هل هناك علاقة بين فصائل الدم والخصوبة .. وما فاعلية دهان منع الحمل؟
يعتبر تناول الدراسات العلمية الحديثة في وسائل الإعلام مسألة شائكة وشديدة الحساسية، وقد تثير في بعض الأحيان بلبلة لدى جمهور القراء، إذ إن الباحث بين هذه الدراسات يكون عالقا بين أمرين، إما أن يواكب الأحداث العالمية وينشر الخبر، أو أن ينأى بنفسه عن حقل مليء بالأشواك فيحرم القارئ من الاطلاع على الكثير من الدراسات القيمة. ويبقى دائما الخط الفاصل بين الأمرين هو محاولة تقييم الأبحاث والانتقاء فيما بينها لما يصلح للعرض العام وما لا يصلح، وفقا للمعايير العلمية.
ومثال على ذلك، ما قامت بعرضه صحيفة «الغارديان» البريطانية العريقة في يومين متتالين بصفحاتها العلمية، لدراستين علميتين، الأولى نشرت في الخامس والعشرين من أكتوبر (تشرين الأول)، وهي تتعلق بوجود صلة بين فصيلة الدم ومعدل الخصوبة لدى السيدات. أما الدراسة الثانية، التي نشرت في السادس والعشرين من أكتوبر، فتتناول ابتكار دهان جديد لمنع الحمل.
رغم عدم وجود علاقة مباشرة بين الدراستين، سوى أنهما ينتميان إلى مجال النساء والتوليد ونشرهما بالمطبوعة ذاتها، فإن تدقيق النظر في محتواهما وما توصلتا إليه من نتائج، وكذلك ما أثارتاه من رد فعل جمهور القراء والخبراء، يصلح كنموذج لمحاولة تحليل الدراسات التي تصلح نتائجها للنشر العام، وتلك التي يحب أن تظل في جعبة العلماء حتى تصل إلى مرحلة النتائج اليقينية.
الخصوبة وفصيلة الدم
وتشير الدراسة الأولى إلى اكتشاف علماء كلية طب ألبرت أينشتاين بجامعة نيويورك أن ثمة صلة بين فصيلة الدم وخصوبة النساء، إذ قال الباحثون إن السيدات ذوات فصيلة الدم «أو» (O) أقل خصوبة من غيرهن، في حين يبدو أن الخصوبة ترتفع أكثر في صاحبات الفصيلة «إيه» (A).
ويوضح البحث أنه بدراسة حالات نحو 560 سيدة (متوسط أعمارهن نحو 35 عاما)، وجد أن نسبة هرمون «FSH» مرتفعة في دماء ذوات الفصيلة «O»، وهو ما قد يعني قلة الخصوبة، حيث إن نتائج قياس نسبة الهرمون بالدم التي تكون أعلى من 10 مللي وحدة دولية في كل مللي لتر من الدم، تشير إلى نقصان احتياطي المبيض من البويضات من حيث العدد والجودة.
ويقول الدكتور إدوارد نجات، اخصائي النساء والتوليد، إنه اكتشف أن نسب هرمون «FSH» تكون أعلى من الرقم 10 بنسبة الضعف في السيدات صاحبات الفصيلة «O» عن غيرهن من أصحاب الفصائل الأخرى، مما يعني أنهن أقل خصوبة، في حين أن صاحبات الفصيلة «A» أظهرن أنهن أعلى خصوبة، حيث انحصرت نسب الهرمون في حدود أدنى من ذلك.
وبما أن معدل الخصوبة واحتياطي المبيض يقل مع تقدم العمر، ينصح نجات السيدات من أصحاب الفصيلة «O» بمحاولة الحمل مبكرا في حالة الرغبة في ذلك.
هلام لمنع الحمل
أما البحث الثاني فهو يتناول ابتكار هلام (جيل) يستخدم عن طريق الجلد لمنع الحمل، مما قد يعد بديلا للأقراص الهرمونية المعتادة.
ويشير البحث إلى أن الهلام الجديد يمتاز بكونه لا يتسبب في زيادة الوزن أو ظهور البثور (حب الشباب) بالوجه، وهي من الأعراض الجانبية الشائعة للأقراص الهرمونية.
كما أنه مناسب للاستخدام أثناء فترة الإرضاع، وكذلك يمكن استعماله ودهانه على البطن أو الفخذين أو الذراعين أو الكتفين لمرة واحدة يوميا، وهو سريع الامتصاص عبر الجلد ولا يترك أثرا.
