حكاية تاريخ الكوسا القصير .. النبتة التي عانت قبل أن تصل إلى موائد العالم

لا أحد يعرف مصدرها الأساسي، أو موطنها الأصلي. لكن الأوروبيين جلبوها معهم من أميركا اللاتينية في القرن السادس عشر مع بداية اكتشاف العالم الجديد. 


فقد كان كريستوفر كولومبوس أول أوروبي رآها على شواطئ كوبا في عام 1492 وتذوق طعمها، بعد أهل البلاد الذين عرفوها منذ زمن بعيد.

إذ يعود تاريخ إنتاج الكوسا ونشوئها إلى عام 1200 قبل الميلاد في منطقة تقع بين المكسيك وغواتيمالا، وهي تعد الثمرة الوحيدة التي كانت صالحة للأكل في مفهوم الحضارات التي تعاقبت وسكنت القارة الأميركية الجنوبية، بدءا من مدخلها الشمال المكسيكي وحتى نهايتها عند جزيرة Isla Wollaston المتجمدة.

فقد كانت تُعتبر الثمار الوحيدة التي تؤكل وتُحتضن بذورها، ما يعني بمفهوم الحضارات البعيدة قدرة على الولادة من جديد، قدرة على التجدد.

وزرعتها حضارات أميركا الجنوبية باعتبارها عنصرا رئيسيا على المائدة، حيث كانت شعوب الأنكا والمايا والأزتيكس تزرعها إلى جانب الفاصوليا والذرة وهي مكونات لا تزال حتى يومنا هذا أساسا لمائدة تلك الشعوب.

في القرن السابع عشر جلبها الأوروبيون معهم إلى القارة العجوز، بعد أن ذاقوها بطعمها الحلو واكتشفوا رائحتها الأخّاذة بعد أن تشوى على النار، حيث كان المطبخ في أميركا الوسطى في ذلك الحين يعتمد في أغلبيته على الشواء والسلق كما تبيّن الموسوعة الفرنسية في القسم المخصص بفنون الطعام العالمية منذ التاريخ وحتى اليوم. في أوروبا عاشت هذه الثمرة أعواما من الجفاء الفرنسي.

ورغم اشتهار الفرنسيين بحبهم الكبير للأكل، فإنهم جافوها ولم يتذوقوها بتاتا قبل نهاية القرن التاسع عشر، في حين أن المطبخ الأوروبي الوحيد الذي اعتمدها كان المطبخ الإيطالي، الذي لا تزال الكوسا جزءا من مكوناته الأساسية إلى جانب الطماطم والباذنجان، في حين أن الإسبان الذين جلبوها معهم لم يزرعوها كثيرا لأنها كثيرة البذور، هذا على الأقل كان في بذورها الأصلية قبل التعديل والكثير من الاختبارات التي أوصلتها إلى شكلها ونوعيتها المعاصرة.

وتعد إسبانيا اليوم واحدة من أكثر الدول المنتجة لها في بيوت بلاستيكية تفقد المنتجات طعمها الأصلي وتصبح كأنها من البلاستيك، شكلها جميل ولماع لكنها بطعم خفيف جدا لا يكاد يظهر، وهي خالية من البذور التي كانت في السابق تسبب مشكلة فعلية لمن يتناولها.

تنتمي الكوسا إلى أسرة من النباتات تسمى علميا «Cucurbitaeae»، وهي تضم اثني عشر نوعا وشكلا تتوزع على ثلاثة ألوان هي الأخضر الغامق والأصفر والأبيض المائل إلى الخضرة، وهو النوع الذي نعرف في منطقة الحوض الشرقي للبحر المتوسط، وهو النوع غير المعروف في أوروبا إطلاقا سوى بين العرب الآتين من الحوض الشرقي للبحر المتوسط.

أما النوع المعروف في أوروبا فهو ذلك الذي يتميز بحجمه الكبير ولونه الأخضر الداكن، وهي لا يمكن أن تؤكل إذا كانت محافظة على لونها، لأنها من الخضراوات السريعة العطب والأكثر حساسية ولا تتحمل التخزين طويلا، لدرجة أن الإيطاليين اخترعوا طريقة لتخزينها بتغطيسها في الزيت بعد طهيها قليلا.

وما يميزها عن غيرها أنها تنتج على مدار العام، فهي ليست من الخضراوات الموسمية التي يسعى الناس لتخزينها للمواسم التي لا توجد فيها، وإنما حالها كحال بقية المنتجات الزراعية المتوفرة كل أيام السنة.

غير أنها تكون أفضل في الفترة الواقعة بين مايو (أيار) وسبتمبر (أيلول)، وهي تلقح من خلال الحشرات أو النحل وتتميز بكثرة العصائر في لبها.