الشعور بالوحدة يرفع ضغط الدم وقد يؤدي إلى الوفاة
يوما بعد الآخر، يؤكد العلم أن انعكاسات الظروف النفسية السيئة سلبا على الصحة العامة أمر لا شك فيه، ويؤكد على هذا المغزى تقريران بحثيان صادران عن جامعتي شيكاغو وواشنطن في الشرق الأميركي، وثالث من إقليم الباسك الإسباني، نشر في اليوم ذاته، 17 من مارس 2010، وتقرير رابع صادر في اليوم التالي، أشار بوضوح إلى مثل ذلك التأثير، على الرغم من اختلاف الغرض وراء كل منها.
تأثيرات الوحدة
التقرير الأول صدر عن جامعة شيكاغو الأميركية، ونشرته دورية «علم النفس والتقدم في العمر» Psychology and aging في عددها الحالي، حيث أثبت عدد من العلماء تحت إشراف لويز هوكلي كبيرة الباحثين في مركز علوم الأعصاب الإدراكية والاجتماعية التابع للجامعة، وبمشاركة فعالة من عدد كبير من أساتذة الطب النفسي، أن الشعور بالوحدة، في حد ذاته، يرفع من معدلات ضغط الدم في الأشخاص في سن الخمسين فما فوق، عوضا عما قد يسببه من إحباط أو اكتئاب يزيد من ذلك الارتفاع، بغض النظر عن وجود العوامل الأخرى التي قد ترفع من الضغط كالسمنة أو التدخين أو استهلاك الكحوليات، أو التعرض لضغوط مجتمعية.
وفي الدراسة التي استمرت 5 سنوات، تابع العلماء والباحثون مجموعة من الأشخاص الذين ينتمون إلى مختلف القطاعات والشرائح الاجتماعية والأعراق، ليثبتوا في نهاية الفترة أن الشعور بالوحدة يرفع من مستوى ضغط الدم بما يزيد عن 15 ملم زئبقا عن المستوى السابق لظهور هذا الشعور.
وتوضح هوكلي أن الشعور بالوحدة يتسم بوجود حافز للاتصال بالآخرين، إلا أن الخوف من الحكم السلبي أو رفض الآخر أو الإحباط يمنع نجاح مثل هذا الاتصال، الأمر الذي قد يكون وراء ارتفاع ضغط الدم.
وفي بحث ثان نشرته دورية «رعاية السكري» Diabetes Care، ذكر علماء جامعة واشنطن برئاسة البروفسور بول سيكانويسكي، الأستاذ المساعد للطب النفسي وعلوم السلوك، أن مرضى السكري الذين يفتقدون الشعور بالأمان في التعامل والثقة بالآخرين أكثر عرضة من غيرهم للوفاة المبكرة بنسبة تفوق 33 في المائة.
وقام العلماء بدراسة أكثر من 3500 مريض بالسكري، بنوعيه الأول والثاني، داخل حدود ولاية واشنطن على مدى 5 سنوات، واستبعدت الدراسة مرضى الاكتئاب حتى لا تختلط المسببات، فتأكدوا من النتيجة السابقة بشأن المرضى الذين يفتقدون الثقة بالآخرين.
وعلى الرغم من عدم معرفة الأسباب الحقيقية وراء تلك النتيجة، فإن الإحصاء السابق قد تم التأكد منه على مستوى واسع، فيما أيد العلماء تلك الملاحظة، وطالبوا بضرورة الاهتمام بالنواحي النفسية المماثلة لدى مرضى السكري.
مشكلات الأطفال
البحث الثالث هو رسالة الدكتوراه الخاصة بالباحثة الإسبانية أرنتساسو بييدو أمام جامعة بلاد (إقليم) الباسك، التي حملت عنوان «محيط الأسرة وسلوك العنف في الأطفال حول عمر 8 سنوات»، وفيه تثبت الباحثة العلاقة الوثيقة بين السلوك العنيف للأطفال والبيئة السلبية في الأسرة.
وقامت بييدو بدراسة أطفال نحو 250 أسرة في إقليم بيسكارا الباسكي، ودراسة ظروفهم الأسرية، لتخرج بنتيجة مفادها أن السلوك الشديد العنف لدى الأطفال، الذي قد يترسب في سلوك إجرامي مستقبلا، هو أمر ناتج غالبا عن أسرة مفككة، أو يتم فيها إهمال رعاية الأطفال من قِبَل الأبوين، أو نتيجة غياب أحدهما أو كليهما عن المنزل.
وتشير الباحثة إلى ارتباط هذا السلوك العنيف لدى الأطفال بالإصابات البدنية الناجمة غالبا عن الشجار، أو ضعف الرعاية الصحية نتيجة التغيب المتكرر عن المدرسة.
التقرير الرابع نشرته دورية الجمعية الأميركية للجهاز التنفسي والرعاية الحرجة، وفيه أشارت الطبيبة روزالين رايت، أستاذة الطب المساعد بمستشفى بريغام للنساء المشرفة على الدراسة، إلى أن الضغط العصبي أثناء فترة الحمل من الممكن أن يعرض الطفل لمخاطر الإصابة بالربو الشعبي.
حيث قام الفريق البحثي بتقصي الظروف المؤدية إلى زيادة الضغط العصبي لدى النساء الحوامل، ثم متابعة الأطفال بعد ولادتهم وإجراء التحاليل الطبية المختصة بتحديد الإصابة بمرض الربو الشعبي، وهو نوع من أنواع الحساسية المفرطة لعدد من العوامل بعضها تنفسي إلى جانب بعض المأكولات أو العقاقير، فثبت أن الضغط العصبي المتزايد يزيد من فرص الإصابة بمثل هذا المرض.
ويعزو الباحثون ذلك إلى أن الضغط العصبي يزيد من إفراز بعض الهرمونات والموصلات العصبية التي تصيب الجهاز المناعي الخاص بالجنين بمثل هذا الاختلال.
وتدل الدراسات السابقة على أن الحالة النفسية والحالة الجسدية هما وجهان لعملة واحدة، وعلى ضرورة الاهتمام بالرعاية النفسية لبعض المرضى حتى لا تتدهور حالتهم المرضية مستقبلا.