فقدان السمع .. المرض صامت .. مشكلاته ومعالجته
يتعرض كل واحد منا إلى الصمم، أي فقدان السمع، بين فترة وأخرى بسبب تراكم شمع الأذن، أو عدوى تصيب الأذن، أو عند الإحساس بتخلخل الضغط في الأذن عند الطيران، التي تؤدي كلها إلى فقدان مؤقت للسمع. كما أن درجة خفيفة من الإعاقة السمعية تظهر حتما مع هرم الإنسان وشيخوخته.
إلا أن نحو 29 مليون أميركي يعانون من مشكلة حقيقية في السمع. وتحدث مشكلات فقدان السمع الكبرى بشكل أكثر شيوعا مع تقدم العمر، خصوصا بعد عمر 65 سنة.
ويعاني الرجال من فقدان السمع بنسبة 5.5 مرة أكثر من النساء، الأمر الذي يتسبب في صعوبة التحادث. إلا أن الطب الحديث قادر على تقديم المساعدة لهم.
تنقسم الأذن ثلاثة أقسام. ويتألف القسم الخارجي لها من: الأذن الخارجية (الصيوان) وقناة الأذن السمعية.
أما الأذن الوسطى فتتألف من طبلة الأذن، أو غشاء الطبلة، وثلاث عظام، أو عظيمات، صغيرة ossicles (العظم المطرقي malleus، وعظم السندان incus، والعظم الركابي stapes).
أما الأذن الداخلية، أو المتاهة (الدهليز)، فهي أكثر تعقيدا، إذ إنها تتألف من القوقعة، وثلاث قنوات شبه دائرية مسؤولة عن حفظ التوازن، إضافة إلى أحد نهايات العصب السمعي، الذي يتصل بالدماغ.
وبينما تلتقط الأذن الخارجية الموجات الصوتية، تقوم القناة السمعية بتمريرها نحو طبلة الأذن.
وتأخذ الطبلة في الاهتزاز عندما تضربها الموجات الصوتية. وتنتقل الاهتزازات في سلسلة العظام الصغيرة في الأذن الوسطى حتى تصل إلى العظم الثالث، الذي يرتبط بالقوقعة.
والقوقعة، في حد ذاتها، هي عالم صغير مشغول بأعماله، فهي تمتلئ بسائل يحيط بما بين 10 آلاف إلى 15 ألفا من الخلايا الشعرية (الأهداب) الصغيرة جدا cilia.
وتقوم الاهتزازات الآتية من العظم الركابي بتوليد موجات من هذا السائل عبر القوقعة، التي يشابه شكلها شكل الحلزون.
وتولد موجات السائل حركات متأرجحة في الخلايا الشعرية. وبدورها تقوم هذه الخلايا بإفراز نواقل عصبية تقوم بتنشيط العصب السمعي، الذي يرسل إشارات كهربائية صغيرة إلى الدماغ الذي يقوم بدوره بتفسير الأصوات.
إن الأذن جهاز معقد يقوم بتحويل الموجات الصوتية إلى إشارات كهربائية تتوجه نحو الدماغ.
عضو معقد وحساس
الأذن جهاز يحسد تصميمه أفضل مهندسي النظم الصوتية في العالم. إذ، ومن دون أي تردد أو تفكير ولو للحظة واحدة، يمكن الإنسان من تمييز الصوت القادم من آلة الكمان أو من آلة الكلارينيت أو المزمار، أو التفريق بين الصوت القادم من اليمين أو اليسار، أو تمييز الصوت البعيد عن القريب.
كما يمكنه أن يفرز صوت الأنثى والذكر، وصوت الشاب والشيخ، ويميز بين وقع الكلمات المتماثلة مثل «بديع وربيع»، أو «صوم ونوم»! وكما يعرف كل مستخدم لجهاز الكومبيوتر فإن لكل تصميم مطور ومعقد جوانبه المظلمة. وبتعبير آخر أوسع، فإن للأذن مشكلاتها.
وهناك ثلاثة أنواع رئيسية للصمم:
- الصمم التوصيلي Conductive hearing loss، الذي ينجم عن أي عائق يقلل من مقدار الصوت الواصل إلى الأذن الداخلية.
الصمم الحسي العصبي -Sensorineural hearinsg los، الذي ينجم عن مشكلات في الأذن الداخلية ومن ضمنها القوقعة والعصب البصري.
- الصمم الخليط، الذي ينجم عن مشكلات توصيلية وحسية في آن واحد.
1- الصمم التوصيلي
قد يمنع انسداد قناة الأذن، موجات الصوت من الوصول إلى الطبلة. ويعتبر شمع الأذن المتراكم السبب الرئيسي لهذا النوع من الصمم.
