هل يقلل التغير المناخي من انتشار الملاريا؟
أثارت دراسة بحثية نشرتها دورية «نتشر» العلمية في عددها الصادر في 20 مايو (أيار) الحالي جدلا حادا بين العلماء المهتمين بدراسة مدى التأثيرات المناخية على انتشار مرض الملاريا في المناطق الحارة في العالم.
وقام علماء من جامعة أكسفورد البريطانية، بمشاركة أميركية وكينية، بإجراء دراسة تعتمد في الأساس على المقارنة بين الخرائط البيولوجية لانتشار الملاريا، التي تعود إلى بداية القرن العشرين، مع الخرائط الحالية، مع وضع التغيرات المناخية في الاعتبار.
واكتشف العلماء أنه على الرغم من ارتفاع معدل درجات الحرارة في نهاية القرن الماضي، فإن معدل تفشي مرض الملاريا قد تناقص عن ذي قبل.
دراسة «واقعية»
وتختلف الدراسة نوعيا عن كل ما سبقها من دراسات تحاول قياس معدلات انتشار المرض وتأثره بالتغيرات المناخية العالمية، في كونها الأولى من نوعها التي تعتمد في الأساس على «أحداث وقعت بالفعل»، وليس على «أحداث تنبؤية» كما يحدث مع كل الدراسات الحديثة.
وبحسب تصريح الدكتور بيتر غيثينج، الباحث بوحدة علم الحيوان بجامعة أكسفورد، المشرف الرئيسي على الدراسة، لموقع SciDev العلمي فإن «الكثير من الباحثين لديهم يقين حتمي بأن التغيرات المناخية تجاه المزيد من تسخين الأرض، سوف تزيد لا محالة من تفشي الملاريا، مثلما توقع العلماء سابقا في القرن العشرين، ولكن الدراسة المقارنة التي أجريناها أفادت بخطأ ذلك كليا».
ولكن على الجانب الآخر من الجدل يقف طابور طويل من العلماء الرافضين لهذه النتائج، منهم الباحث الأميركي ماثيو توماس، من جامعة بنسلفانيا، الذي أكد أن الدراسة محل الجدل تعاملت مع النتائج بـ«سطحية» بالغة، وأغفلت دور التغير المناخي المحوري في انتشار الأمراض، مدللا على رأيه بأمرين، أولهما أن نتائج الدراسة أغفلت دور التطور العلمي الهائل الذي حدث طوال القرن المنصرم في مجالات مكافحة العدوى عبر التلقيح والمضادات الحيوية المستحدثة واستخدام مبيدات حشرية وناموسيات (سواتر قماشية على شكل شبكات) معالجة بالمواد الكيمائية المضادة للبعوض.
والأمر الثاني هو أن الدراسة أهملت النتيجة التي تقر بأن التناقص الذي حدث في مناطق انتشار المرض، هو تناقص جغرافي نوعي، أي أن هناك مناطق قد تناقص فيها انتشار المرض جنبا إلى جنب مع مناطق أخرى زاد فيها الانتشار، ولو كانت المحصلة النهائية في صف الانحسار، فإن ذلك لا يعني أبدا عدم وجود دور للتغير المناخي، بحسب توماس.
دور المكافحة
وأضاف توماس أن الاستخدام المكثف للمبيدات والعقاقير المضادة للملاريا قد يتسبب مستقبلا في تقليص الفرص العلاجية للمرض نتيجة التغيرات الجينية التي قد تنشأ للميكروب، وتحصنه ضد تلك المواد، لتحيله إلى مرض مقاوم للأدوية.
وهو الأمر الذي قد يعني أن أي تغير بسيط في المناخ قد يؤدي بدوره إلى إثارة الميكروب بشدة غير متوقعة.
كما أضاف توماس قائلا: «لو أنني أعيش في قرية واحدة في العالم ينتشر بها المرض فلن يعنيني كثيرا أو قليلا انحساره في باقي العالم، بل سيهمني مدى إمكانية انتشاره في موطني فقط».
ومن جانبه علق الباحث كيفين لافرتي من جامعة كاليفورنيا على الدراسة قائلا: «أغفلت الدراسة عوامل أخرى كثيرة تتدخل في مدى انتشار المرض، مثل الحركة البشرية عبر الحدود، التي قد تحمل معها المرض إلى آفاق جديدة غير متوقعة».
وشدد ماثيو توماس على أن مثل هذه المناطق العلمية الجدلية لا بد أن تخضع لمزيد من البحث العلمي الجاد والمتأني، قبل الخروج بنتائج قد تزيد من حالة البلبلة لدى جمهور المتلقين من القراء.