قبل أختيار «شهر العسل» .. قليل من الصبر لا يضر
«شهر العسل» هو قوس اكتمال الحب جسدا وروحا، وهو انخطافة لها إيقاعها وسحرها الخاص بعيدا عن ضجر الانتظار، ومشكلات الارتباط وتأسيس عش الزوجية، والانغماس في تفاصيل الواقع الجديد، بما تفرضه من متاعب ومسؤوليات لحياة أصبحت مشتركة بين كائنين، كلاهما سوف يكمل الآخر فيها ويضيف إليه أشواطا من السعادة والدفء والشعور بالأمان.
ومثل كل شيء عرضة للتغير والمفاجأة، عادة ما تغلف الطرافة مشكلات شهر العسل، التي تتحول بمرور السنوات إلى مادة للفكاهة والتندر بين الزوجين ولسان حالهما يقول: كم كنا أغرابا عن بعضنا في يوم من الأيام! وتكاد الآراء تجمع على أن مشكلات شهر العسل لا تعدو مشكلات صغرى تدعو في معظمها إلى الضحك.
ويعزو البعض هذه المشكلات إلى اختلاف طبائع الزوجين الذي يخلق بالضرورة مشاحنات بينهما، مثل أن يكون أحدهما فوضويا بينما اعتاد الطرف الآخر التزام النظام في شتى جوانب حياته، أو أن يهوى أحدهما الخروج والتنزه، في الوقت الذي يميل الآخر فيه للجلوس في المنزل لفترات أطول.
محمد يونس، 32 عاما معيد بإحدى الجامعات المصرية، يروي ذكرياته مع شهر العسل قائلا: «في غضون بضعة أيام من الزواج، سيطرت علي الرغبة في الخروج وارتياد المقهى الذي اعتدت الجلوس عليه مع أصدقائي، لكن الأمر بدا صعبا وغير لائق بحسب الأعراف والتقاليد لذلك كنت أتحين فرصة استغراق عروسي في النوم، وأتسلل إلى خارج المنزل لاختلاس بعض الوقت على المقهى المفضل لدي بجانب المنزل. ولدى عودتي أتظاهر بأنني خرجت للتو للحظات قلائل وألومها بأنني انتظرتها طويلا حتى تصحو من النوم».
وبرغم أن دكتور أحمد شوقي العقباوي، استشاري الطب النفسي، يعتقد أنه من غير المحتمل ظهور مشكلات ناجمة عن اختلاف طبائع الزوجين في فترة مبكرة للغاية من الزواج مثل «شهر العسل»، حيث إن الحياة الزوجية بما تحمله من فيضان في المشاعر والرومانسية في بدايتها وما تحدثه من تغييرات كبرى في حياة الزوجين، عادة ما تعمي عيونهما عن متابعة طبائع بعضهما وما بينها من تباين.
لكن مع ذلك بدأت أولى «معارك» منى، 27 عاما، موظفة بشركة خاصة، ومتزوجة منذ خمسة أشهر، في الأسبوع الثالث من زواجها بسبب زيارة الأهل.
وكما تقول: «اشتعلت بيني وبين زوجي عدة مشاحنات قوية مع بداية استعدادنا للخروج لزيارة الأهل بعد أسبوعين من الزواج، فأنا أرغب في زيارة أهلي أولا وقضاء أطول وقت ممكن معهم، وهو أصر على القيام بالمثل.
وكان كلانا يفتقر إلى الشعور بالارتياح في منزل أسرة الآخر. لكن الحمد لله زالت هذه المشكلات الآن بعد أن توصلنا إلى حلول مرضية لكلينا لتقسيم الزيارات بالتساوي بين الأهلين، وبعد أن تنامت الألفة بين كل منا وأقارب الآخر أصبحت الأمور بيننا سمنا على عسل كما يقولون».
الشكوى نفسها من زيارات الأهل خلال شهر العسل يرصدها عبد الستار أبو رحاب، 40 عاما، وهو كاتب صحافي، يقول: «كنت أتضايق من زيارات الأهل لنا في شهر العسل لرغبتي في قضاء أطول وقت ممكن مع عروسي والاستمتاع بصحبتها التي طالما تمنيتها، لكنها في المقابل كانت تبدي سعادة كبيرة باستقبال الضيوف والجلوس معهم فترات طويلة، مما أثار ضيقي وغيرتي، ووصل الأمر بيننا إلى حد الشجار أحيانا، لكنها كانت تستقبل الأمور بهدوء وتمتص غضبي، ما ساعد على قضاء شهر العسل بسلام».
وتفرض التقاليد بخاصة في بعض المناطق الريفية والشعبية، بروتوكولا محددا لزيارة العروسين، يسبب ضيقا بالغا لدى كثير من الأزواج والزوجات، وإن كانوا يتحرجون من التصريح به.
على سبيل المثال تقضي بعض الأعراف بضرورة زيارة العروسين في الصباح الباكر التالي مباشرة للزفاف، مما يعني أن الزوجين يصحوان على صوت قرع الباب.