وهو أسهل الأنواع علاجا، إلا أنه من المفترض اتخاذ الإجراءات لإزالته، بشكل صائب. أما الأسباب الأخرى للصمم التوصيلي فتشمل فرط نمو العظام، والتهاب الأذن الخارجية، وكذلك المواد التي يستخدمها بعض الناس في تنظيف آذانهم بشكل غير صحيح.
ولكن حتى ولو نجحت الموجات الصوتية في المرور عبر الأذن الخارجية، فإن وجود طبلة متمزقة أو مثقوبة يجعلها لا تقوم بالاهتزاز بشكل ملائم ولا توصل الصوت إلى ما بعدها.
كما قد تمنع مجموعة من السائل الموجود داخل الأذن الداخلية أيضا، التوصيل الاعتيادي للصوت.
وأخيرا فإن فرط نمو العظم الركابي بمقدوره منع هذا العظم الثالث والأخير في الأذن الوسطى من أداء وظيفته في تحويل الاهتزازات في الأذن الوسطى إلى موجات من السائل في القوقعة.
ويؤثر الصمم التوصيلي بالدرجة الرئيسية على الأصوات ذات الترددات الواطئة. وغالبا ما توفر العلاجات الطبية والجراحية حلولا له، وتتراوح الأمثلة هنا بين إزالة شمع الأذن ببساطة وبين تفريغ السائل من الأذن الوسطى، وإصلاح طبلة الأذن المتضررة، وإعادة بناء العظم الركابي بطرق جراحية.
2- الصمم الحسي العصبي
وهو من أكثر المشكلات شيوعا بسبب تدني حاسة السمع الناجمة عن الشيخوخة presbycusis، وهي حالة تدهور وظيفة القوقعة والخلايا الشعرية فيها.
ويتدرج فقدان السمع هنا ببطء، ويؤثر عادة على الأذنين بشكل متساو. وغالبية الأشخاص الذين يعانون من هذه الحالة يجدون صعوبة في التقاط الأصوات ذات الترددات العالية في البداية، ثم، ومع الزمن، في التقاط الترددات المتوسطة، ثم الواطئة.
ولا يمكن درء حدوث هذه الحالة إلا بدرء الشيخوخة، وهو ما ليس بمقدورنا. إلا أنه يمكن درؤها بدرء حدوث الأسباب الأخرى الرئيسية للصمم الحسي العصبي، مثل: التعرض لأضرار في الجهاز السمعي، أو فقدان السمع الناجم عن الضوضاء.
ويلحق الضجيج الضرر بالخلايا الشعرية في القوقعة. وإن كان الضرر كبيرا فإن الصمم سيكون دائما.
وعلى الرغم من أن صوتا قويا مثل صوت انطلاقة نارية من بندقية قد يؤدي إلى حدوث مثل هذا الصمم، فإن الصمم الناجم عن الضوضاء ينتج في العادة بسبب التعرض المتكرر للضجيج الشديد.
ولذا فعلى جيل «آي بود» الحذر! ومن ضمن الأسباب الكثيرة الأخرى للصمم الحسي العصبي، التدخين، والإصابة بمرض السكري، والتعرض لبعض الأدوية (المضادات الحيوية من فئة «أمينوغليكوسايد» aminoglycoside antibiotics، وعقار «سيسبلاتين» cisplatin المضاد للسرطان، ومدرات البول «فيوروسيمايد» furosemide و«إيثاكرينيك أسيد» ethacrinic acid، و«كوينيدين» quinidine، والإسبرين من الجرعات العالية).
ومن الأسباب الرئيسية أيضا «مرض منيير» Ménière›s disease، ومرض التصلب المتعدد، وإصابات الجمجمة، وأورام العصب السمعي، والصمم الوراثي.
3- الصمم المفاجئ
الصمم الحسي العصبي المفاجئ يتطلب وقفة خاصة لأنه يعتبر حالة تحتاج إلى إسعاف فوري. فعندما يحدث صمم شديد، عادة في واحدة من الأذنين، بشكل مفاجئ ومن دون أي سبب ظاهر، فإن المتخصصين يشكون في حدوث عدوى فيروسية.
وتتم المعالجة بالستيرويدات القشرية التي قد تساعد في استعادة السمع، ولكن فقط عند استخدامها بسرعة.
