حصاد عواصم الموضة لخريف وشتاء 2010-2011
ومن الطبيعي أن يثمر هذا العدد الكبير من العروض على اتجاهات ستؤثر على الشارع في المستقبل القريب، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن محلات الموضة الشعبية ستطرحها بنسخ أرخص، حتى قبل أن يصل ما رأيناه على المنصات إلى الأسواق.
والفضل كله يعود إلى الإنترنت وتسابق المصممين على نقل عروضهم مباشرة للزبائن عبرها.
ورغم أن لكل عاصمة أسلوبها وتاريخها وتوجهها، فإن القاسم المشترك بينها أن الأزمة المالية علمتها أن تتخلص من الكماليات وتركز على الأساسيات.
بعبارة أخرى أن التفاصيل والزخارف الكثيرة التي كان المراد منها استعراض الجاه والمكانة، توارت لصالح التفصيل والأنوثة القوية التي تستوحي خطوطها من خزانة الرجل، وبالذات رجل الأعمال.
فالتايور الذي شهد أوجَه في الثمانينات على يد جيورجيو أرماني، مثلا، عاد بأشكال جديدة تجمع القوة بالأنوثة، من دون أن تغيب التصميمات الرومانسية.
فقد نجح المصممون الشباب في صياغة المظهر البوهيمي البورجوازي الذي ظهر في التسعينات بشكل يناسب إيقاع المستقبل القريب ومتطلباته، في دلالة واضحة أن الأمس هو الغد ما دام يحترم المرأة ويقدم لها ما تحتاجه في زمن أصبحت فيه أكثر ثقة بنفسها وبإمكانياتها.
باريس
باريس برهنت مرة أخرى أنها ليست كباقي العواصم الأخرى، وأنها تستحق لقبها كعاصمة الموضة بلا منازع، ليس لتاريخها فحسب، بل أيضا لما تقدمه من أزياء رائعة من دون بهارات أو جنون.
ففي الوقت الذي قدمت فيه نيويورك أزياء عملية عادت فيها إلى جذورها الرياضية، ونجحت لندن في ركوب موجة التجاري والفني، وقدمت ميلانو لأنا وينتور، درسا في الخياطة أعادت للأذهان القواعد التي أرست عليها أصول الموضة في العاصمة الإيطالية، بقيت باريس مخلصة لأسلوبها لم تتزحزح عنه ولم يهتز برنامجها حتى بعد أن انتشرت شائعات بأن رئيسة تحرير مجلة «فوج» الأميركية، ستحضر بضعة أيام فقط منها.
فباريس هي باريس، واثقة من نفسها وتعرف أنها لا تخيب الآمال في قدرتها على إهداء المرأة أجمل الأزياء وأرقاها.
ثمانية أيام هي مدة أسبوعها، الذي شرحت فيه الأسباب التي تجعل العالم يعشق الموضة ويثق في أسلوبها. فقد نجحت مرة أخرى في تقديم صورة جديدة لمعنى الترف العصري، ومن أهم اتجاهاتها:
- لون الكاراميل: الذي برز بشكل رائع في الكثير من التشكيلات على رأسها تلك التي قدمتها حنا ماغيبون لدار «كلوي»، فقد كانت دراسة ودرسا في كيفية تنسيق هذا اللون مع درجاته القريبة، للحصول على مظهر أنيق.
ويبدو أن هذا اللون سيتحول إلى منافس قوي للأسود، في ظل أسلوب «السبور» الذي ساد في معظم عواصم الموضة، ففي نيويورك مثلا، ظهر في عروض مايكل كورس، ومارك جايكوبس، وديريك لام، وفي ميلانو ظهر في عرضي غوتشي وماكسمارا وغيرهما.
وفي باريس لم يتجاهله معظم المصممين الذين تعاملوا معه كل بأسلوبه. في عرض «كلوي» جاء على شكل معاطف وبنطلونات عالية الخصر وقمصان وأحذية وحقائب، بينما جاء في عرض «ستيلا ماكارتني»، على شكل معطف بتصميم رياضي منطلق، وفي دار «هيرميس» جاء محددا على الجسم والرقبة، بينما نحته ألبير إلبيز مصممة «لانفان» عند منطقة الأكتاف في معطف حقنه بالقوة.
- القليل كثير: شعار عانقه الكثير من المصممين، وعلى رأسهم فيبي فيلو في عرضها لـ«سيلين» الذي يعتبر الثاني لها. فقد غابت فيه الكشاكش وفككته من التفاصيل الكثيرة التي استعاضت عنها بالتفصيل والقصات المحددة، كذلك في عرض كل من «كلوي» و«ستيلا ماكارتني» وغيرها.
