شقة تستوحي ملامحها من «مرحلة ما بعد الحرب»
تصف «أنغي ليك» نفسها بفخر بأنها «شخصية من مرحلة ما قبل الحرب»، وهذا يعني أنها تنتمي إلى شريحة من سكان نيويورك المتيمين بأرفف الكتب المدمجة والنقوش المسبوكة على كل الأسطح المتاحة. وأثناء تلخيصها للأمر، قالت ليك: «عشت دائما في مكان مزود بمدفأة. وأنا أعني بهذا مدفأة حقيقية».
ليك، التي قضت نصف قرن تقريبا في العمل كمديرة أزياء، وتحولت مؤخرا إلى سمسارة عقارات، عاشت حياتها الكاملة تقريبا في أجواء ما قبل الحرب، حيث ترعرعت خلال عقد الأربعينات من القرن الماضي في مبنى قديم بمنطقة واشنطن هايتس، وقضت بعضا من أسعد سنواتها في محيط الشارع الشرقي رقم 76، المنزل الذي شهد زواج فرانكلين وإليانور روزفلت في عام 1905.
وكانت محطتها التالية شقة مكونة من غرفتين في منزل يعود تاريخ بنائه إلى مرحلة ما قبل الحرب في منطقة «ساتون بليس ساوث» مجهز بأرضيات من الخشب الصلب عليها زخارف متعرجة وسقوف ارتفاعها 12 قدما مكللة بقوالب زينة.
ووصفت عينة من المؤلفات الترويجية كلمة «الرحابة» بأنها «سحر العالم القديم خلال مرحلة ما قبل الحرب». وقالت ليك، التي أمضت 15 سنة في تلك الشقة: «لم يكن هذا هو السبب الذي جعلني غير مستعدة للانتقال من هذه الشقة. فهناك شيء يتعلق بمرحلة ما قبل الحرب هو الذي يجعلني أشعر براحة كبيرة جدا في المنزل».
ولكن بحلول عام 1999، ومع وصول تكاليف صيانة الشقة إلى 1350 دولارا، قررت أن الوقت قد حان للعثور على شقة أقل تكلفة. وتشرح ليك، التي اشترت الشقة خلال ذلك العام بمبلغ 356000 دولار: «لذا عندما عثرت على شقة مشتركة بغرفة نوم واحدة في الشارع مع تكاليف صيانة تقدر قيمتها بمبلغ 850 دولارا ورؤية مثيرة لنهر الشرق، أعجبت بها تماما».
تاريخ المبنى الواقع في 45 ساتون بليس ساوث، يعود فقط إلى الحقبة التي شهدت عرض مسلسل «رجال مجانين» (ماد مين)، ومن السهل تخيل صورة شخصية «دون دريبر» وهو يسير متباطئا بجوار واجهة مبنية من الطوب الأبيض. ولكن وبمجرد الدخول من باب الشقة، يشعر الزائر أنه انتقل إلى حقبة ماضية أبعد من الستينات بكثير.
ولا يعود سبب هذا الإحساس إلى الموسيقى الكلاسيكية الأميركية مثل «أين أو متى» و«عندما يمر الوقت» التي يتم تشغيلها بشكل دائم في الخلفية. ولكن السبب الحقيقي الذي يجعل شقة ليك تبدو مثل أثر من حقبة أخرى هو أنها أنفقت 125000 دولار أميركي لكي تصبغ على كل غرفة فيها زخارف ديكورات مرحلة ما قبل الحرب، بما في ذلك مقابض الأبواب النحاسية.
تعلق ليك: «لدرجة معينة، يقول جيراني إن شقتي الحالية لا تشبه الشقة التي اشتريتها في البداية»، وحدثت أكثر التحولات في المدفأة، أو بتعبير أكثر دقة في استحداث مدفأة جديدة. فـ«الانتقال إلى شقة من دون مدفأة» لم يكن أمرا واردا بالنسبة لها، وبالتالي أدخلت هذا التعديل الكبير الذي رأته ضروريا «خصوصا عندما فكرت في حفلات العشاء التي كنت أقيمها هناك، وبالتالي أردت امتلاك مدفأة بشكل ملح جدا».
وبفضل مدفأة كهربائية مزودة بمرايا، كانت النيران تقفز إلى ما لا نهاية من تحت قطع أخشاب خزفية حققت ليك رغبتها؛ فالنيران تبدو حقيقية جدا، كما تشع قدرا كبيرا من الدفء، ومن الصعب تذكر أن هذا الأمر يمثل خداعا بصريا.