ويؤثر الصمم الحسي العصبي عادة على التقاط الأصوات العالية النبرة في البداية. ولذلك يطلق عليه أحيانا اسم «صمم الزوجة»، فالرجل المصاب بحالة تدني السمع بسبب الشيخوخة قد لا يستطيع أن يفهم أصوات زوجته العالية النبرة، فيما تستطيع زوجته التي تعاني من الحالة، سماع النبرات الواطئة لصوت زوجها.
ويحاول الكثير من المصابين بالصمم الحسي العصبي التعويض عنه برفع أصواتهم. إلا أن هذا لا يساعدهم فالمصابون يسمعون الأصوات الصادرة من الآخرين إلا أنهم لا يتمكنون من فرزها بسبب سوء تمييزهم للأحاديث.
كما أن الصراخ يزيد الأمور حدة خصوصا مع وجود الضجيج الخارجي في الأماكن العامة. ويصعب على المصابين تمييز الحروف الصحيحة (غير المعلولة).
افحص سمعك
إن فحص السمع اختبار دقيق وبسيط إلا أنه يحتاج إلى الأجهزة، وخبرة متخصص في السمع، ويستغرق نحو نصف ساعة.
إن كنت مترددا في الذهاب إلى المتخصص لفحص السمع، فأجب عن هذه الأسئلة:
- هل تقوم برفع صوت المذياع أو التلفزيون؟
- هل تتفادى حضور النشاطات الاجتماعية أو اللقاءات بسبب القلق من عدم فهم ما يجري من حديث؟
- هل تتشوش، أو تلتبس عليك الأحاديث في المطاعم؟
- هل تطلب من الناس تكرار ما يقولون؟
- هل تعاني من صعوبة سماع صوت الهاتف؟
- هل يشكو القريبون منك من عدم اهتمامك بأحاديثهم؟
- أخيرا، فإن بإمكانك أيضا الطلب من صديقك أن يهمس لك بالكلمات وسلسلة من الأرقام للتأكد من حسن سمعك. وإن كنت تشك في سمعك فراجع المتخصصين.
«تخطيط السمع»
الأطباء المتخصصون في الأنف والأذن والحنجرة هم الذين يجرون تقييما شاملا لسمع المريض، يساعدهم في ذلك متخصصو الفحوصات السمعية.
ويتم أولا فحص الأذن والأنف والحنجرة ثم إجراء فحوصات بسيطة. ثم يخضع المريض لتخطيط السمع، حيث يوضع في موقع محصن من الأصوات، وتوضع سماعات على أذنيه لفحص كل منهما على حدة.
ثم توجه نغمات من عدة ترددات إلى الأذن، ويؤشر المريض عند استجابته لأقل مستوى من شدة الصوت في نطاق من الترددات الواطئة والمتوسطة والعالية.
ويميز الأشخاص من ذوي السمع الممتاز، شدة صوت واطئة لا تزيد على 20 ديسيبلا (دب). وإن لم يستطع المريض سماع أصوات تقل شدتها عن 45 - 60 (دب) فإنه يعاني من فقدان سمع متوسط.
أما إن كان لا يستطيع سماع أصوات تقل شدتها عن 76 - 90 (دب)، فإنه يعاني من صمم شديد.
ومع أن سماع النغمات لطيف جدا فإن فهم الكلمات مسألة حاسمة. ويوجه متخصصو السمع أصوات كلمات مسجلة مختلفة الشدة لتقييم «عتبة» فهمك للأحاديث.
ويحدد المتخصص أقل مستوى لشدة الصوت الذي يمكنك تمييزه عندما تتمكن من إعادة أكثر من نصف الكلمات التي عرضت عليك. وأخيرا يتم اختبار مدى تمييز المريض للكلمات المتماثلة صوتيا في الأحاديث.
طنين الأذن .. مشكلاته ومعالجته
على الرغم من أن طنين الأذن قد يزعج بعض الأشخاص من الذين لديهم سمع سليم، فإنه يشيع في الغالب لدى الأشخاص الذين فقدوا سمعهم.
وبينما يوصف صوته بأنه طنين أو رنين، فإن طنين الأذن يمكن أن يظهر على شكل أصوات من الصفير، أو الهمهمة، أو الطقطقة، أو الوشوشة. وقد يكون كل من هذه الأصوات عاليا أو خفيفا، دائما أو متقطعا، موجودا في أذن واحدة أو في كلتا الأذنين.
ويمكن أن يظهر طنين الأذن مع الصمم الحسي العصبي، أو عند التعرض لأضرار في الجهاز السمعي، أو بسبب «مرض منيير»، أو إصابة العصب السمعي، أو بسبب بعض الأدوية. ومع هذا، فإنه يظهر في أغلب الأحيان، من دون سبب واضح.
