زجاج سائل ينظف نفسه بنفسه .. ويصلح لمختلف الاستخدامات
يخبئ لنا المستقبل الكثير من الابتكارات التي توضع في خدمة الإنسان، بدءا بالروبوتات التي تتولى الأعمال المنزلية، مرورا بأجهزة قراءة الأفكار، وانتهاء بالأنسجة والصحون التي تنظف نفسها بنفسها. الصحون المذكورة ستكون مصنوعة من زجاج سائل ينظف نفسه من بقايا الطعام تلقائيا.
أما الزجاج فهو زجاج معدني (Mineral) جديد من إنتاج شركة «نانوبوول» الألمانية التي تتخذ من مدينة كارلسروه (جنوب غربي ألمانيا) مقرا لها. ولقد ذكرت مصادر الشركة أن شرائح الزجاج المصنوعة من الزجاج السائل قوية، لا تنكسر أو تنخدش بسهولة، كما أنها رؤوف بالبيئة ويمكن استخدامها «بلا حدود» في كل المجالات الصناعية.
وعدا ذلك، فهي رقيقة جدا وشفافة ومرنة و«تتنفس»، بمعنى أنها تمرّر الهواء من الخارج إلى الداخل وبالعكس. ولذا تصلح لصناعة الأدوات المطبخية والشرائح الإلكترونية والكومبيوترات وحماية الآثار التاريخية.
بل إن قوتها تجعلها صالحة لتغليف أدوات العمل القوية مثل المطارق والكمّاشات ومفكات البراغي، ولذا تعتبرها الشركة الصانعة أهم اختراع في مجال الزجاج منذ اختراع مادة «التيفلون»، المستخدمة في صناعة الطناجر، في فرنسا عام 1954.
للعلم، يمكن طلاء السطوح المعدنية والخشبية والسيراميكية بطبقات رقيقة من الزجاج السائل، وهو ما قد يحتاجه العلماء لتغليف الطائرات والمركبات الفضائية والسطوح التي تتعرّض للتآكل. إضافة إلى أنه يتخذ شكل السطوح التي يلامسها فيصبح مادة مهمة لطلي الأقداح والصحون وغيرها من الأدوات المطبخية.
ومن ناحية ثانية، فإن الزجاج السائل من «نانوبوول» عبارة عن سائل معدني كثيف، يبرد بسرعة، ويتحول إلى زجاج لا يقل قوة عن البلّور (الكريستال)، ولا يتأثر بالحرارة بعد تحوله إلى الحالة الصلبة. وكان العلماء قد استخدموا رمل الكوارتز في إنتاج «الزجاج السيليكوني السائل» بعد خلطه بمواد معدنية والماء والكحول وصمغ الراتنغ.
وشكّل الرمل مع بقية المواد «محلولا عالقا» يحتوي على جزيئات نانوية من ثاني أكسيد السيليكون. ومن ثم، تَمكّن العلماء في المختبر من صب الزجاج السائل في شرائح لا يزيد سمك الواحدة منها على 100 نانومتر، أي أرقّ 500 مرة من شعرة إنسان، ذلك أن النانومتر يعادل واحد من بليون جزء من المتر.
وتعمل قوى «كهربائية استاتيكية» (ساكنة) على تجميع الجزيئات النانوية للسائل، بعد تصلّب الزجاج، في الأشكال المطلوبة وتمنع انفلاتها عن السطح. وهذا يعني أن الجزيئات النانوية لا تتطاير عن السطوح الزجاجية فتشكل خطرا على جهاز تنفس الإنسان.
أمر آخر جدير بالذكر، أنه إذا كان الإنسان، الذي اكتشف الزجاج قبل آلاف السنين، يحتاج إلى حرارة عالية لإذابة السيليكون وصنع الزجاج، فإن الزجاج السائل الجديد يسيل في درجة حرارة الغرفة. مع الإشارة إلى أن السيليكون يشكل 15% من تربة الأرض وهو ما يَعِد بإمكانية إنتاج واستخدام الزجاج السائل بشكل استراتيجي.
والمهم أيضا أن الزجاج السائل، بالنظر إلى انزلاق الأوساخ وذرات الغبار وبقايا الطعام عنه، يصبح مهما جدا في مقاومة الالتهابات والعدوى. وقد يؤدي استخدامه في صنع الأدوات الجراحية، وأواني المستشفيات، والأسرّة وأكر الأبواب والسطوح الأخرى، إلى تقليص احتمالات حدوث الالتهابات في المستشفيات.
وأجرى خبراء الشركة فحوصا على عدة سطوح، بينها موائد طعام، مطلية بالزجاج السائل، فلاحظوا أنه يتمتع بقدرة «طاردة للبكتيريا والفطريات»، كذلك تعجز الجراثيم عموما عن «زرع» نفسها على السطوح ويصبح من السهل غسلها من على السطح.
وعلى الرغم من رقة طبقة الزجاج فإنه مقاوم للكسر والخدش، لا تؤثر فيه محاليل التنظيف والغسل، ولا الحرارة أو البرودة. ويمكن لطبقة منه على منضدة، تستخدم يوميا، أن تقاوم مختلف الظروف لسنوات عديدة قبل أن تستجد الحاجة لطلي السطح مجددا. وهذه ميزة تجعله ملائما للتثبيت على الشبابيك كزجاج دائم النظافة، مقاوم للعوامل الطبيعية، وحافظ للطاقة.
وفي تجربة عملية، وضع الباحثون قطعة خشب مغلفة بالزجاج السائل على قمة مستعمرة للنمل طوال 9 أشهر. ووضعوا قطعة مماثلة، لكنها غير معاملة بالزجاج السائل، فوق مستعمرة أخرى للفترة نفسها، فتبين بعد ذلك أن القطعة الثانية فقدت 60% من كتلتها، في حين بقيت القطعة الأولى كاملة.
وبذا استنتج العلماء أن الزجاج المصنوع من الجزيئات النانوية طارد للحشرات أيضا.
ثم، بالنظر إلى طبيعة هذه الجزيئات النفاذة التي تسمح بمرور بعض الهواء، يفكر الباحثون في استخدام الابتكار الجديد في الزراعة لحماية المزروعات والمحاصيل من الآفات الزراعية، وخصوصا الفطريات، لا سيما أنه اتضح مختبريا أن طبقة الزجاج الرقيقة، التي تغطي كمية من البذور، تحافظ على البذور طازجة وتحميها من هجمات الفطريات، بل إن هذه البذور المحمية بـ«مظلة» من السائل الزجاجي، كانت أسرع نموا من غيرها بعد زراعتها.
حسب مصادر «نانوبوول»، الشركة الصانعة، فإن شركة أميركية كبيرة لصناعة الأجهزة والأدوات المطبخية أعربت عن رغبتها في الحصول على تقنية صناعة الزجاج السائل. وتقول «نانوبوول» إن شركة يابانية لصناعة المراحيض والأحواض أبدت اهتمامها باقتناء الزجاج السائل لطلاء منتجاتها به.
وهنا تضرب هذه الشركة عصفورين بحجر، فهي تستخدم زجاجا لا تقف عليه القاذورات، كما تحول الزجاج السائل إلى «منظف» ومعقم قوي في المراحيض.
واحتلت شركة «نانوبوول» عناوين الصحف التركية قبل فترة بعد أن نجحت، بتكليف من الحكومة التركية، بتغليف كامل لضريح كمال أتاتورك، بالزجاج السائل الشفاف. وذكر الباحث التركي خليل إيسكجي، من جامعة أزمير، أن الحكومة التركية تخطط لحماية 130 موقعا تاريخيا في تركيا بنفس التقنية.