الرياضة الجماعية المنتظمة .. تشفي من اكتئاب ما بعد الحمل
يعتبر اكتئاب ما بعد الولادة أحد أكبر المخاطر التي تواجهها الأسرة عقب الوضع مباشرة، وهو مرض نفسي يصيب السيدات والرجال على حد سواء، وإن كانت السيدات هن الأشهر والأكثر عرضة لمخاطره.
وطبقا لدراسة إحصائية صادرة في بداية العام الجاري عن كلية الطب بولاية فيرجينيا الأميركية، فإن نحو 80 في المائة من السيدات يصبن بنوع طفيف من الكرب والكمد أو الكآبة أثناء فترة الحمل أو بعد الولادة، ولكن معدل إصابة السيدات بالاكتئاب المؤثر أثناء فترة الحمل يتراوح بين 10 إلى 30 في المائة من إجمالي نسبة الحوامل، وتظل هذه النسبة ثابتة في الحدود نفسها خلال العام الأول عقب الولادة لدى السيدات، بينما تتراوح بين 1.5 إلى 20 في المائة في الآباء.
ونظرا لخطورة مثل هذا الاكتئاب ولارتفاع معدل الإصابة به، فإن دراسة أخرى نشرت في دورية «العلاج البدني Physical Therapy» في عددها الخاص بشهر مارس (آذار) الماضي، أشارت إلى أهمية ممارسة الرياضة بشكل جماعي كوسيلة مساعدة لخفض عدد الحالات المصابة باكتئاب ما بعد الولادة، ومعالجة آثاره جزئيا في من أصيب به بالفعل.
وطبقا للدراسة التي أجراها عدد من باحثي جامعة ملبورن الأسترالية بقيادة البروفسورة ماري جاليا، أستاذة العلاج البدني بالجامعة، فإن متوسط الإصابة العالمي بمرض الاكتئاب الشديد عقب الولادة هو نحو 13 في المائة من بين الأمهات «الجدد»، وأن معظم هذه الإصابات تظهر في الأشهر الثلاثة الأولى بعد الولادة مباشرة.
وعلى الرغم من أن معظم هذه الحالات تشفى تلقائيا من دون أي تدخل علاجي، ويكفي معها فقط إعادة بث الطمأنينة والثقة بالنفس، فإن نحو 10 في المائة منها قد تتفاقم إلى الصورة الكاملة (عسيرة العلاج) للاكتئاب، أي أن هذه الحالة تصيب أكثر من 1 في المائة من إجمالي عدد السيدات الحوامل سنويا، وهو رقم كبير، إذ يفوق عدد الحالات المصابة بحمى النفاس ونزيف ما بعد الولادة في معظم بلدان العالم.
رياضة جماعية
وعلى الرغم من أن دراسات كثيرة سابقة أكدت على دور الرياضة العام في معالجة الاكتئاب، فإن هذه الدراسة تعتبر الأولى من نوعها التي تستند إلى زاوية «الجماعية» أثناء ممارسة الرياضة للتغلب على اكتئاب ما بعد الولادة.
واعتمدت الدراسة على مقارنة النواحي النفسية لعدة مجموعات من السيدات في مرحلة ما بعد الوضع، إحدى هذه المجموعات تمارس الرياضة بصورة جماعية مرة أسبوعيا، طبقا لبرنامج محدد سلفا من قبل أصحاب الدراسة، والمجموعة الثانية تمارس الرياضة بشكل فردي، بينما الثالثة لا تمارس الرياضة بأي أشكالها.
وبعد نهاية فترة الدراسة، التي استمرت مدة 8 أسابيع، تم إجراء تقييم نفسي لكل أفراد المجموعات الثلاث، فتبين أن نسبة التعرض للاكتئاب تقلصت بصورة واضحة بين أفراد المجموعة الأولى بنسبة نجاح تعدت الـ50 في المائة.