والأشخاص المعانون من طنين الأذن يحتاجون إلى تقييم لحالتهم من قبل متخصصين. وإن لم يتم التوصل إلى سبب محدد لحدوث هذا الطنين، فإن العلاج ينصب على علاج الأعراض. وفي غالبية الحالات فإن المصابين به يتعلمون التعايش معه.
نوبات الدوار .. والأذن الداخلية
عندما يتحدث الأطباء عن الدوار، فإنهم لا يعنون دوار الرأس الخفيف أو شعورك وكأنك تسبح في ضباب، بل إنهم يعنون «vertigo» وهو شعور بالدوخة يصاحب في الغالب بالغثيان، وكأن المرء يشعر بدوار البحر، ولكن من غير بحر.
والكثير من الأمور يمكنها أن تتسبب في حدوث الدوخة. وفي الغالب فإن المشكلة تكمن في عمل جيروسكوب الجسم الموجود في الأذن الداخلية، الذي يعرف بالجهاز الدهليزي.
- الدوار الموضعي الحميد benign positional vertigo (BPV) شائع الحدوث. وهو يؤدي إلى حدوث الدوخة الناجمة عن وجود الرأس في مواضع معينة، مثل إمالة الرأس ورفعه إلى الأعلى أو إدارته على الوسادة.
وتظهر الدوخة هنا لفترة تقل عن 30 ثانية، إلا أن الدوخة تعود إذا عاد رأسك إلى مواضعه «الخاطئة».
وينجم الدوار الموضعي الحميد عن بعض الشظايا الصغيرة الموجودة في القنوات شبه الدائرية في الأذن الداخلية.
ويمكن للأطباء والمتخصصين حل المشكلة، بعمل بعض الحركات المحددة للمريض لكي تطفو تلك الشظايا خارجا.
وهناك العدوى الفيروسية في الأذن الوسطى، التي تسمى «التهاب العصبون الدهليزي» vestibular neuritis، بمقدورها إحداث الدوخة أو الغثيان اللذين يستمران لعدة أيام أو لعدة أسابيع أحيانا. ويذهب هذا الالتهاب وحده، إلا أن أدوية علاج الغثيان وغثيان الحركة قد تساعد المصابين.
- «مرض منيير» Ménière›s disease، يتسبب في حدوث نوبات من الدوار والغثيان غالبا ما تصاحب بطنين في الأذن. وهو مرض مزمن يشيع لدى الكبار من البالغين.
ويعتقد الأطباء أنه ينتج عن زيادة في السائل الموجود في قنوات الأذن الداخلية. وقد يساعد المصابين به النظام الغذائي قليل الملح، ومدرات البول، وأدوية علاج الغثيان وغثيان الحركة.
وفي أغلب الأحيان تأتي النوبات وتذهب من دون إحداثها لمشكلات كبيرة. إلا أن بعض الحالات الشديدة قد تتطلب التفكير في إجراء عملية جراحية.
وهناك أخيرا نطاق واسع من الأسباب الكثيرة الأخرى للدوار تتراوح بين الصداع النصفي (الشقيقة) وبين السكتة الدماغية والأورام (الحميدة في العادة).
ولذا فإن شعرت بأن رأسك يدور، فعليك التوجه لاستشارة الطبيب بهدف التشخيص والعلاج.
شمع الأذن .. مشكلاته ومعالجته
شمع الأذن حالة بشرية طبيعية تؤثر على الرجال والنساء من كل الطبقات والمراتب.
وعلى الرغم من أن شمع الأذن مسألة عادية فإنه قد يتسبب في ظهور الحكة والإزعاج في الأذن. ويشار إليه على أنه يتسبب في حالات طنين الأذن tinnitus والدوخة vertigo، إلا أن ذلك لا يستحق اللوم في أغلب الأحيان.
إلا أن شمع الأذن قد يتسبب في ظهور الصمم التوصيلي إن أدى إلى إغلاق قناة الأذن، كما أنه يتداخل مع عمل السماعات المساعدة.
ولا توجد طرق لمنع الأذن من إنتاج الشمع إلا أنه بمقدورك منع تراكمه باستخدام قطرات مثل «ديبروكس» Debrox.
لا تحاول أبدا الحفر بنفسك لاستخراج الشمع المتراكم، لأنه لن يمكنك تحقيق ذلك، وقد تقوم بإلحاق الضرر بطبلة الأذن.
وبدلا من ذلك اطلب مشورة الطبيب أو الطاقم الصحي. وقد تحتاج إلى استخدام قطرات لما بين ثلاثة إلى خمسة أيام، قبل أن تنظف الأذن من الشمع بواسطة ري الأذن بماء دافئ.