وتؤكد الدكتورة روث ميركاتز، مديرة مركز الأبحاث السكانية في نيويورك، أن الهلام الجديد نجح في منع الحمل في 18 سيدة متطوعة، تتراوح أعمارهن بين 20 و30 عاما، على مدار سبعة أشهر هي كل عمر التجربة، بنسبة نجاح بلغت مائة في المائة.
دقة البحث
وقد يبدو لمن يقرأ الدراستين للوهلة الأولى، وإن اختلفتا كليا في الغرض، أن الدراسة التي تتعلق بفصائل الدم هي الأدق، وذلك لمجرد أنها شملت عددا أكبر من المتطوعين.. إلا أن الواقع العلمي ليس كذلك، فعلى الرغم من أن المتخصصين علقوا على كلتا الدراستين بأنها تحتاج إلى إجراء مزيد من الأبحاث على نطاق أوسع وأشمل، فإن الفارق الجوهري بين البحثين يكمن في آلية البحث العلمي لكليهما.
وبينما تعتمد الدراسة الأولى على البحث عن عنصر مشترك بين البشر، فإن الثانية تعتمد على البحث عن نتائج مباشرة. لذلك فإن النظر إلى العدد وحده قد يصبح غير ذي معنى، إذ إن اكتشاف أمر مشترك بين 500 فرد في العالم لا يحمل أي مغزى علمي سوى لفت الأنظار إلى احتمالية تجب متابعتها، ولا يستوجب ذلك قطعا أن ينظر له العالم على أنه حقيقة مطلقة.
أما في الحالة الثانية فإن خطوات التجارب العملية لأي عقار مكتشف تستدعي تجربته مبدئيا على عدد قليل من البشر، فإذا نجح معهم ولم تظهر له آثار جانبية خطرة، وهو ما توصلت إليه الدراسة، وجب توسيع عينة التجربة وإعادة تقييمها.. ولا يستلزم ذلك إجراء تجارب على آلاف البشر لإثبات النتائج.
لذلك كان الاستقبال العلمي للدراسة الأولى حذرا للغاية، إذ إن العلماء نصحوا بضرورة بحثها على نطاق عالمي قبل الأخذ بها، مع الوضع في الاعتبار أهمية عدم الاعتماد على ما توصلت إليه من نتائج قبل ذلك من الأفراد أو الهيئات العلمية.
ومثال على تلك التعليقات ما نشرته الجريدة ذاتها من قول البروفسور توني روث، رئيس جمعية الخصوبة البريطانية، إن «هذه هي المرة الأولى التي أسمع فيها بوجود مثل هذا الارتباط بين فصائل الدم ومعدل الخصوبة، إنه أمر مثير أن يكون هناك ثمة ارتباط افتراضي بين الأمرين، لكن لدينا الكثير من الوسائل المعتمدة الأكثر مصداقية لتشخيص نقص الخصوبة.. ويجب أن يتم إجراء تجارب أكبر وأشمل قبل اعتماد النتائج».
أما الدراسة الثانية فقد استقبلها العلماء بالترحاب، نظرا لأنها تفتح أفقا جديدا في مجال وسائل منع الحمل، وقد تضمن انضمام ملايين النساء ممن يرفضن استخدام الأقراص الهرمونية، بما لها من مزايا وعليها من عيوب، إلى زمرة مستخدمي وسائل منع الحمل مستقبلا.
وعن ذلك تقول ناتيكا هاليل، مديرة المعلومات باتحاد تنظيم الأسرة بالمملكة المتحدة، إن «اكتشاف أي وسيلة جديدة ومبتكرة لمنع الحمل أمر مرحب به، فهناك ما يناهز مليوني امرأة ممن يستخدمن وسائل لمنع الحمل لا تروقهن.. وقد تفلح معهن وسيلة جديدة».
وعليه، فسوف تظل قضية نشر الأبحاث العلمية محل جدل، بين مؤيد لنشر كل ما تفرزه الدراسات من نتائج جديدة لمواكبة الأحداث الجارية، أو نشر ما يستوفي الحدود المعقولة من القبول العلمي، إذ إن معظم الأبحاث والدراسات تستهدف مخاطبة جمهور العلماء بالأساس وليس العامة، وذلك لقدرة المتخصصين على النظر إليها في محلها الصحيح، وتقييم نتائجها وفق معايير الدراسة البحثية، وعدم الانسياق وراء نتائج قد تبدو ذات بريق زائف.
أما في حالة النشر العام، فقد تستقر بعض النتائج في غير موضعها، مما قد يتسبب في إثارة المخاوف أو حتى بث الأمل الزائف في نفوس العامة.