- الاهتمام بالمرأة الناضجة من خلال طرح القطع المنفصلة التي تجعل خزانة أي سيدة أعمال غنية، وسهلة، وعملية وأنيقة، كان سمة مشتركة في الكثير من العروض. وتجلى هذا الاهتمام أيضا في الطول الذي يغطي الركبة وما تحت، وفي التايورات المفصلة المستوحاة من بذلات الرجل.
- المظهر العسكري، ظهر في عرض دريز فان نوتن على شكل فساتين عملية باللون الأخضر الزيتوني ومعاطف بأكمام مطرزة وبنطلونات بسحابات وأربطة تعقد عند الكاحل.
وفي عرض جونيا واتانابي، ظهر بتفصيل مستوحى من العصر الإدواردي، في جاكيتات محددة عند الخصر باللون الأخضر وأكمام تربط بالفيلكرو وتنورات بنقوشات عسكرية بفتحات من الخلف.
- رغم أن الموسم كان يحتفل بالهدوء والابتعاد عن استعراض الجاه والزخرفة، فإن الفرو كان هو الاستثناء، بالنظر إلى الكميات السخية التي استعمل فيه، سواء كان طبيعيا، كما هو الحال في معظم العروض، أو اصطناعيا كما هو الحال في عروض قليلة نذكر منها عرضي ستيلا ماكارتني و«شانيل» و«نينا ريتشي».
الجميل فيما طرح منه أنه اكتسب مظهرا «سبور» وحيويا بعيدا عن الكلاسيكية التي تعودنا عليها في الثمانينات، على سبيل المثال، مع العلم أنه لم يقتصر على المعاطف بل دخل أيضا في تصميم الكنزات والأحذية وحقائب اليد.
- الكنزة الصوفية ليست جديدة في عروض الأزياء، فهي قطعة مهمة على الأقل لإبراز قطع أخرى، لكنها هذه المرة، كانت بارزة أكثر بفضل ابتكارها وتنسيقها.
نيكولاس غيسكيير، مصمم دار «بالنسياجا» مثلا طرحها بروح مستقبلية، وفي عرض «ديور» ورغم أن تيمة العرض كانت هي الفروسية والتويد، فإن كنزة طويلة مفتوحة باللون الأبيض ومطرزة بأشرطة صغيرة باللون الأزرق السماوي كانت من بين أهم القطع التي أثارت الإعجاب.
وفي دار «شانيل» اكتسبت الكنزة طولا حولها إلى فساتين تعانق الجسم، أما في عرض «لوي فيتون» فأخذتنا إلى خمسينات القرن الماضي، لأنها كانت ببساطة دعوة مفتوحة على الزمن الجميل بكل أناقته وبساطته.
- لكل فعل رد فعل، وفي لغة الموضة لكل موضة مضاد، وهذا ما ترجم على منصات العروض من خلال الازدواجية في استعمال الأقمشة الشفافة مثل التول والحرير أو الدانتيل مع أقمشة سميكة مثل التويد أو الصوف، أو من خلال الازدواجية في استعمال الورود والتول في تصميمات هندسية محسوبة، كما هو الحال في عرض «نينا ريتشي»، هذا عدا عن الازدواجية بين الرجولة والأنوثة التي كانت قاسما مشتركا في عروض العواصم الأربع.
نيويورك .. ميلانو وباريس .. المكياج أجمل
عدوى غياب الماسكارا انتقلت من لندن إلى ميلانو، حيث لوحظ أن استعماله تقلص بشكل كبير إن لم يختفِ تماما، باستثناء عرض «غوتشي» الذي كان فيه المكياج مركزا على العيون الكحيلة.
في عرض جيورجيو أرماني مثلا تم التركيز على ظلال العيون الرمادية والوردية، بينما استعملت دار «مارني» اللون الرمادي الداكن، ودار «فيرساتشي» البني لتحديد العيون، مما أعطاها نظرة متعبة.
لأن ميلانو مقتنعة بأسلوبها الذي يخاطب امرأة تريد أناقة أنثوية، فإن المصممين أطلقوا العنان للمكياج للتعبير عما لا يستطيعون التعبير عنه بالأزياء، ومن هنا كان مكياج «الغرانج» في عرض بوتيغا فينيتا وميسوني.
لكن الإطلالة المستوحاة من نجمات هوليوود في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، كانت أيضا قوية في كل العواصم الأخرى، بدءا من نيويورك في عرض «نانيت لوبور»، أو ميلانو في عرض «دولتشي أند غابانا»، أو في باريس في عرض «نينا ريتشي» وغيرها.