المتحدة على الأقل، معروفة وتقليدية بناء على قوانين المتعلقة بالإعلام بشكل عام. وأضاف أن كل قضية تختلف بحسب مكان تقديم المحاكمة، وركز في تصريحاته على القانون الأميركي.

ويعتبر قانون «نور الشمس» القاعدة الأساسية للقضاء الأميركي حول التشهير، حيث يعتبر القانون الأميركي أن الرد الأفضل على تصريحات خاطئة يأتي من خلال تصريح مضاد. وقال وود: «الرؤية العامة هي أن المزيد من الكلام حل أفضل من تقليص حرية التعبير وتحديد القدرة على الكلام».

ويقوم «مشروع قانون إعلام المواطنين» برصد كل القضايا المتعلقة بـ«إعلام المواطنين»، مشددا على أهمية حماية حرية المواطنين في التعبير. ولكن اعتبر وود أن «نفس مبادئ قوانين الإعلام المكتوب أو الإعلام المرئي تنطبق على الإعلام الجديد، ولكن المسألة هي أين يتم تطبيق القانون».

ولفت البروفسور فيلدستاين إلى المخاطر من اعتبار أن «كل ما ينشر على الإنترنت حقيقة، وهذا أمر يؤدي إلى الكثير من المساوئ، ولكن في الوقت نفسه فتح المجال للكثيرين أن ينقلوا المعلومات».

وأضاف أن قضية المعلومات المغلوطة وتبعاتها ليست حكرا فقط على الإعلام الجديد، موضحا: «يعاني الإعلام التقليدي من بعض الصحافيين الذين لا يمكن الاعتماد عليهم أو من الصحف الصفراء، إلا أن هذه كانت نسبة قليلة وتجد من الصعب أن تواصل النشر والانتشار، إلا أن الإنترنت غير ذلك، فالآن الفضاء الإلكتروني وإلى ما لا نهاية».

وحملت شهادة كلينتون أمام الكونغرس جملة مهمة، حيث قالت: «لا يمكن لنا أن ننسى الإعلام التقليدي بينما نحاول أن نخترق مناطق جديدة مع الإعلام الجديد».

وبينما قواعد التعامل القضائي مع الإعلام الاجتماعي ما زالت غير مثبتة، من المرتقب أن يعتمد الكثيرون على القوانين المنطبقة على الإعلام «القديم» في معالجة قضايا القدح والتشهير في محتوى الإعلام القديم.