أسباب الاكتئاب
واختلف العلماء في أسباب حدوث اكتئاب الحمل وما بعد الولادة، ما بين مؤكد أن سببه يعود إلى نقص الفيتامينات الذي تتعرض له المرأة في الحمل وعقب الولادة، ومن يشير إلى تعرض الأم «الجديدة» إلى ضغوط حياتية غير مسبوقة لديها، وترجعها جماعة ثالثة إلى تعرض الأم طوال فترة الحمل للهرمونات التي تبدأ في الانسحاب تدريجيا عقب الولادة.
والرأي الأخير هو الأقرب إلى الصواب، ولو أن معظم الأطباء المتخصصين يؤكدون تضافر كل هذه العوامل معا في الإصابة.
ويرجع الباحثون النتيجة السابقة إلى أن ممارسة الرياضة بشكل جماعي منتظم، بين مجموعة متجانسة تتفهم ظروف بعضها وتشعر بمشاعر نفسية متقاربة، إنما تؤدي إلى انخفاض معدل الشعور بالكآبة وتنشر نوعا من أنواع البهجة وتبادل الخبرات المعرفية عن تكوين العائلة «المستجدة».
كما أن الرياضة ذاتها تساعد الجسم على التخلص من آثار هرمونات الحمل بصورة أسرع، وتعجل من استفادة الجسم من الفيتامينات المختلفة، كما تحسن من شكل الجسم عقب الولادة، وهو أحد الأسباب التي قد تؤدي إلى الاكتئاب في حد ذاتها.
أعراض الإصابة
وتشمل أعراض الإصابة الشعور غير المبرر بالحزن وفقدان الأمل ونقص التقدير الذاتي والإحساس الزائد بالذنب والإجهاد الزائد واضطرابات النوم وقلة الرغبة الجنسية.
وقد تؤدي مثل تلك الإصابة إلى انعكاسات خطيرة على الأم أو الطفل أو الأسرة بأسرها، ففي حالات الإصابات الشديدة تهمل الأم طفلها، أو تهمل الاهتمام ببيتها وزوجها، بل ونفسها، مما قد تزيد معه حالات الإصابات المنزلية أو قد يؤدي في بعض الأحيان إلى زيادة حالات إيذاء الذات التي قد تصل إلى حد الانتحار.
كما أن نسب الطلاق تزداد معدلاتها في تلك الفترات، وبخاصة في حال ما لم يكن الزوج متفهما للأمر، أو أهمل الطبيب المتابع للحالة، سواء كان طبيب أمراض النساء والتوليد أو الباطنية أو خلافه، السؤال عن حال السيدة النفسية وتوضيح الصورة الكاملة للزوجين ونصح الزوج بكيفية مساعدة زوجته للخروج من تلك الحال إلى بر الأمان.
وتؤكد الأبحاث أن التدخين، وارتفاع معدل عمر الأم، وانخفاض الدخل المادي للأسرة، وسابقة التعرض للاكتئاب، والتيتم وإحساس الوحدة في الصغر، والحمل غير المرغوب فيه، هي أهم الأمور التي تزيد معها فرص التعرض لاكتئاب الحمل وما بعد الولادة في السيدات.
ويمكن أن تساعد بعض المكملات الغذائية في تقليل نسبة الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة مثل تلك التي تحتوي على مركبات أوميغا3، ومجموعة فيتامين «بي B»، والإكثار من شرب السوائل بصفة عامة، وبخاصة المياه الطبيعية.
بينما يكون العلاج أساسا عن طريق إعادة بث الثقة بالنفس، وتعريف الأبوين بالمشكلة والتأقلم على حلها، والتأكيد على دور المحيطين بالسيدة في تحمل ما قد تسببه لهم من ضيق، وتنظيم النوم، والوجبات الغنية بالفيتامينات والبروتينات والأملاح المعدنية، إضافة إلى إمكانية استخدام بعض مضادات الاكتئاب في الحالات الشديدة.