من القلائل الذين واتتهم الشجاعة لتحدي هذه التقاليد المزعجة محمد شعبان، 33 عاما، صحافي، الذي يعلق: «لم أتردد لحظة، وبمجرد انتهاء حفل الزفاف سارعت وعروسي بالسفر بعيدا لقضاء الشهر العسل لدرجة أننا غفلنا توديع أهلنا والمدعوين».
لكن فتحي محمد، 60 عاما، تاجر، ربما يكون الأشجع على الإطلاق، حيث تحدث عن بداية شهر العسل ضاحكا: «أنا لم أخجل ولم أخش أحدا. قلتها بكل وضوح أمام أقاربي وأقاربها: لن أستقبل أي زائرين خلال أول أسبوعين، ومن سيطرق الباب فلن أجيبه».
من وقائع التجارب التي عايشها دكتور العقباوي يبقى السبب الأكبر للتوترات في شهر العسل هو العلاقة الحميمية بين الزوجين، فمع افتقار الطرفين لتجارب زوجية سابقة يغلب عليهما الخوف والجهل في التعامل مع هذا الجانب الجديد من علاقتيهما.
المجتمع، في رأي دكتور العقباوي المسؤول الأول عن هذه المشكلات، حيث يرى أن «التشديد في تربية البنات والأولاد على التعامل مع العلاقة الخاصة بين الجنسين باعتبارها (حراما) و(عيبا) يخلق منها (تابوها) يتعذر عليهما مواجهته في الواقع.
ولذلك أشدد دائما على ضرورة تدريس الثقافة الجنسية في المرحلتين الإعدادية والثانوية من التعليم، بحيث يصبح من الممكن تناول هذه العلاقة بصورة علمية بعيدا عن التهويل والترهيب منها».
ويحمل العقباوي الوالدين مسؤولية كبرى أيضا في هذا الجانب، فعليهما تجنب ربط الإثم والعذاب في ذهن أبنائهما بالعلاقة الحميمية بين النوعين، وإنما ينبغي تناولها باعتبارها علاقة طيبة مباحة شرعا بين الزوجين وفي ظل ضوابط محددة.
سبب آخر خطير وراء مشكلات شهر العسل، أو بالأحرى مشاعر الإحباط التي ربما تتولد لدى أحد العروسين أو كليهما، وهو الشعور بأن واقع الحياة الزوجية جاء دون ما كان مأمولا، وبخاصة على المستوى الجنسي، مثلما تلمح إلى ذلك فاتن، 33 عاما، مترجمة، حيث تلمست هذه المشاعر لدى كثير من صديقاتها، وفسرت الأمر بقولها: «عادة ما تبدأ الفتاة حياتها الزوجية بنظرة وردية عن طبيعة الحياة الجديدة وشريكها، وتتركز تصوراتها حول الأغاني الرومانسية والورود والكلام المعسول، الأمر الذي لا يتحقق دوما في الواقع».
يتفق مع فاتن الدكتور العقباوي، ويوضح أن «المرأة عادة يغلف تصورها للحياة الزوجية في بدايتها طابع شديد الرومانسية، مما يجعلها عرضة لإحباطات شديدة بسبب مواقف قد تبدو هينة، مثل أن يصحو عريسها صباحا عابس الوجه بينما تنتظر هي منه ابتسامة وقبلة حانية، أو أن تتأخر حالة التواؤم والألفة الجسدية بينهما».
المثير أن كثيرا من الآراء تتفق حول أن الأزواج الذين جاء زواجهم ثمرة تعارف تقليدي، أو ما يطلق عليه «زواج صالونات»، عادة ما يكونون أقل عرضة لمشاعر الإحباط وخيبة الأمل في شهر العسل عن الأزواج الذين ربطت بين قلوبهم قصص حب.
وتفسير ذلك من وجهة نظر الكثيرين يكمن في أن المتزوجين بصورة تقليدية يتسمون بسقف طموحات وتوقعات أدنى عن نظرائهم من أصحاب قصص الحب.
ويوضح الدكتور العقباوي: «المشكلة فيما نسميه (العشم)، فعندما يرتبط الزوجان بقصة حب قبل الزواج يكون (عشمهما) في بعضهما بعضا أعلى، وبالتالي إمكانية إصابتهما بخيبة الأمل أكبر».
أما أطرف حوادث شهر العسل وربما أسرعها وقوعا على الإطلاق فحدثت خلال الأشهر الماضية في أحد أحياء القاهرة، حسبما ذكرت الصحف، عندما أقدم عريس على الإلقاء بعروسه من الشرفة وهي ما تزال ترتدي ملابس الزفاف لاندلاع شجار بينهما.
وفوجئ المهنئون الذين كانت أصواتهم لا تزال تصدح بالغناء أسفل المنزل بسقوط العروس عليهم من الأعلى بعد لحظات من دخولها وعريسها «عش الزوجية».
ولم يعرف قط سبب الشجار بين العروسين.