تصميمات «آرت ديكو» تطلق حقبة جديدة
ضمها معرض بـ«متحف متروبوليتان» في نيويورك
من المنظور الفني، يضم «متحف متروبوليتان للفنون» عددا من أكثر المعروضات تبذيرا وترفا في نيويورك في الوقت الراهن، ومن ضمنها مجموعة ضخمة من قطع الأثاث على نسق مدرسة «آرت ديكو».
تولى ترتيب المجموعة جاريد غوس، مساعد أمين قسم مقتنيات فن القرن الـ19 والحديث والمعاصر داخل المتحف.
وتعد هذه المجموعة المؤلفة من 150 قطعة تقريبا ـ والتي تضم قرابة 75% من إجمالي مجموعة «آرت ديكو» الفرنسية التي يقتنيها المتحف ـ أكبر مجموعة يجري عرضها في وقت واحد.
وتضم المجموعة طقما فضيا لتقديم القهوة والشاي من تصميم جان إي. بويفوركات (عام 1922 تقريبا).
وتخلق الزخارف الرياضية الشكل المميزة للمجموعة انعكاسات معقدة لدرجة قد تجعلك تغفل عن العناصر الإضافية في الطقم المصنوعة من العاج واللازورد.
أيضا، تضم المجموعة أواني زجاجية سميكة ذات تصميم بسيط جذاب وزجاجات عطرية من تصميم هنري نافار، جرى تعزيز شكلها الجمالي عبر مجموعات كبيرة من فقاقيع الهواء شديدة الضآلة، والتي جرى إطلاقها داخل الأواني والزجاجات والتحكم بها على نحو دقيق.
إضافة إلى ذلك، تضم المجموعة عدة أمثلة على مكاتب وخزائن رائعة المظهر من تصميم جاك إيميلي رولمان.
وتتميز قوائمها الجذعية الشكل والأخرى المصنوعة من خشب الورد والتي تنتهي بأطراف عاجية بمظهر تغلب عليه الرقة والجاذبية كما لو كانت فرسا رشيقة ترتدي في أقدامها نعالا بيضاء.
يذكر أن رولمان هو أعظم فناني «آرت ديكو»، ويقام له حاليا معرض آخر في حي أبر إيست سايد بنيويورك.
جدير بالذكر أن مدرسة «آرت ديكو» ازدهرت في فرنسا خلال السنوات اللاحقة للحرب العالمية الأولى، وساعدت في النهضة الفنية التي ظهرت على جانبي الأطلسي في عشرينات القرن الماضي، وتركت أثرا خالدا على ناطحات السحاب الأميركية، قد يكون أبرزها «مبنى كرايسلر».
إلى جانب ذلك، يتضح الميل إلى «آرت ديكو» في المتاجر الكبرى في نيويورك، التي أقامت معارض للطرز الفرنسية وأنتجت أيضا مواد مقلدة استبدلت فيها بالقشرة الخشبية غريبة الشكل وجلد القرش والعاج قشرة خشبية بسيطة ملونة.
وداخل الولايات المتحدة، تحول «آرت ديكو» إلى «نمط انسيابي» شعبوي صناعي يعتمد على مزيج من معادن رديئة نسبيا، ترك بصمته على كل شيء من القطارات والطائرات حتى المبردات وأجهزة المذياع.
نال «آرت ديكو» اسمه من «المعرض الدولي للفنون الزخرفية والصناعية الحديثة» الذي انعقد في باريس عام 1925، الذي شكّل نقطة انطلاق هذه المدرسة على الصعيد العالمي، خصوصا الولايات المتحدة وفيما وراءها.
وتعد هذه المدرسة الأولى من نوعها في مجال التصميم تظهر في القرن الـ20، على الأقل حتى بات الاسم مرتبطا بالمعمار والتصميم الـ«باوهاوس» الذي دعا إليه «متحف الفنون الحديثة».
في الواقع، يأخذ «آرت ديكو» و«باوهاوس» مسارين متعارضين، ما يجعل من إقامة معرض «آرت ديكو» داخل «متحف متروبوليتان للفنون» ومعرض «باوهاوس» الذي يستضيفه «متحف الفنون الحديثة» حاليا مصادفة سعيدة. ومع ذلك يشترك التياران في بعض المناطق الرمادية.
على سبيل المثال، تتضمن الكتب التي تتناول «آرت ديكو» في بعض الأحيان أمثلة من قطع الأثاث أنبوبية الشكل مصنوعة من الفولاذ، خصوصا نسق «غران كونفورت» الذي صممه لو كوربوزيير وتشارلوت بيرياند. لكن قطع الأثاث أنبوبية الشكل المصنوعة من الفولاذ تثير في الأذهان صور التقدم والإضاءة والإنتاج الضخم، وتكاد تكون مكافئا للطابع الحداثي الثوري المميز لـ«باوهاوس».
وفي أثناء تدريسه هناك، تحول مارسيل بروير ـ مستلهما وحي الإبداع من دراجته ـ إلى استخدام الأنابيب الفولاذية في صنع الأثاث.
داخل فرنسا، تجسدت «آرت ديكو» في مجموعة إبداعات فريدة من نوعها. الواضح أن الفرنسيين نظروا إلى هذا التيار باعتباره امتدادا للتقاليد الحرفية أو الصناعات بالغة الرقي التي بدأت في ظل حكم لويس السادس عشر.
وتضمنت هذه التقاليد فن صناعة القشرة الزينية وتطعيم الخشب، بجانب الخطوط الدقيقة لخزائن «روكو» التي كانت من بين مصادر الإلهام لرولمان.