في الشقة خدعة أخرى يدوية تستخدم فيها قوالب زخرفية بالأسقف والأبواب والمكاتب والخزانات. وتعطي هذه الزخارف الانطباع بأن هذه الشقة كانت موجودة منذ فترة أطول بكثير، مثلما يفعل برنامج الألوان الذي اختارته «ليك»، والذي يركز على استخدام اللون الرمادي الفاتح والداكن.
وإذا ما تحدثنا عن المكتبات؛ فسوف نجد أنها مركبة حول المدفأة، وأن الأرفف تحمل كميات كبيرة من الكتب القديمة التي تبدو أغلفتها الجلدية الداكنة مشققة وبالية. وتشير المجموعة المختارة التي تضم قصص ويفرلي للسير والتر سكوت وأشعار توماس مور إلى محتويات مكتبة أحد النبلاء منذ عقد.
تقول ليك: «اشتريت هذه الكتب بكميات كبيرة من فرنسا»، وذكرت أنها لم تقرأ الكتب وأن بعض هذه الكتب تبدو ببساطة مجرد أغلفة فارغة. ولكنها استطردت متسائلة: «ولكن ألا تعتقد أن هذه الكتب تمنح الغرفة دفئا رائعا؟».
تجدر الإشارة إلى أن الدفء كان أيضا الكلمة التي استخدمتها ليك بشكل شائع في حديثها عن غرفة نومها. وتحتوي الغرفة على أكوام من الألحفة البيضاء القديمة، مع وجود العشرات من أغطية الوسائد التي تغطي السرير النحاسي.
وتتكرر الستائر المزخرفة بنقوش زهرية زرقاء وبيضاء قديمة بالشقة على الجدران. وتحيط مصاريع الإغلاق الرمادية القديمة بالنوافذ. وليس لدى ليك، التي طلقت في عقد السبعينات من القرن الماضي، أي أولاد، ولكن صور ابنة أختها المحببة إلى قلبها سينتيا بيترس، تتوسط الطاولة الليلية بالقرب من صور زوج من الكلاب الأليفة التي رافقت ليك لسنوات طويلة.
وتعتبر ليك، التي عثرت على جزء كبير من أثاثها فيما تصفه «بأماكن الأسواق الرخيصة»، نفسها بأنها مقتنية أصيلة للتحف والأثاثات القديمة. فهي تمتلك عددا كبيرا من التماثيل المنحوتة من الخشب والمطلية بالذهب، فضلا عن مطفأة سجائر تقول إنها تجلب لها الحظ الجيد.
على أحد جدران غرفة النوم، علقت ثلاث لوحات تجسد فتيات جميلات كلها تحمل لمسة خاصة، قالت ليك معلقة عليها: «انظروا إلى هذه القصات والتعبيرات الجادة، وهذه البراءة»، أما في حمامها، فتتنافس المرايا الفضية التي تعود لحقبة الملكة فيكتوريا والفرشات المزودة بأيادٍ فضية، على المساحة المخصصة لزجاجات العطور، التي أصبحت ملصقاتها بنية ومتجعدة بمرور الوقت.
وعلى الرغم من أن الشقة تفيض بمواد تأسر العين، تتضح المساحة بالفعل عندما توجه ليك الدعوة لأصدقائها من أجل تناول العشاء معها، وهو الأمر الذي تفعله في كثير من الأحيان، وبيد سخية.
تقول: «يمكنني أن أعقد حفلات متنوعة لـ40 فردا هنا. وأتفق مع شخص للعزف على البيانو. ويمكنك أن ترى انعكاس النهر على المرآة الكبيرة». في هذه المناسبات، تقدم ليك المشروبات التي تحتفظ بها في الخزانة الأمامية في أوان كريستالية متراصة على عربة المشروبات الجاهزة للعمل.
وإذا حدث أن استقبلت جيشا من المساعدين المحليين في هذه الفعاليات، فإن لديها على الأقل إحدى الأدوات الضرورية، وهي كرة الوصيف المصنوعة من الزجاج الزئبقي. وتتميز هذه الكرة بأنها لامعة اعتادت ليك أن تضعها على المائدة من أجل عكس صورة الضيوف خلال العشاء.
وتسمح الكرة للخدم بالانتظار في الأجنحة من أجل تحديد الوقت الذي ينتهي فيه الناس من تناول طعامهم بتروٍّ لكي يتمكنوا من إخلاء المائدة من الأواني. أما في حال احتاجت لاستدعاء أي فرد من الخدم، فإن بمقدورها دائما أن تستخدم الجرس البلوري الذي يعتبر جزءا من مجموعة حليها البلورية.