مثلما الحال مع «متحف الفن الحديث» و«باوهاوس»، كان «متحف متروبوليتان للفنون» من أوائل الجهات التي تبنت «آرت ديكو»، حيث جاء النمط الرفيع المستوى لمنتجات هذه المدرسة متوافقا مع ذوق المتحف بمجال الفنون الزخرفية، وشرعت في شراء مقتنيات تتبع هذا النسق عام 1922 (قبل أن تكتسب المدرسة اسما مميزا لها)، غالبا بصورة مباشرة من المصممين.
علاوة على ذلك، فإن 60 من الأعمال الـ150 تقريبا المتوافرة في المعرض انضمت إلى المجموعة عام 1925، ويرجع الفضل الأكبر وراء ذلك إلى التمويل الذي وفره إدوارد سي. مور، الذي عمل والده صائغ فضة وترأس مؤسسة «تيفانيز».
في عام 1926 كان المتحف المحطة الأولى في جولة أميركية لـ400 قطعة من معرض عام 1925.
وتؤكد المجموعة المنتقاة لدى «متحف متروبوليتان للفنون» على التنوع التاريخي الثري لـ«آرت ديكو».
ولم يُستثنَ من ذلك المزارعون السعداء وتماثيل الأطفال المجنحين. على هذا الصعيد، تختلف «آرت ديكو» بشدة عن «باوهاوس»، حيث تعكس مزيجا من توجهات رجعية وأخرى تقدمية، الأمر الذي قد يفسر بصورة جزئية الشهرة الواسعة التي تحظى بها.
علاوة على ذلك، فإنها استقت عناصر من النهضة المصرية واليونانية، والفن الأفريقي ومدرسة «بيدميريير» والأفكار الرياضية المنعكسة في أعمال الخزف المرتبطة بالهنود الحمر، مثلما يتجلى هنا في آنية من تصميم جان دوناند وكلوديوس لينوسيير.
بجانب ذلك، استقت «آرت ديكو» عناصر من المدرستين التكعيبية والمستقبلية، الأمر الذي يتجلى في تصميمات المنسوجات التي قدمها راؤول دوفي وميشيل دوبوست وآخرون.
وعليه، نجد أن هذا النسق يمكن أن يغطي كامل التيارات الواقعة ما بين الأصلي رفيع المستوى وما يقترب من الفن الرديء دون المستوى، وأحيانا ما تصدر هذه التنويعات عن فنان واحد.
على سبيل المثال، يوجد تمثال لإناء زهور نحاسي صغير يحمل هيكله الخارجي المموج نقوشا منقطة تحمل ألوانا أرجوانية وداكنة وخضراء وحمراء، ومحاطة بنقاط صغيرة من الفضة، ويعود تاريخ صنع الإناء إلى عام 1920. وينتمي عمل آخر، أقل إثارة، إلى عام 1919 ويجسد زوجا من الأفاعي الثائرة ذات مظهر شديد الواقعية، مصنوعة من البرونز المطلي بالذهب.
لكن أعمال بعض الأسماء اللامعة تثير شعورا بالإحباط، خصوصا لاليك، الذي تتمثل القطعة الأفضل من إنتاجه في عقد زجاجي مصنوع من شفيرات ناعمة من الزجاج الصافي.
وتضم المجموعة عدة مفاجآت، حيث ضم إليها غوس واحدة من كليشيهات ماتيسي المعتمدة على صورة جدراية لراقصين نفذها في قصر ألبرت سي. بارنيز في ميريون ببنسلفانيا (الذي تحول الآن إلى مقر «بارنيز فاونديشن») في منتصف ثلاثينات القرن الماضي. عادة ما يجري إيعاز ضعف صورة الراقصين إلى الجدران المقوسة، لكن ربما تتحمل «آرت ديكو» المسؤولية عن ذلك.
من بين الأعمال الموجودة في المعرض التي تعكس توجهات مستقبلية أواني زهور وأطباق مصنوعة من الخزف الحجري الخشن، اثنان من تصميم أوغوست ديلارش وإيميلي ديكور، والتي يمكن نسبتها بسهولة إلى كاليفورنيا خلال حقبة ما بعد الحرب، وآنية زهور نصف شفافة زرقاء اللون من تصميم جان سالا، الذي تثير الزخارف التي يصممها للوجوه في الأذهان الأعمال المميزة لممفيس.
وكذلك الحال مع طاولة الصحف التي صممها كليمنت روسو من الأبنوس والشركسكين (ضرب من القماش) والعاج، حيث تبدو القوائم وكأنها تعكس على نحو مبالغ فيه التوجه المميز لرولمان.
أيضا، توجد جرة شبه شفافة تحمل لون الصدأ وتتميز بخطوط سميكة من تصميم موريس مارينوت، وربما تم الحصول عليها من استوديو المصمم الهولندي هيلا جونغيريس.
ينتهي تعاقب الأعمال بجدارية زجاجية من أعمال جان دوباس، عام 1935. ويتضمن العمل الكثير من الذهب والفضة، علاوة على نقاط صغيرة من العاج.
ويسلط معرض استضافته صالة عرض «فريدمان فالوا»، في شارع إيست 67، الضوء على جوانب أخرى من أعمال رولمان، واسمه الأصلي جاك إيميلي، لكنه عمد إلى عكس الأحرف الأولى لاسمه لتصبح «إي. جيه» على امتداد حياته المهنية. وتضمنت الأعمال انعكاسا للمدرسة الكلاسيكية الجديدة.
منذ عام 1932، أي عام ما قبل وفاته في الرابعة والخمسين من عمره، توجد خزانة ملفات صممها لنفسه، مصنوعة من خشب الأبنوس مزود بمقابض مصنوعة من البرونز المطلي بالكروم.
ويبدو التصميم متجاوزا حدود مدرسة «آرت ديكو»، تماما مثلما أن هيكله يتجاوز قاعدته.